سارَعَ القطاع الخاص إلى تعديل رواتب موظفيه كانعكاس لارتفاع سعر صرف الدولار، على عكس القطاع العام الذي انتظر 3 سنوات، لتخلص السلطة السياسية إلى قرار إعطاء الموظفين والأجراء زيادة بمعدّل راتبين أو أجرين، لا يدخلان في أساس الراتب، وتالياً لا يُعتَدُّ به في تعويض نهاية الخدمة. على أن الزيادة، وبمعزل عن قيمتها، تحتاج إلى مصدر لتمويلها. ويترتَّب على التمويل انعكاسات اقتصادية واجتماعية لا يسهل التعامل معها، في ظل الأزمات المتراكمة.
زيادة وهمية
سيقبض موظفو القطاع العام رواتبهم ومعاشاتهم التقاعدية مضافاً إليها راتبين، بناءً على أساس الراتب أو المعاش التقاعدي. على أن لا يقلّ مجموع ما سيُقبّض، عن 5 ملايين ليرة وأن لا يزيد عن 12 مليون ليرة.
هذه الزيادة التي أقرّها مجلس النواب في 15 تشرين الأول الماضي، صدرت بقرار من وزير المالية، أفرج عنه يوم الاثنين 28 تشرين الثاني، لكنها لم تلقَ ترحيباً من الموظفين والمتعاقدين. إذ يجزم هؤلاء أن الزيادة ستؤكَل بواسطة التضخّم التي ستترافق مع طباعة ليرات إضافية وضخّها في السوق. وهو ما حصل في العام 2017 عند إقرار سلسلة الرتب والرواتب. علماً أن تداعيات الزيادة المقبلة، ستكون أكثر كارثية من تداعيات تلك السلسلة المشؤومة.
ولا يرى موظّفو الإدارات العامة أي تغيير فعلي سينتج عن زيادة المداخيل. فهي زيادة وهمية في ظل ارتفاع أسعار الدولار في السوق الموازية. وتتّفق آراء الموظفين على استمرار رفض الحضور إلى مراكز العمل حتى بعد إقرار الزيادة، لأن قيمتها الشرائية لا تكفي للحضور إلى العمل لأكثر من يومين في الأسبوع. وإذا كانت الزيادة ستوَظَّف بشكل أساسي لتغطية نفقات الاستهلاك، فإن الاستشفاء يشكّل عقبة كبيرة أمام الموظفين. فالمستشفيات الحكومية غير قادرة على استقبال جميع الحالات، نظراً للامكانيات الضعيفة وصعوبة تأمين التمويل لشراء المعدات الطبية الضرورية، فيما قرار الذهاب إلى المستشفيات الخاصة، مكلف جداً. وهذا الواقع، دفع الموظفين للتساؤل عمّا يمكنهم فعله لمواجهة ما وصلوا إليه. وتقييم الظروف الراهنة، أفضى إلى صعوبة التحرّك في الشارع، نظراً لصعوبة تحمّل كلفة النقل، فضلاً عن عدم فعالية التحركات وسط غياب الروابط التي تدافع عن مصلحة الموظفين، فلا يبقى سوى الاستمرار بالإضراب وعدم التوجّه إلى مراكز العمل.
الغصّة الإضافية لدى الموظفين، هي عدم إدخال الزيادة في صلب الراتب، ما يحرمهم من زيادة حجم تعويضات نهاية الخدمة. فتصبح الزيادة في هذه الحالة، مساعدة اجتماعية مفتوحة، وليست تصحيحاً للأجور.
المتعاقدون أكثر تشاؤماً
حصل الأساتذة المتعاقدون بالساعة على أوّل تصحيح لكلفة ساعات التعاقد، حين جرى رفعها من 20 ألف ليرة إلى 40 ألف ليرة. ومع استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق، حصل الأساتذة على وعدٍ من وزير التربية عباس الحلبي بالتواصل مع وزير المالية يوسف الخليل، لرفع أجرة الساعة إلى 100 ألف ليرة. والخليل ينتظر انعقاد جلسة تشريعية لمجلس النواب لتشريع القيمة الجديدة قانونياً.
ومع انعقاد المجلس لانتخاب رئيس للجمهورية، حصراً، فإن الزيادة الحالية ستستند على “أساس أجر الساعة الذي كان معمولاً به بتاريخ 1/10/2019. على أن يصدر قرار مشترك عن وزير التربية والتعليم العالي ووزير المالية يحدد أجر الساعة عن العام 2022/2023″. أي أن الزيادة ستلحق الأجر القديم وليس الـ40 ألف ليرة.
علماً أن المتعاقدين لا يقبضون بدل النقل وليس لديهم ضمان صحي ولا يُعتَرَف بهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وليس لديهم تعويض نهائية الخدمة. وفي حال الغياب عن التدريس، فالحصّة لا تُحتَسَب ولا يُقبَض عليها أي أجر.
والمشكلة الأكبر، هي عدم انتظام مواعيد القبض. فهي تحصل بشكل سنوي. وفي حال تقلّب أسعار الصرف، فستخسر تلك الساعات قيمتها قبل أن تُصرَف للمتعاقدين”.
القطاع الخاص يموّل القطاع العام
يوم أقرّت سلسلة الرتب والرواتب، قال رئيس مجلس النواب نبيه برّي، ردّاً على اعتراض رئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري على إقرار السلسلة من دون تحديد إيرادات لها في الموازنة، أن “لا شيء يُعطى ببلاش، فهناك زيادة ضرائب وإصلاحات عديدة نستقتل للسير بها”.
أقرت الضرائب ولم تجرَ الإصلاحات. أما زيادة الرواتب الحالية، فستجد أمامها عائدات سهلة تؤمّنها زيادة الضرائب على المداخيل. وهي ضرائب سيدفعها القطاع الخاص. وعليه، سيموّل موظَّفو القطاع الخاص رواتب وأجور موظفي القطاع العام. لكن رواتب القطاع الخاص، لا تستطيع حمل عبء مئات الآلاف من عائلات موظفي القطاع العام. فالموظفون في القطاع الخاص سيدفعون ضرائب مرتفعة على مداخيلهم. وتبرز في الوقت عينه، مشكلة عدم تحديد العدد الفعلي لموظفي القطاع العام، وهو إرباك لطالما واجهته وزارة المالية ولم تجد له حلاً. أي أن عدداً غير مضبوط من الموظّفين، سيقبض أموالاً مطبوعة بلا قيمة فعلية. وفي هذه الحالة، نكون أمام إنفاق مالي غير مضبوط، يتكفّل به موظفو القطاع الخاص.
تمويل زيادة رواتب وأجور موظفي القطاع العام ومتعاقديه، عبر استغلال الضرائب المرتفعة على مداخيل موظفي القطاع الخاص، يعني وضع شريحتيّن من الناس في مواجهة بعضهما البعض. وإذا كانت تداعيات إقرار السلسلة قد ضُبِطَت نسبياً في ظل استقرار سعر صرف الليرة، فإن عدم الاستقرار الحالي يزيد الضغط على موظفي القطاعين العام والخاص على حدّ سواء. ما قد يستتبع اعتراضات شعبية تضاف تداعياتها إلى التأثيرات التي قد تنتج عن زيادة التضخّم وسط انكماش اقتصادي.