الموازنة: مشروع الحسابات الخاطئة والعجز الوهمي!

بُني مشروع موازنة 2019 على حسابات خاطئة يخشى من أن تصبح مميتة! فالحكومة زعمت أنها ستقلّص كلفة خدمة الدين العام 1000 مليار ليرة عبر إصدار سندات خزينة بفائدة 1%، وأنها ستزيد الإيرادات 400 مليار ليرة عبر زيادة الرسم الجمركي على الواردات بمعدل 2%. هذه الفرضيات سقطت سريعاً مع انفجار خلافات حادة على الرسم الجمركي، كما تبيّن أن مصرف لبنان والمصارف غير ملتزمين بشراء هذه السندات، فيما صندوق النقد الدولي يحذّرهم من شرائها… هذه الحسابات سيدرسها رئيس الجمهورية ميشال عون مع فريقه الاقتصادي، بحضور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

اعتباراً من يوم غد الثلاثاء، تبدأ الهيئة العامة لمجلس النواب مناقشة مشروع موازنة 2019 بعدما خضع لتعديلات موضعية في لجنة المال والموازنة أدّت إلى خفض النفقات بقيمة 470 مليار ليرة وزيادة الإيرادات بقيمة 200 مليار ليرة، أي أن اللجنة خفضت العجز إلى 6154 مليار ليرة، مقارنة مع 6824 مليار ليرة كما ورد في مشروع الحكومة، وذلك من خلال خفض اعتمادات «أوجيرو» ومجلس الإنماء والإعمار وتأجيل تسديد بعض السلفات. هذا المستوى من العجز ليس افتراضياً فحسب، بل يصحّ وصفه بأنه «وهمي» لأنه يستند إلى تقديرات وحسابات خاطئة على ضفتي النفقات والإيرادات اللتين تضمنتا خفضاً لكلفة خدمة الدين بقيمة 1000 مليار ليرة قد يستحيل تحقيقه، وإيرادات بقيمة 400 مليار ليرة لم يتفق عليها بعد، وهو ما دفع رئيس الجمهورية إلى دعوة فريقه الاقتصادي إلى اجتماع يعقد اليوم في القصر الجمهوري، بحضور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للتشاور ودرس الخيارات والبدائل المتاحة. يأتي هذا الاجتماع بعدما تبيّن أن سيناريو إصدار سندات خزينة بفائدة 1% وبقيمة 12 ألف مليار ليرة بات أمراً مشكوكاً فيه بعد بيان صندوق النقد الدولي الأخير الذي يقول الآتي: «على مصرف لبنان أن يتراجع عن شراء السندات الحكومية والسماح للسوق بتحديد العائد على أدوات الدين الحكومية، ذلك أن شراء أدوات الدين الحكومية المقترحة ذات الفائدة المنخفضة من شأنه إضعاف الميزانية العمومية للمصرف وتقويض صدقيته. كذلك ينبغي ألا يكون هناك أي ضغط على المصارف الخاصة لشراء أدوات الدين ذات الفائدة المنخفضة». كلام الصندوق نسف الفكرة من أساسها. هي الفكرة التي روّج لها وزير المال علي حسن خليل في النسخة الأولى من مشروع الموازنة، إذ تعمّد تقليص خدمة الدين العام بمبلغ ألف مليار ليرة، ثم أبلغ مجلس الوزراء أنه اتفق مع مصرف لبنان على إصدار سندات خزينة بفائدة 1% وبقيمة 12 ألف مليار ليرة، ما من شأنه تقليص خدمة الدين بالمبلغ المذكور. قصر النظر ليس مرتبطاً بوزير المال، بل كان هناك الكثير من مؤشرات فشل هذا السيناريو. أولها بدأ يوم دعت لجنة المال والموازنة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى الجلسة لسؤاله عن هذا الأمر. بحسب أعضاء في اللجنة، فإن سلامة لم يقدّم أي التزام يدلّ على وجود اتفاق مع وزير المال، كما أن ممثل جمعية المصارف أبلغ اللجنة أن المصارف ليس لديها فكرة ولا يمكنها أن تلتزم بهذا السيناريو.

النتائج المالية لسيناريوات خفض خدمة الدين العام وزيادة الرسم الجمركي، ليست تفصيلاً صغيراً في بنية الموازنة. أيّ خلل بهذا الحجم سيكون له مضاعفات حادّة على الأهداف التي حدّدتها الحكومة لنفسها بشكل اعتباطي، أي خفض العجز كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 11% إلى 7.6%، قبل أن تعلن لجنة المال والموازنة أنها خفضتها إلى 6.9%. فعلى سبيل المثال، إن عدم تحقق مسألة خفض كلفة خدمة الدين العام، سيزيد العجز إلى 8% من الناتج، كما أن عدم الحصول على الإيرادات المرتقبة من زيادة الرسم الجمركي سيزيد العجز 7.4%، أما عدم تحقّق كليهما فيعني أن العجز سيبلغ 8.5%. الحسابات الخاطئة للحكومة لا تنحصر بالسيناريوات المتصلة بالنفقات والإيرادات. هذه «البلاهة» تشمل تقديرات النموّ الاقتصادي أيضاً. فالحكومة تتوقّع نسبة النموّ الاقتصادي لعام 2019 بنحو 1.3%، أي أن الناتج المحلي الإجمالي سيرتفع إلى 88855 مليار ليرة (58.9 مليار دولار)، من دون أن تنظر إلى الأثر الناتج من السياسات النقدية الانكماشية التي يمارسها مصرف لبنان في سبيل الحدّ من الطلب المتزايد على الدولار، ولا السياسات التقشفية الواردة في الموازنة التي تخفف من إنفاق الحكومة، ولا الزيادات الضرائبية التي ستدفع إلى المزيد من الانكماش والتهرّب الضريبي. فوق ذلك كلّه، فإن تقديرات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن اقتصاد لبنان لن ينمو في السنة الجارية، بل سيتقلص بنسبة 1%… فكيف سيتم احتساب هذا الأمر في مؤشرات العجز نسبة إلى الناتج؟ لا يصدّق خبراء صندوق النقد الدولي ادعاءات الحكومة بتنفيذ الإجراءات التي تتعهد بها وبنتائجها.

البيان الأخير للبعثة الرابعة التابعة للصندوق يشير إلى أن موازنة 2019 تستهدف عجزاً بنسبة 7.6% من إجمالي الناتج المحلي، من أجل «تصحيح الانحرافات في العام الماضي واللحاق بالمسار الذي تم التعهد به في مؤتمر سيدر». يعدّد الصندوق أهم الإجراءات (زيادة الضريبة على الدخل من الفائدة من 7% إلى 10%، فرض ضريبة على السلع المستوردة بمعدل 2%، وتجميد التوظيف والتقاعد المبكر في القطاع العام)، إلا أنه يقول الآتي: «التقديرات الأولية لخبراء صندوق النقد الدولي، تشير إلى أن إجراءات الموازنة ستخفض عجز المالية العامة المحسوب على أساس نقدي إلى 9.75% من الناتج المحلي. ورغم أن الموازنة لم يتم إقرارها بعد ولم يتأكد بعد الشكل الذي ستتخذه الموازنة المعتمدة، فمن المرجح، استناداً إلى المعلومات الحالية، أن يكون العجز المتوقع أعلى بكثير من المستوى المستهدف الذي أعلنته السلطات». ويضيف الصندوق إن هناك «عدم يقين بشأن رصيد أوامر الدفع القائمة وعملية تسويتها التي ستؤثر على العجز النقدي في عام 2019»، ثم يخلص إلى القول بأن «الدَّين سيظل على مساره التصاعدي».

مصدرالاخبار
المادة السابقةأزمة السير تتفاقم.. واللبنانيون يطلبون “القطار” ؟
المقالة القادمةفادي الجميّل: المشكلة الاقتصادية أبعد بكثير من إجراءات اتخذتها الحكومة أو قد تتخذها