“الكابيتال كونترول” يعزّز الإنقسام حول تراتبية تحمّل الخسائر

إنتهى النقاش بمشروع قانون «الكابيتال كونترول» في اللجان النيابية المشتركة، ولم ينتهِ الجدال حول العديد من النقاط الإشكالية التي يتضمّنها المشروع. النواب حاولوا تصويب بعض المصطلحات الواردة، والتخفيف من حدّتها من حيث الشكل، إلا أنهم لم يوفّقوا في التوصّل إلى صياغة قاطعة للقانون، تزيل الإلتباس وتحظى بموافقة مختلف الجهات المعنية. فأحالوا الصيغة النهائية بما تتضمّنه من خيارات ولا سيما في ما يتعلق بإمكانية رفع الدعاوى من قبل المودعين على المصارف من عدمه إلى الهيئة العامة، تاركين لها حرية التشريح وإعادة التقطيب بما تراه مناسباً.

معظم النواب المنقسمين عمودياً في مقاربة الملفات الإقتصادية والمصرفية، يتفقون على أن إقرار القوانين المالية الإصلاحية (الكابيتال كونترول، الإنتظام المالي، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي) يجب أن يكون من ضمن سلة تشريعية واحدة. فإقرار هذه القوانين بالمفرق لا يوصل إلى أي نتيجة، خصوصاً «أن العديد من النقاط تتداخل في ما بينها»، بحسب عضو تكتل الجمهورية القوية د. غادة أيوب. و»قد تمنينا على نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب في ختام جلسات مناقشة مشروع القانون في اللجان المشتركة إصدار توصية مشتركة لربط الكابيتال كونترول ببقية مشاريع قوانين الإصلاح المالي، لأن تطبيقه منفرداً يفقده معناه».

التشريع بالمفرق لا يوصل إلى حل

الفوضى التشريعية لم تكن لتحدث لو أن «الحكومة أرسلت مشاريع القوانين المتبلورة عن خطة النهوض الاقتصادي والمالي والنقدي دفعة واحدة، وبشكل واضح لا يحمل اللبس، لدراستها وإقرارها. ولكنّا بدأنا فعلياً في الخروج من عنق الزجاجة»، من وجهة نظر أيوب. «إنما إرسال مشاريع القوانين المالية من قبل حكومة تصريف الأعمال بالمفرق، وكاقتراحات قوانين مقدّمة من نائبين، يدل على عدم الجدّية وتعمّد المماطلة في حل الأزمة».

الجلسة الختامية للجان المشتركة فتحت باب النقاش في ما خصّ كيفية توزيع الخسائر (تراتبية المسؤولية عن الخسائر) على مصراعيه. فالنائب بو صعب أكد في تصريح إعلامي أن «الأموال (الودائع) هي أموال المودعين، وضعناها مع المصارف، ومصرف لبنان موّل الموازنات. وعلى الدولة أن تتحمّل مسؤولياتها، من خلال خطة استثمار أصولها بطريقة خلّاقة». هذا الطرح لا يعبّر فقط عن موقف بو صعب الشخصي»، برأي أيوب، فـ»هناك اتفاق من الناحية القانونية على أن الودائع في المصارف هي أمانة، لا يمكن اعتبارها خسائر. وهي ديون مترتّبة على الدولة اللبنانية إلى المصارف والمودعين، ولا يجوز التنصّل من تسديدها بالعملة الفعلية. خصوصاً أنها محميّة بالدستور والقوانين». وانطلاقاً من هذه المسلّمة «رفضنا تصنيف الودائع كقديمة أو جديدة في النسخة الأخيرة من الكابيتال كونترول»، تتابع أيوب. و»استبدلناها بالإيداعات الجديدة التي تمثل الودائع بالفريش دولار، لتمييزها من الإيداعات القديمة (الأموال الموجودة في الودائع قبل تشرين نهاية العام 2019) التي ستخضع لتقييد في السحوبات والتحويلات».

أما في ما يتعلق بحق المودعين اللبنانيين أو الأجانب برفع الدعاوى على المصارف في الخارج، فقد خلص النواب في اللجان المشتركة إلى صيغتين إما شطب هذه المادة، وإما الإبقاء على حق المودعين برفع شكاوى خلال سريان تنفيذ هذا القانون. فمن جهة سيتمكن بعض المودعين من تحصيل أموالهم المحقة من خلال الدعاوى في الخارج على حساب بقية المودعين غير القادرين على رفع الدعاوى. وهو الأمر الذي يوجب تعليق تنفيذ الأحكام المبرمة الصادرة في الخارج بحق المصارف»، برأي أيوب ولكن من الجهة الأخرى فإن لكلّ مودع الحق في المطالبة بحقه بواسطة القنوات القانونية». وأمام عدم القدرة على التوصل إلى حلّ لهذه الإشكالية فضّلنا رفعها إلى الهيئة العامة للبتّ بها».

التعويض من أموال الفاسدين

من جهته يرفض النائب مارك ضو إلقاء ثقل التعويض على المودعين على كاهل الدولة، لأن الأخيرة تدفع الأموال من جيوب المواطنين عبر الإيرادات التي تحصّلها من الضرائب، أو من الخدمات التي تقدّمها». وهي أساساً حمّلت المواطنين خلال العقود الماضية أعلى كلفة للاتصالات والإنترنت… والكثير غيرهما من الخدمات، لأسوأ خدمة. وستعود اليوم لتمدّ يدها على جيوب المواطنين من أجل التعويض على المودعين من دون محاسبة أو عقاب للفاسدين والسارقين. و»هذا الأمر مرفوض جملة وتفصيلاً»، بحسب ضو. «والأولى تطبيق المادة 75 من قانون المحاسبة العمومية التي تنص على تحميل الأكلاف المادية الناتجة عن أخطاء المسؤولين من أموالهم الخاصة، وملاحقة المخالفين ومصادرة أصولهم ووضعها في تصرّف المودعين. فهناك تغييب واضح لتحميل الفاسدين المسؤولية واستسهال مطالبة الدولة في سداد الخسائر». وبحسب ضو «يكفي المسؤولين ارتكاب جرائم مالية، تضاف إلى ما يتحمّله المواطنون اليوم من خسائر في رواتبهم وفي قيمة ودائعهم نتيجة تعميمي مصرف لبنان151 و158 وما يمثلانه من اقتطاع مباشر تفوق نسبته 70 في المئة».

عصية على الموافقة

الصيغة النهائية التي أقرّتها اللجان المشتركة من قانون «الكابيتال كونترول» غير قابلة للحصول على أكثرية أغلبية النواب في المجلس النيابي، وهناك صعوبة بالغة في إقرارها»، يؤكد ضو. فهي تتضمّن بعض المواد التي تتضارب مباشرة مع قانون إعادة التوازن المالي، ومواد أخرى تمسّ حقوق المودعين والأمن الاجتماعي للمواطنين». وعلى سبيل المثال فقد حدّدت الصيغة الجديدة السقف الأعلى للسحوبات من المصارف بـ800 دولار قبل تنفيذ إعادة الهيكلة والتحقق من قدرة المصارف على الإيفاء بهذه المبالغ. فالمبالغ المترتّبة على هذا البند تفوق قدرة الكثير من المصارف على الإلتزام بها وهو سيدفعها إلى التوقف عن العمل والإصرار على عدم رفع رأسمالها التشغيلي. كما فرضت الصيغة الجديدة بشكل غير مبرر قيوداً على حسابات الليرة، وتركت مسألة حق المودعين في الادعاء على المصارف معلقة.

الحاجة ما زالت قائمة

النائب د. رازي الحاج اعتبر من جهته أن «الحاجة إلى إقرار قانون «الكابيتال كونترول» ما زالت كبيرة، رغم تأخر صدوره 3 سنوات لسببين أساسيين:

– منع التحاويل التي لا تزال مستمرة والتفريط بما تبقّى من احتياطي العملات الصعبة في المصرف المركزي.

– منع المصارف من الاستمرار في الاستنساب بالتحويل إلى الخارج.

و»ما يساعد على ذلك إلغاء كامل الاستثناءات والإبقاء فقط على التحاويل للعمليات الطبية الملحة المتعذر إجراؤها في لبنان والتحويلات للطلاب المسجّلين في الجامعات الخارجية قبل العام 2020»، بحسب الحاج. كما رفضنا تضمين القانون أي إشارة أو ذكر لمنصة صيرفة، واستبدلناها بالقيمة الفعلية للسحوبات.

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقةشروط الـ NGOs للمحاسبة المالية: الاستعانة بالخارج
المقالة القادمةفيّاض: لا زيادة بالتغذية من دون “رأس المال التشغيلي”