إقتراح حاكم مصرف لبنان على وزير الطاقة تخفيض الدعم على البنزين إلى 3900 ليرة، لا يخدم ترشيد الدعم وحماية ما تبقى من دولارات المودعين، إنما يشكّل استكمالاً للإختبارات النقدية التي يجريها “المركزي” على الإقتصاد والمواطنين.
تزامن أزمة البنزين المفتعلة مع صدور التعميم 158 لم يكن مجرد صدفة بريئة. بل إن “المركزي” قد يكون تقصد تقليص فتح الإعتمادات وتنشيف السوق من المواد، لدفع المواطنين “راضين” بأي ارتفاع في سعر صفيحة البنزين مقابل الإنتهاء من ساعات الإصطفاف الطويلة أمام المحطات. ما يدفع باتجاه هذا الإعتقاد هو أن كميات الدولارات التي ستخرج من المركزي لاستيراد البنزين ستكون هي نفسها في حال كان السعر المعتمد 1515 أو 3900 ليرة. إلا أن الفرق سيكون فقط بـ”ابتلاع” مصرف لبنان كمية مضاعفة من الليرة اللبنانية تسهّل عليه تطبيق سياساته.
نقطة ضعف هذه “الهندسة” التي تعتبر بشكل أو بآخر تمهيدية لرفع الدعم، أنها لا تخفف الضغط على المواطنين، ولا تحد من التهريب ولا تحافظ على دولارات المودعين. فزيادة ما بين 12 و15 ألف ليرة على صفيحة البنزين، ووصول سعر الصفيحة إلى حدود 60 ألف ليرة سيرفع أكلاف مختلف السلع والخدمات بنسبة موازية، ولن يوقف التهريب، وستسبب نفس الضغط على احتياطي العملات الأجنبية، لأن السعر الجديد لا يخفّض الكميات المستوردة.
بغض النظر عن الهندسات المالية المقصودة، فان رفع سعر صرف استيراد البنزين من نحو 1900 ليرة للدولار الواحد اليوم (90 في المئة مدعومة على 1515 و10 في المئة تدفع بحسب سعر السوق) إلى 3900 ليرة، بعد أقل من شهر على أبعد تقدير سيحمل نتائج وخيمة على المواطنين. خصوصاً إذا أخذنا في الإعتبار انعدام البدائل الجدية والتي في مقدّمها: – عدم نضوج “طبخة” البطاقة التمويلية، وتطلبها ما لا يقل عن 3 أشهر لوضعها موضع التنفيذ. – الإعتماد شبه الكامل للعمال والموظفين على النقل الخاص للوصول إلى أعمالهم. – عدم توفر نقل عام منخفض الكلفة. هذه العوامل إذا ما أضيفت على التوقع باستمرار سعر صرف الدولار بالإرتفاع في الأسواق الداخلية، وإمكانية تخطي سعر برميل النفط العالمي الـ71 دولاراً في ظل التوقع بزيادة العرض والسماح لإيران بالعودة إلى الأسواق العالمية، فان سعر الصفيحة سيرتفع إلى أكثر من 60 ألف ليرة. و”ستزيد الأعباء على الأفراد والمؤسسات العامة والخاصة، المنهكين أساساً من انهيار القدرة الإنتاجية وتراجع الإنتاج والمداخيل”.
أيام قليلة وسيشهد البلد “تسونامي” غلاء، نظراً للأعباء الإضافية التي سيرتبها ارتفاع سعر صفيحة البنزين على أكلاف نقل الأفراد، السلع والخدمات. أمّا في حال رفع الدعم كلياً ووصول سعر صفيحة البنزين إلى 200 ألف ليرة فان “تأثيرها على الأسعار سيكون مؤلماً جداً بالنسبة للمستهلكين”، من وجهة نظر ياسين”. ذلك أن الزيادة لن تقتصرعلى اضافة كلفة النقل على السلع والمنتجات والخدمات، إنما سيعمد البعض إلى رفع الأسعار بطريقة غير منظمة أو منطقية بحجة ارتفاع سعر البنزين”.