يعلم العسكريون بأنّ عليهم التضحية في مكان ما، مساهمة منهم في إنقاذ الوضع الاقتصادي في البلاد، كما فعلوا عندما قدّموا التضحيات للحفاظ على الوضع الأمني. كما يثق هؤلاء بوعد “بي العسكر” وحرصه عدم السماح المس بحقوقهم. ولكنهم بعد التسريبات لبعض مواد الموازنة، يخشون من أن تكون ترجمة الوعود والعهود سندات خزينة فعلية، تهدّد تعويضاتهم بعد طول انتظار، وتتحوّل الى شيكات مجمّدة لمدة خمس سنوات، سيقفون عاجزين عن صرفها سواء في تعليم أولادهم أو لشراء مسكن يأويهم مع عيالهم بكرامة، اذا ما صحّت تلك التسريبات أو طُبقت.
أبرز بنود تلك التسريبات ونقلاً عن مصادر سياسية، تؤكّد أنّ الأرقام أصبحت شبه محسومة، البنود العشرة الأساسية التي توقفت عندها مصادر عسكرية رفيعة المستوى وكان لها مقاربة كشفتها في تقييمها لـ “الجمهورية” أقرّت فيها بصوابية بعضها، لكنها في المقابل حذّرت من خطورة تطبيق باقي البنود المطروحة في الموازنة المرتقبة كالتالي، مع الإشارة الى أنّ بعض تلك البنود لا تطال فقط العسكريين بكافة رتبهم، بل يشمل بعضها كافة موظفي القطاع العام.
1- إقتطاع ٢٥% من رواتب المستخدمين والموظفين في الإدارات والمؤسسات العامة لمدة ثلاث سنوات.
2- إلغاء كل الرواتب التي تتخطّى الـ12 شهراً، كالثالث عشر والرابع عشر في بعض المؤسسات العامة.
3- وقف المساعدات المدرسية للقطاع العام نهائياً.
4- تقليص الساعات الإضافية بنسبة 80%.
5- أن يكون تعويض نهاية الخدمة بناء على أساس الراتب.
6- وقف التوظيف لمدة ثلاث سنوات مع تجميد الدرجات والترقيات لثلاث سنوات أيضاً.
7- تخفيض عدد الإجازة السنوية لمدة 15 يوماً.
8- توقيف العمل في جميع المؤسسات التي تعمل خاصة نهار السبت لخفض النفقات.
9- تخفيض ساعات الدوام بما يتناسب مع الحسومات المطروحة.
10- إعطاء جميع التعويضات بعد انتهاء الخدمة، سندات خزينة لمدة 5 سنوات.
تستهل تلك المصادر العسكرية كلامها من البند العاشر والأخير بانتقاده موضحةً معناه، بأنّ الحكومة أخذت على عاتقها تقديم سندات الخزينة للعسكري أو للموظف العام بدل تعويض لنهاية خدمته كدين عليها، وهو عبارة عن ورقة موقّعة من قِبلها تقول لهم فيها “بدّك مني ومش ناسيك”.
بمعنى آخر، مهما بلغ تعويض الموظف، أو العسكري ضابطاً رتيباً أو رقيباً انتظره بعد سنين الخدمة لشراء منزل او سيارة او لتسديد أقساط جامعات أولاده، هل سيتمكن من الشراء أو تسديد أقساط منزله أو جامعات أولاده من سند خزينة؟
وتضيف المصادر نفسها: “علماً أنّ البند العاشر يلحظ إضافة فوائد على التعويضات المحتجزة والممنوحة كسندات خزينة مؤجّلة لمدة 5 سنوات” لافتاً الى انّ “الفوائد تلك لا تُقدّم أو تؤخّر بالنسبة للعسكري المتقاعد الذي ينتظر الفرج والراحة، أي السيولة لإكمال مسيرة حياته بكرامة بعد طول انتظار وبعد خدمة وطنه”.
اما بالنسبة للبندين السابع والتاسع، فتشير المصادر العسكرية بأنهما مترابطان. فالتاسع يقضي بتخفيض ساعات الدوام بما يتناسب مع الحسومات المطروحة. اما البند السابع فيقضي بتخفيض الإجازة السنوية لمدة 15 يوماً.
والسؤال المطروح: كيف يجوز للموظف او العسكري الذي يحق له بـ 30 يوماً اجازة خفضتها الموازنة الى 15 يوماً لتأمين مردود إضافي، أن تُخفّض ساعات عمله اليومية؟ بمعنى آخر، لماذا تخفيض ساعات العمل اليومية اذاً؟
لذلك ترى المصادر نفسها انّ هذا الامر يُظهر بوضوح تناقض البندين السابع والتاسع.
كما تطرح المصادر السؤال التالي بالنسبة لساعات الدوام الرسمي غير المفهومة حتى الساعة، وتشكّل بحد ذاتها مشكلة، اي عند تخفيض الدوام من 8 ساعات عمل الى 6 ساعات مع التعطيل نهار السبت، فهل يسمّى الأمر إصلاحاً؟ وهل هكذا تزداد إنتاجية البلد؟ ومن قال انّ إيقاف العمل نهار السبت يخّفض النفقات؟ فاذا صحّت تلك المعادلة تكون الدولة أعطت الموظف العام او العسكري 52 يوم عطلة سنوياً وأخذت منه 15 يوم عمل.
وبالنسبة الى البند 6 ترى المصادر ان بالإمكان تنفيذه، ولكن عنوانه يبقى السخرة. اي مصادرة الموظف لمدة 3 سنوات من خلال تجميد الدرجات والترقيات.
بمعنى انه بالنسبة للعسكري يلزمه 6 سنوات عوضاً عن 3 سنوات ليصبح ملازم أوَل، في وقت ترجّح المصادر العسكرية أنّ الإتجاه في هذه الحالة سيكون برأيها من خلال توقيف التدّرج وليس الترقية.
اما البند الخامس فهو الذي “يكسر الضهر”، بحسب تعبير تلك المصادر. وفي حال طُبّق، اي ان يكون تعويض الخدمة بناءً على أساس الراتب فقط، علماً انه عملياً مرتبط أيضاً بالتعويضات! فإذا تمّ استثناؤها من الحسبة ليبقى اساس الراتب هو المقياس فيصبح التعويض مثلاً 200 مليون اي 150 الف دولار عوض 500 مليون، اي ما يقارب 400 الف دولار.
وبالنسبة للبند 3، الغاء المساعدات المدرسية للقطاع العام نهائياً.
تعلّق المصادر على هذا البند، انه بعد 36 سنة في الخدمة العسكرية ينتظر المتقاعد الطبابة والتعليم، فإذا أُلغيا لن يتطوع أي مواطن في المستقبل في مؤسسة الجيش أو اي مؤسسة عسكرية.
اما بالنسبة للبند 2 فتقرّ المصادر العسكرية بأهميته، ومن انّه البند الإصلاحي الوحيد في البنود المطروحة، اي الغاء الرواتب التي تتخطى الـ 12 شهراً والذي يساهم في مكافحة الهدر.
يبقى البند رقم 1 التي تكشف المصادر العسكرية بأنّه البند الأهم الذي يشكّل نقطة خلاف بين رئيس الحكومة سعد الحريري والوزير جبران باسيل. فالأوّل يقترح إقتطاع 25% من رواتب العسكريين والموظفين في القطاع العام لمدة 3 سنوات ليعيدهم بعد 3 سنوات، فيما يطرح باسيل إقتطاع الـ25 بالمئة من أساس الراتب بصورة نهائية.
وتخلص المصادر السياسية والعسكرية معاً، بأنّ بنود الموازنة يتضح بأنها وبشكل عام لا تقارب التنشيط الإقتصادي ولا الإصلاح المرتقب وفقاً لشروط “سيدر”، لأنّ الدول المُقرضة وبنوكها لم تطلب تقشفاً شعبياً ولا تخفيض موازنة بل اشترطت نقاطاً واضحة: مكافحة الفساد، الهدر، والتنشيط الاقتصادي… أي ضبط المرفأ والجمارك والمعابر الحدودية وشبكات التهريب وتحريك النشاط الإقتصادي، في وقت تخفيض الرواتب لا ينشّط الإقتصاد ولا يكافح الفساد والهدر ويبقى لزوم ما لا يلزم.