المصارف اللبنانية متوقفة عن الدفع وليست مفلسة: الأولوية للمودعين

ثلاث سنوات على انطلاق الأزمة المالية المصرفية. توقفت المصارف عن الدفع مذّاك الوقت، من دون الإعلان رسمياً. قنّنت عمليات السداد وفرضت الضوابط والقيود على التعاملات المصرفية. ولم تخرج يوماً السلطة النقدية أو السياسية لتشرح للجمهور حقيقة الوضع في المصارف، أو مصير ودائعهم، أو حتى مصير المصارف نفسها.
السلطات النقدية والقضائية في لبنان لم تعترف حتى اللحظة بماهية حال المصارف، غير أن للقانون وجهة نظر واضحة كما يشرح الخبير المصرفي والمالي خالد شاهين. وقد خلص شاهين في دراسة أعدها مركز Grades للأبحاث والدراسات حول “إفلاس المصارف بين القانون والتطبيق” إلى أن المصارف اللبنانية في حالتها الراهنة “متخلفة عن الدفع وليست مفلسة”.

وللوصول إلى النتيجة تلك، لا بد من توضيح ماهية الإفلاس والتوقف عن الدفع والفرق بينهما بحسب شاهين. فالإفلاس أو التعثر المالي، هو عملياً نظام مرتبط بالتجار أو المؤسسات. ويهدف نظام الإفلاس إلى تنظيم التنفيذ الجماعي على أموال مدين تاجر يتعذر عليه أو يتوقف عن دفع ديون تجارية في موعدها. وبالتالي، فإن كل مؤسسة تتوقف عن سداد ديونها التي حان أجلها بما هو موجود عندها من سيولة، تعتبر “متوقفة عن الدفع” وبالتالي قد تعتبر مفلسة.

بين الافلاس والتوقف عن الدفع

المرحلة التي تسبق الإفلاس هي التوقف عن الدفع، وتشترك المرحلتان بالعديد من الأمور، منها التعثر عن السداد والعجز المالي، أي أن السيولة لم تعد كافية. أما المرحلتان فتختلف فيما بينها بأمر واحد فقط، مرتبط بالأصول الجامدة، أي الأصول التي يمكن تسييلها في المديين المتوسط والطويل، أي الملاءة. وفي حال كانت الملاءة كافية لسداد الديون الحالية، لا يكون التاجر أو المؤسسة مفلسةً، إنما متوقفة عن الدفع. أما في حال كانت الملاءة المصرف أو كل ممتلكاته وموجوداته وأصوله وغيرها غير كافية، فيكون حينها مفلساً.

الهدف من إعلان الإفلاس هو تحقيق المساواة بين الدائنين، إلى جانب توزيع أموال المدين بعدل بين الدائنين، وحماية حقوق الدائنين تجاه المدين، الذي لم تعد أمواله كافية للتنفيذ. أما مَن يحق له طلب إعلان توقف مصرف عن الدفع، فهو إما الهيئة الناظمة للمصارف أو مصرف لبنان أو المصرف بحد ذاته أو الدائن أو النيابة العامة.

مراحل التوقف عن الدفع

يترتّب على الطرف الذي طلب إعلان توقف المصرف عن الدفع، أن يطلب من المحكمة تطبيق أحكام القانون رقم 67/2، وبالتالي، في حال قيام المحكمة بدرس الطلب وإصدار موافقتها عليه، يتم تعيين مدير مؤقت لتصريف الأعمال العادية بالمصرف (كما هي الحال مع مصرفي فيدرال بنك وبنك البركة).

وبهذه الحالة يقوم المدير بالتدابير الاحتياطية اللازمة للحفاظ على المصرف مؤقتاً، إلى حين يتم تعيين لجنة إدارة إلزامية، ثم تقوم المحكمة بتنحية أعضاء مجلس الإدارة والمدراء المسؤولين ومفوضي المراقبة والمدراء الفنيين والوكلاء المفوضين. وهنا يتم التمييز بين المدراء حسب الصلاحية والسلطة الممنوحة لهم. من هنا تتوقف الدعاوى المقامة من قبل، وتتوقف بالتالي إجراءات الدائنين والآجال والفوائد.

المرحلة الثانية لدور المحكمة في توقف المصارف عن الدفع، والتي يتواجد المدير المؤقت بسببها، هي تعيين لجنة الإدارة الأولى، بمعنى أن يتم تعيين لجنة تتألف من 6 إلى 10 أعضاء، منهم عضو يقترحه وزير المال وعضو يقترحه حاكم مصرف لبنان، وعضو أو أكثر من أصحاب الخبرة المصرفية والمالية، وعضو أو أكثر من الدائنين، وعضو أو أكثر من المساهمين.

يكون دور اللجنة القيام مقام مجلس الإدارة، فتدير المصرف وتحافظ على الموجودات والفروع، ويحق لها الاستدانة من المصرف المركزي، أو أن تجري الاتفاقيات اللازمة كي تكمل نشاط المصرف. ويتم تعيين هذه اللجنة لمدة 6 أشهر. وبعد ذلك، يجب أن يصدر تقرير عن المحكمة تتخذ قراراً بموجبه بمتابعة نشاط المصرف أو تصفيته.

في الحالة الأولى، أي متابعة نشاط المصرف، يتم استدعاء المساهمين لانتخاب مجلس إدارة جديد. أما في حال اتُخذ قرار التصفية، فهناك حل من اثنين، إما أن يتم تعيين لجنة للتصفية أو أن يتم تعيين لجنة إدارية ثانية على مستوى أعلى لمدة شهرين فقط، تتألف من حاكم مصرف لبنان ومدير عام المالية ورئيس مجلس الشورى ورجل قانون وخبير مالي. ويكون أمامهم شهران، إما أن يؤيدوا قرار التصفية أو أن يقترحوا استمرار نشاط المصرف. وفي حال قرروا التصفية فيتم تعيين لجنة مختصة بالتصفية.

مع الإشارة إلى أن اللجنة المختصة بالتصفية تتألف من 6 أعضاء 3 منهم من الدائنين، عضو من المساهمين، خبير في الشؤون المصرفية، ورجل قانون. حينها ينتقل الموضوع إلى المؤسسة الوطنية لضمان الودائع كي يبدأ تنفيذ التصفية ودفع الديون للدائنين.

مسؤولية توقف المصرف عن الدفع؟

لا يكفي تحديد مسؤولية التوقف عن الدفع وإقالة المدراء. فهؤلاء -أي المدراء- مسؤولون أمام الدائنين مدنياً وجزائياً، بمن فيهم مفوضو المراقبة وأعضاء مجلس الإدارة ومدققو الحسابات وسائر المسؤولين الذين كانوا متواجدين في المصرف على مدى 18 شهراً السابقة.

أما السؤال الأبرز هنا: هل للسرية المصرفية دور في عرقلة موضوع تصفية المصرف أو إيقاف مصرف عن الدفع أو التنفيذ على مصرف قيد التصفية؟ الجواب لا. لأنه بمجرد أن يتوقف المصرف عن الدفع، تسقط مفاعيل السرية المصرفية عن كل من تقع عليهم المسؤوليات المدنية والجزائية.

كما أنه بمراحل التصفية من الصعب الالتزام بالسرية المصرفية، ويجب ألا ننسى أن التعديل الأخير لقانون السرية المصرفية رفع السرية تجاه مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف وتجاه المؤسسة الوطنية لضمان الودائع، بهدف إعادة هيكلة المصارف. هذا الأمر ينطبق على المصارف اليوم. ولكن رفع السرية لا ينطبق على كل الناس، وإنما من خلال المحكمة تجاه أشخاص معينين. فترفع السرية أمام المركزي ولجنة الرقابة والمؤسسة الوطنية.

مصرفا البركة وفيدرال تنطبق عليهما هذه الحالة اليوم. وقد تم تعيين مدير مؤقت لكل منهما، ويخضعان حالياً لمرحلة تقييمية، ما يعني أنه لم تحسم بعد مسألة توقفهم عن الدفع نهائياً أم إفلاسهما.

لكن، وحسب الخبير المصرفي فإن غالبية المصارف اللبنانية تتمتع بالملاءة، بمعنى أن لديها القدرة على السداد على المديين المتوسط والطويل، إنما مشكلتها بالسيولة، وهو ما يأخذه إلى اعتبار المصارف “متوقفة عن الدفع” وليست مفلسة.

مصير الودائع

في حال التصفية أو إعلان التوقف عن الدفع، يبقى السؤال الأهم بالنسبة إلى المودع هو “أين الودائع”؟ توضح الدراسة أنه حين تعلن التصفية هناك أولوية للسداد. وتعتبر أموال المودع من الدين الممتاز. وبالتالي، تعتبر الأولوية بالسداد للمودعين. بمعنى أنه عند التصفية يتم تقييم الموجودات والتصرف بها إلى حين توفر السيولة الكاملة للبدء بالسداد. ويبدأ السداد بالودائع. ففي حال تم سدادها بالكامل، يتم الانتقال حينها إلى الأسهم التفضيلية أي preferred shares التي يتم شراؤها من المصرف بضمان رأسماله. وفي حال أكملت السيولة السداد لكامل الأسهم التفضيلية، حينها يتم الانتقال إلى الأسهم العادية العمومية common shares بما يتضمن مالكي المصرف. هذه هي أولويات السداد. من هنا، في حال الوصول إلى مرحلة تصفية المصرف، يجب أن تكون الأولوية للمودعين.

ضمان الودائع

مؤخراً تم تعديل قانون المؤسسة الوطنية لضمان الودائع، ورُفع الحد الأدنى المحدد إلى 75 مليون ليرة، بمعنى في حال تم إعلان أو إقرار تصفية مصرف، تأخذ هيئة ضمان الودائع مسؤولية سداد 75 مليون لكل مودع. لكن المشكلة هنا تتعلق بأصحاب الحسابات بالدولار فالـ75 مليون ليرة لم تعد تعادل بالدولار مبلغاً محدداً في ظل تعدد اسعار الصرف، فهل هي تساوي 50 ألف دولار أو أقل أو أكثر. هذا الموضوع لم يحسم الجدل فيه حتى اللحظة، ولم يتخذ القرار بالتصفية وفق 1500 ليرة أو 8000 أو 15000 ليرة أو أي سعر آخر. وإلى حين يتم تحديد السعر الفعلي للدولار، يبدأ الدفع وفق الأولويات التي تم ذكرها أعلاه، وفي مقدمها أموال المودعين.

مصدرالمدن
المادة السابقةقانون “إعادة التوازن المالي”: نسخة لقيطة في مجلس النوّاب
المقالة القادمةجهتان تطلبان الدولار بكميات كبيرة وتتلاعبان بسعره