القيمة الفعلية للعملة السورية..6 آلاف ليرة لكل دولار

يرجح اقتصاديون تجاوز سعر تصريف العملة السورية حاجز ال5 آلاف ليرة لكل دولار، قياساً بسعر غرام الذهب في السوق السورية، وبالنظر كذلك إلى ارتفاع معدل التضخم غير المسبوق في السوق الاجتماعية، وفشل السياسات النقدية لحكومة دمشق في تمويل العجز.

ويرى الخبير الاقتصادي أحمد عزوز أن القيمة التقديرية لليرة السورية اليوم قد تجاوزت فعلياً ال6 آلاف ليرة لكل دولار، وذلك بناءً على واقع الحال الذي يعيشه الاقتصاد الاجتماعي، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 80 في المئة عن سعر صرفها في السوق السوداء الذي يبلغ 3955 لكل دولار.

ويوضح عزوز في حديث ل”المدن”، أن أسعار السلع والبضائع وقيمة ذهب السوق ومؤشر السوق الاستهلاكية إضافة إلى حجم الصادرات، تُعتبر من أهم العوامل التي تبنى عليها عملية تحديد قيمة العملة لأي بلد، إلى جانب الأصول الثابتة والمعروفة.

ويقول: “لا يخفى على أحد سيطرة النظام على سوق تصريف العملة السوداء، خاصة بعد الحملات الأمنية التي بدأها قبل عامين وقوانين تجريم تداول وحتى حمل العملات الأجنبية، فضلاً عن تحكمه في تسعيرة الذهب المتداول للحفاظ على ما يُعرف ب(سوق دولار الذهب)، ورغم ذلك نجده أعلى من قيمته العالمية”.

ويضيف أنه “يمكن قياس سعر العملة بناءً على معدلات التضخم الآخذة بالارتفاع مقابل انخفاض حاد في قيمة الصادرات التي تمثل أهم طرق توريد النقد الأجنبي للدولة، وبالتالي نجد أن طرق دعم العملة المحلية شبه معدومة في سوريا.

وبحسب تقرير لمنظمة “الأسكوا” صادر في 2021، فقد انخفضت نسبة الصادرات السورية من 8.7 مليار دولار في 2010 إلى 2.3 مليار دولار في العام 2012 واستمرت في التراجع المطرد حتى وصلت إلى 0.72 مليار دولار في العام 2018.

وقياساً بمستوى التضخم المتسارع الذي تعيشه سوريا، وانهيار القطاعات الاقتصادية مع الانخفاض الحاد في مستوى الصادرات، وتراجع مستوى الدخل القومي والناتج المحلي وغيرها، فضلاً عن خسائر الدولة الأصول الثابتة من الذهب وسندات الخزينة، فإن سعر الليرة الحقيقي أقل بكثير من قيمتها المتداولة حالياً.

ويوضح عزوز أن “هذا التضخم ناتج عن جمود الحركة الصناعية والتجارية بسبب الوضع السياسي العام، يضاف لذلك فشل سياسة تمويل العجز عن طريق سندات خزينة الدولة وزيادة العائدات المالية، واستبدالها بسياسة التوسع بالإصدار النقدي ذات الارتدادات السلبية على سعر العملة، لتأتي الأزمات الخارجية وآخرها الحرب في أوكرانيا لتجهز على نظام التحكم بمستوى سرعة انهيار الاقتصاد والعملة السورية الذي يؤخر الأمر فقط لا غير”.

وكان مصرف سوريا المركزي قد نفى الأنباء حول تعديل سعر صرف الحوالات الخارجية مع اقتراب شهر رمضان، وهو ما يعتبره عزوز طبيعياً، بالنظر إلى انعكاسات القرار على السوق السوداء وتسريعه من عملية انهيار الليرة.

ويُجمع متخصصون على صعوبة تحديد القيمة التقريبية لليرة السورية، نتيجة غياب الشفافية النقدية لدى النظام وعدم القدرة على تقدير كمية العملات الأجنبية المتداولة في سوريا، بالنظر إلى اختلاف قوى السيطرة واختلاف السلطة النقدية.

كما يشكل الضغط الحكومي لمنع تصريف العملة المحلية بسعرها الفعلي حتى في السوق الموازية ومحاولة الحفاظ على السعر عند مستوى معين، من خلال الحملات الأمنية وغيرها من الاجراءات التي بدأت حكومة دمشق اتباعها منذ عامين، خشية توجه المجتمع إلى استبدال الليرة بأصول نقدية من العملات الأجنبية أو الذهب، عاملاً آخر يزيد من صعوبة تحديد سعر الصرف.

أمر يتفق معه الخبير الاقتصادي يحيى السيد عمر الذي يوضح أن ” تحديد قيمة أي عملة هو حاصل تفاعل عدد كبير من العوامل، منها العرض والطلب على النقد ورصيد العملات الأجنبية في الدولة وغيرها، ويختلف تأثير هذه العوامل تبعاً لظروف موضوعية وذاتية”.

ويقول السيد عمر ل”المدن”: “في ما يتعلق بالليرة السورية، فتحديد قيمتها الحقيقية يعد أمراً بالغ الصعوبة، وهي بالتأكيد أدنى من القيمة المتداولة في السوق الموازي، فالليرة تتداول حالياً على أعتاب 4 آلاف ليرة للدولار الواحد، وبالتأكيد قيمتها الحقيقية تصل لأكثر من 5 آلاف للدولار”.

ويجد السيد عمر أن الحديث عن فرض النظام سعر تداول وهمي يفتقد للدقة، مشيراً إلى أن “قيمة الليرة في إدلب الخارجة عن سيطرة النظام تقترب من قيمتها في دمشق”.

ويضيف “هذه الضبابية تعود لأسباب منها وجود سياسات نقدية متعددة في سوريا، فلا وجود لسلطة نقدية مركزية، حيث تخضع كل منطقة على اختلاف قوى السيطرة لسلطة نقدية مستقلة، وبالتالي عدم القدرة على تحديد العرض والطلب الفعليين لليرة، وأيضاً، عدم القدرة على تقدير كمية الدولار المتداول، خاصة أن اقتصاد الظل يعد المسيطر على الاقتصاد في مختلف المناطق، وهو ما يجعل المؤشرات الاقتصادية غير قابلة للقياس”.

يقرّ الاقتصاديون بصعوبة تحديد سعر تصريف دقيق لليرة اليوم، إلا أنهم يجمعون أيضاً على أن القيمة الحقيقية قد تجاوزت 5 آلاف ليرة لكل دولار، إلا أن القبضة الأمنية المشددة لا تزال عاملاً في تأجيل الانهيار الكبير لسعر الصرف، وهذا الانهيار يبدو أنه أقرب من أي وقت جراء الأزمات الخارجية وتضييق الخناق على حلفاء الأسد روسيا وإيران بالتزامن مع جفاف موارد الدولة.

مصدرالمدن - منصور حسين
المادة السابقةمبادرة دولية لدعم قطاع الأغذية الزراعية في لبنان
المقالة القادمةإنسوا اللحوم والفاكهة: الأسعار الرهيبة تحرم اللبنانيين الخضار والحبوب