المصارف تربح “الليرات” وتخسر ثقة العملاء

إذا سلمنا جدلاً بان إجراءات إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وتصفية البنوك الرديئة، والتوزيع العادل للخسائر، بعد الاعتراف بها، مرتبطة بتشكيل حكومة انقاذية والاتفاق على الخطة الاصلاحية، فان لا شيء يبرر للمصارف عدم المحافظة على معايير العمل المصرفي البسيطة، وحصول عملائها بشكل مريح ومن دون تعقيدات على أبسط حقوقهم من الخدمات. فالعملاء “رضوا” بفقدان ودائعهم بالعملة الأجنبية وتقاضيها بأقل من 85 في المئة من قيمتها نتيجة توظيفها من قبل المصارف بشكل خاطئ، و”لم ترضَ” الأخيرة، فاستمرت بالاستنسابية في ما خص التعامل بالشيكات، ووضع العمولات العشوائية، ورفض فتح حسابات جديدة، وتوقيف صرافاتها الآلية وتقليص عدد موظفيها.

مع بداية هذا الشهر توجّه عميل لواحد من أكبر المصارف لسحب راتبه، فلم يجد صرافاً آلياً ATM واحداً تابعاً للمصرف يعمل، في بقعة جغرافية كبيرة في العاصمة بيروت. فهنا الماكينة فارغة من النقود. وهناك مقطوعة عنها الكهرباء… وهكذا دواليك حتى وصل إلى أحد المجمعات التجارية. وبعد انتظار دوره للسحب بـ “الطابور” وراء المصّطفين الذين حُشروا لسحب الأموال من صرافات آلية متجاورة، تفاجأ بان عملية سحب 400 دولار على التعميم 151، أي مليون و560 ألف ليرة، قُبلت ولكنه لم يحصل على النقود رغم تلقيه رسالة نصية بسحبه للمبلغ. وبعد العديد من الاتصالات مع خدمة العملاء، اقرّوا بالخطأ لكنهم رفضوا اعادة المبلغ إلى حساب الدولار. فاقترحوا فتح حساب بالليرة ووضع المبلغ به رغم عدم امتلاك العميل لحساب بالليرة. ومع رفض العميل والكثير من الأخذ والرد، والتهديد باللجوء إلى المحاكم رضخ المصرف.

بحادثة أخرى، وضع أحد المصارف حظر block على حساب عميل لأنه رفض توقيع أوراق تجديد المعلومات التي تتضمن بنداً يسمح للبنك بالتصرف بالحساب كما يرتأي، بناء على التفويض الموقع أمام أحد كتاب العدل، وتغيير الاحكام والشروط من دون الرجوع إلى العميل بشكل مباشر. فالمصرف أعطى العميل الحق بالاعتراض في مهلة 15 يوماً من تغيير الشروط. إلا أن المفارقة أن المصرف لا ينشر التغييرات على الموقع مثلما قال للعميل، إنما يجب على الأخير الإطلاع عليها مباشرة في الفرع.

لا يمكن فهم سلوك وتصرفات بعض المصارف تجاه مودعيها، إلا بالتفكير من وجهة نظرها التي “أصبحت تعتبر الزبون عبئاً وفريسة في آن معاً”، تقول عضو فريق المحامين في رابطة المودعين المحامية ديالا شحادة، “فمن جهة “تفترس” المصارف أرباحاً غير مشروعة من خلال تسليم الودائع بالدولار (تشكل أكثر من 80 في المئة من مجمل الودائع) بالليرة اللبنانية، وبسعر أقل بكثير من سعر الصرف الحقيقي، أي بمعدل لا يتجاوز 1/5 من قيمتها الحقيقية. ومن الجهة الأخرى، تسعى للتخلص بأي شكل من الأشكل من عبء صغار ومتوسطي المودعين الذين لا يكفون عن المطالبة بحقوقهم ويرفعون الدعاوى القضائية في لبنان والخارج في وجهها”.

من وجهة نظر مصرفية يعتبر أحد الخبراء أن تشفي المصارف بحق المودعين، وتعمد خرقها لمعايير العمل المصرفي السليم يعود إلى أسباب أعمق. فحصة المصارف الشهرية من الليرات يحددها مصرف لبنان لكل مصرف على حدة. ويستند بتحديد هذا السقف على عدد الفروع والصرافات الآلية والرواتب الموطنة بالليرة. إلا أن مصارف عدة تعمد إلى تجيير جزء من حصتها بالليرة لزبائنها التجار العاجزين عن احضار مبالغ نقدية من الخارج من أجل شراء الدولار على منصة صيرفة، كما ينص تعميم مصرف لبنان. لهذا السبب تقلصت قدرتها على تلبية طلبات زبائنها “غير المحظيين” من أصحاب الرواتب الموطنة لمصلحة بعض التجار أصحاب “السوبر” واسطة. وعليه من مصلحتها تقليل نسبة السحوبات النقدية عبر فروعها وصرافاتها إلى الحد الأدنى بأي شكل من الأشكال للمتابعة في مخططها.

المشكلة أن إجراءات المصارف لا تؤثر على حاضر البلد فحسب إنما تطال مستقبله. فاذا كان من المستحيل تأمين نهضة الاقتصاد من دون قطاع مصرفي قويم، قوي وسليم، فان استمرار تغييب القوانين الرادعة، وضعف المتابعة من لجنة الرقابة على المصارف وعدم تعيين رؤساء مستقلين لمجالس الإدارة سيفاقم المشكلة، ويجعل من الصعوبة استعادة دور لبنان في مجال الصناعة المصرفية على صعيد المحيط والعالم.

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقة600 ألف ليرة شهرياً نفقات التنقّل لطالب الجامعة
المقالة القادمةالبنزين يهدّد عمل الطواقم الطبية والخدمات الاستشفائية في عكار