المصارف أمام لحظة الحقيقة: “تبويس لحى” أم إفلاس وتصفية ذاتية؟

تسارع وتيرة المواجهة بين المودعين والمصارف في الداخل والخارج، وانفتاحها على كل الاحتمالات، بدأت ترسم طريقاً مليئاً بالمنعطفات. الطرفان المتنازعان لا يملكان “ترف” الرؤية الواضحة إلى أبعد من “أمتار” قليلة. فالقضية التي ظلت خامدة لأكثر من عامين تحت “رماد” الحل الشامل، إنفجرت في وجه الجميع مهددة بردود فعل لا “تطعم” المودعين “عنب” حقوقهم، بل “تميت” ما تبقى من أمل بحل منطقي.

ما جرى مع فرنسبنك لجهة إلزامه بتسديد وديعة نقداً تحت طائلة الحجز على ممتلكاته وتصفيتها بالمزاد بقرار قضائي داخلي، وما حصل مع “عوده” و”سوسيته جنرال”، بالزامهما تحويل وديعة نقداً بقرار قضائي بريطاني، وما واجه “سرادار” لجهة تسديد حقوق مجموعة من المودعين أمام القضاء الفرنسي… ما هي إلا “قطرات الدماء” التي ستجذب “قروش” الدعاوى من كل حدب وصوب للانقضاض على جميع المصارف”، يقول أحد المصرفيين الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، فـ”عندما تُسجل سابقة في القضايا القانونية، تكر السبحة ويصبح الممنوع مباحاً”.

المحامي المتخصص في الشأن المصرفي عماد الخازن يعتبر أنه “بالرغم من ضخامة ما يحدث، لم يتبلور لغاية اللحظة أي حل جدي للأزمة، ومن الصعوبة بمكان أن تبصر النور تسوية منطقية. فحتى الكابيتال كونترول الذي ينادي به البعض بوصفه العلاج السحري لتنظيم العلاقة التعاقدية بين المودعين والمصارف، لا ينفع إن لم يأت من ضمن الخطة الشاملة. ولا سيما أنه لم يعد هناك من رساميل في القطاع المصرفي لتنظيمها”. وبهذا المعنى سيكون الخاسر الأكبر مرة جديدة هو المودع. الخازن الذي يقول إن “أموال المودعين لم تذهب كلها إلى إقراض الدولة، إنما هُدر جزء غير قليل منها على عمليات توسّعها في الداخل والخارج، وتزيين نفسها بأفخم المباني والفروع”؛ ويعتبر أن “أموال المودعين من الصعب حالياً أن تعود مهما رفعوا من دعاوى، وحكم القضاء لصالحهم”.

في سابقة ليست بعيدة زمنياً، أبطل مجلس شورى الدولة في حزيران 2021 مفعول التعميم 151 الذي يحدد سعر صرف الدولار على المنصة بـ 3900 ليرة لبنانية، على خلفية طلب تقدم به بعض المحامين. فما كان من المصارف إلا أن توقفت عن تسديد الودائع بالدولار على أساس 3900 ليرة، والعودة إلى التسديد على سعر صرف 1500 ليرة، بوصفه السعر الرسمي الوحيد المعتمد، مستفيدة من عدم وجود نص يجبرها على التسديد بالدولار على أساس أن الليرة اللبنانية عملة إبرائية. وأمام هذه “الهمروجة” أُسقط قرار “الشورى” من بعبدا، وعاد الجميع فرحين إلى قبض دولاراتهم بهيركات 70 في المئة، بدلاً من 90 في المئة”.

تجيب عضو الوحدة القانونية في “رابطة المودعين” المحامية ديالا شحادة أنه “فور تبلغنا بمصادقة محكمة التمييز على قرار القاضية مريانا عناني بالحجز التنفيذي وبيع موجودات مصرف فرنسبنك، وعدم اعتبار الشيك وسيلة للإيفاء، بدأنا نحضر لاجراء جماعي لطلب الحجز على مصارف أخرى مختلفة، لمصلحة مجموعة من المودعين الذين يستفيدون من خدمات رابطة المودعين”.

في غمرة الاحداث أعيد فتح الباب واسعاً أمام “الكابيتال كونترول” بوصفه المنظم للعلاقة بين المصارف ومودعيها. إلا أن ما يغيب عن بال الكثيرين أن المصارف كانت الرافض الأكبر له، وقد استمرت حتى نهاية العام 2021 بعرقلة كل الجهود التي قادتها لجنة المال والموازنة النيابية لاقرار القانون.

مع العلم أن المصارف بحسب مصادر لجنة المال والموازنة تملك في الخارج رساميل لا تقل عن 10 مليارات وهي مقسمة على الشكل التالي:

– قروض معطاة في الخارج منذ العام 2017 بحوالى 7 مليارات دولار وهذه المبالغ تستحق عليها أقساط شهرية تدفع بالدولار النقدي أو اليورو أو خلافه.

– هناك تحويلات جرت منذ العام 2019 ولغاية شباط 2021 بلغت 245 مليون دولار.

– جمعت المصارف بحسب التعميم 154 (تكوين سيولة بنسبة 3 في المئة لدى المصارف المراسلة من مجموع الودائع بالدولار) ما لا يقل عن 3.4 مليارات دولار، باعتبار أن مجموع الودائع في منتصف العام 2020 بالعملة الأجنبية بلغ حوالى 114 مليار دولار.

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقةرابطة المودعين: «فرنسبنك» يكذب… قرار الحجز لا يشمل خزائن أموال المودعين
المقالة القادمةمرقص لـ”نداء الوطن”: إزالة الشمع الأحمر تعتمد قاعدة توازي الأشكال هل تُقرّر المصارف التصعيد والإضراب؟