الناتج الإقتصادي اللبناني 45 مليار دولار وليس 18 ملياراً

*تعتمد المؤسسات الدولية والمحلية على معلومات خاطئة لاحتساب الناتج منها الضريبة على القيمة المضافة، إعتماد مؤشر أسعار يعتمد على تثقيل قديم جداً تغيرت نسبه منذ 11 عاماً

*يخطئون في استخدام معلومات عن المؤسسات وعدد المساكن المستنتج من التعداد الذي نفذته إدارة الإحصاء خلال 2004، ولم يشمل كامل مؤشرات الشوف وعاليه، وتسجيل ناقص للضرائب

*إن الدراسات المتعددة تقدر متوسط القطاع الهامشي بحوالى 52% تبعاً لأطروحة دكتوراه محضرة من ماري شفتري مقدمة خلال العام 2021 في جامعة السوربون ومنشورة على موقع HAL

*تبرز ضرورة احتساب الناتج الوطني العائد لتقنية المعلومات، حيث يعمل أكثر من 80000 شخص، وهذا الناتج أكثر من 3.5 مليارات دولار بينما يقدرون ناتج تكنولوجيا المعلومات بأقل من1.2 مليار دولار

* ما ينشر من معلومات ومؤشرات خاطئة عن الناتج الوطني اللبناني وغيره يشكل طريقة مقصودة أو غير مقصودة للتأثير على الإستثمار في لبنان، وضرورة التصحيح أصبحت ملحة جداً

1 – مقدمة

تعتمد المؤسسات الدولية والمحلية اللبنانية على معلومات خاطئة لاحتساب الناتج الوطني اللبناني نذكر منها الضريبة على القيمة المضافة، إعتماد مؤشر أسعار يحتسب من قبل إدارة الإحصاء المركزي والتي تعتمد على تثقيل قديم جداً تغيرت نسبه منذ 11 عاماً، واستخدام لمعلومات عائدة إلى عدد المؤسسات وعدد المساكن المستنتج من التعداد الذي نفذته إدارة الإحصاء المركزي اللبناني خلال العام 2004، حيث لم يشمل هذا الإحصاء كامل المؤشرات في قضائي الشوف وعاليه، تسجيل ناقص للضرائب في مختلف القطاعات الإنتاجية.

إضافة ألى أن الدراسات المتعددة تقدر متوسط القطاع الهامشي بحوالى 52% (تبعاً لأطروحة دكتوراه محضرة من قبل السيدة ماري شفتري) مقدمة خلال العام 2021 في جامعة السوربون – باريس ومنشورة في الموقع العالمي HAL خلال العام 2022، وتبرز ايضاً ضرورة احتساب الناتج الوطني العائد لتقنية المعلومات، حيث يعمل أكثر من 80000 شخص، فعدم الاحتساب الصحيح لهذا القطاع يساهم في تخفيض الناتج الوطني بنسبة تزيد على أكثر من 20% من الناتج الذي تحتسبه جميع هذه الهيئات، إذ أن ناتج هذه المؤسسات أكثر من 3.5 مليارات دولار بكثير تبعاً للدراسات الأولية التي نفذناها خلال العام 2022 و 2023، بينما يقدر ناتج تكنولوجيا المعلومات بأقل من1.2 مليار دولار.

بين 35 و50 مليار دولار

إن هذه المؤشرات لم تؤخذ بالإعتبار من قبل إدارة الإحصاء المركزي والمنظمات الدولية مثال صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي تعتمد على هذه المعلومات الخاطئة ليقوموا بتقدير الناتج الوطني خلال العام 2023 بأقل من 20 ملياراً، وحين اعتماد تقدير الناتج على دراسات إحصائية ميدانية منفذة منذ العام 2002 وحتى العام 2023 يصل الناتج الوطني الإسمي ما بين 35 مليار دولار بحده الأدنى و 50 مليار دولار بحده الأقصى وبمتوسط يتراوح بحدود 42 و45 مليار دولار، حيث بلغ معدل إنتاج العامل الواحد حدود الـ 45000 دولار سنوياً، وتشكل نسبة الناتج الوطني من الإنتاج في هذه الدراسات ما بين 45% خلال العام 2018 و 60% خلال العام 2022 و 2023.

2 – مصادر المعلومات المستعملة في احتساب الناتج الوطنيإن الناتج الوطني المحتسب من قبل صندوق النقد الدولي مبني بشكل رئيسي على أساس الضريبة على القيمة المضافة التي جبتها وزارة المال خلال السنوات المتلاحقة.

إن الناتج الوطني المقيم بالدولار الأميركي المحتسب من قبل إدارة الإحصاء المركزي مبني على:

أ‌- الدراسة الإحصائية التي نفذت في العام 2004 من قبل فريق عمل في وزارة الإقتصاد على عدد كبير من المؤسسات الكبيرة والكبيرة جداً في لبنان، وأهملت بعض باقي المؤسسات المتوسطة والمؤسسات الصغيرة والصغيرة جداً.

ب‌- ويعتمد في ما بعد من قبل إدارة الإحصاء المركزي على المؤشرات الإقتصادية المتوافرة من الإدارات الرسمية. خصوصاً الضريبة على القيمة المضافة، ومؤشر التجارة الخارجية وواردات الدولة المسجلة، إضافة إلى ميزان المدفوعات ومؤشر الأسعار، وغيرها من المؤشرات الإقتصادية.

ج- أما صندوق النقد الدولي والذي احتسب ناتجاً وطنياً بحدود الـ 18 مليار دولار للعام 2023 مبني على نموذج إقتصادي رياضي يسمى MIDAS، وقد تبين لنا من خلال الأبحاث التي قمنا بها بأن هوامش الخطأ الناتجة عن تطبيق هذا النموذج يمكن أن يتجاوز الـ 70% (Forecasting Baden-Württemberg›s GDP growth: MIDAS regressions versus dynamic mixed-frequency factor models Konstantin Kuck1 Karsten Schweikert)

3 – التدقيق في مصادر المعلومات في لبنان: الطرق الحسابية المستعملة في لبنان

أ‌- طريقة احتساب الناتج من قبل إدارة الإحصاء المركزي: تعتمد إدارة الإحصاء المركزي على المؤشرات الآتية في احتساب الناتج الوطني:

– دراسة ميدانية مع المؤسسات الكبرى نفذت في وزارة الإقتصاد خلال العام 2004 وقد أشرفت على تنفيذ العمل الميداني في حينه.

– التعداد الشامل للمؤسسات والوحدات السكنية في جميع الأراضي اللبنانية خلال العام 2004. غير أن هذه الإدارة لم تقم بتنفيذ التعداد في قضائي الشوف وعاليه وبالتالي لم تسجل حوالى 23274 مؤسسة إضافة إلى عدم شمول هذا التعداد للمساكن والبالغ تبعاً للتقديرات التي قمنا بها بناء على متوسط نمو المنازل وقد وصل هذا العدد إلى حدود 283000 مسكن في هذين القضاءين وبالتالي فإن أي إستعمال لنتائج العام 2004 يشوبها نسبة خطأ تتجاوز الـ20%.

– المؤشرات الإقتصادية التي تنشرها وزارة المال والمؤشر العائد إلى التجارة الخارجية وميزان المدفوعات ومؤشر الأسعار المحتسب من قبل هذه الإدارة وغيرها من المؤشرات.

– وتعتمد إدارة الإحصاء المركزي في احتساب مؤشر أسعار الإستهلاك على سلة إستهلاكية للأسر نفذت خلال العام 2012 وقدرت هذه الدراسة بأن موازنة الأسرة السنوية الوسطية هي بحدود الـ 22000 دولار وقد أجريت هذه الدراسة على عينة تزيد على 5000 أسرة في جميع المناطق اللبنانية. وتتطابق نتائج هذه الدراسة مع نتائج دراسة مماثلة نفذتها خلال نفس العام على عينة من حوالى 320 أسرة شملت جميع المناطق اللبنانية.

ب‌- طريقة احتساب الناتج الوطني من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي: يقول صندوق النقد الدولي في تقاريره العلمية بأنه يوجد ثلاث طرق لاحتساب الناتج الوطني في أي دولة، ويأتي في المقدمة، إجراء دراسة ميدانية، أو عند إحتساب الإستهلاك، والإستثمار والمعلومات الصادرة عن دوائر الدولة والإدارة العامة والتجارة الخارجية، والثالثة تعتمد على العديد من المؤشرات الضريبية، وغيرها من المؤشرات الإقتصادية العامة ويستطرد التقرير العلمي إلى أنه من المفضل أن تعتمد الطريقة الأولى.

ج- طريقة احتساب الناتج الوطني من قبل البنك الدولي: في غياب المعلومات الميدانية عن إنتاج المؤسسات ونفقاتها وغيرها من المؤشرات يعتمد البنك الدولي على معلومات متوافرة حول الإقتصاد من الدوائر الرسمية التي يستعملها تبعاً للتقارير الصادرة عنه خلال العام 2021، ويقدر خبراء البنك الدولي بأن النموذج الإقتصادي الرياضي MIDAS هو الأمثل في ظل عدم وجود معلومات ميدانية.

د- طريقة احتساب الناتج الوطني الواجب اعتمادها والمطبقة من قبل الباحث الدكتور بشارة نجيب حنا: إعتمدنا في حساب الناتج الوطني على دراسات ميدانية لعينة مؤلفة من 500 وحدة إنتاجية تشمل جميع المؤسسات نفذناها خلال العام 2002 لصالح المجلس الإقتصادي الإجتماعي، واستمكلت هذه الدراسات منذ العام 2016 وحتى العام 2023 على عينات صغيرة أحياناً تراوحت ما بين 120 مؤسسة و 730 مؤسسة وقد جاءت نتائج احتساب الناتج غير متفاوتة منذ ذلك الحين باستثناء النتائج العائدة للعام 2020 حيث تراجع الناتج بحدود الـ 20% كحد أقصى.

4 – تطور الناتج منذ 1966 وحتى 2023 تبعاً للمنظمات المحلية والدولية



(جدول رقم 1)



(جدول رقم 2)

تحليل النتائج

لم يكن تغير متوسط الناتج الوطني الإسمي والفعلي سلبياً سوى في المرحلة 2018-2023 (-21.7% و -1%) بالتسلسل مما يضع شكوكاً كبيرة في طريقة احتساب الناتج خلال هذه الفترة والتي نشرها كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والتي اعتمدت في الوصول إلى هذه النتائج.

(جدول رقم 3)

إن من يقرأ هذا الجدول ويحلله بتمعن وبشكل علمي يتبين له مدى الأخطاء والنتائج المتضاربة ما بين مختلف المؤشرات المنشورة وعلى سبيل المثال التناقض ما بين تطور الناتج الفعلي واحتساب الناتج الإسمي في لبنان.

5 – تقييم نتائج دراسات احتساب الناتج الوطني المعتمدة حالياً

– تشير دراسة ماكينزي للعام 2018 عن الإقتصاد اللبناني بأن النقص في واردات الخزينة السنوي يمكن أن يصل إلى حدود 5 مليارات دولار، وللأسف لم يأخذ صندوق النقد الدولي ولا إدارة الإحصاء المركزي ولا البنك الدولي بهذه الملاحظة الأساسية في احتساب الناتج الوطني اللبناني قبل 2018 وما بعد هذه السنة.

– تشير نتائج أطروحة الدكتوراه للسيدة ماري كلود شفتري صادرة خلال العام 2021 ومنشورة في الموقع العالمي

(Transition démographique au Liban: impact sur le système de retraite et conséquences macroéconomiques Marie-Claude Chaftari Kamar)

https://theses.hal.science/ Submitted on 26 Mar 2022 Hal Open science

إلى أن الناتج الوطني الأسود أو الموازي يشكل ما بين 50% و 52% من الناتج الإجمالي في لبنان ما بين 2019 و 2025. وتبين الأطروحة بأن عدد الذين هم في سن العمل هو بحدود 3200000 وحيث أن نسبة العاطلين عن العمل تبعاً لدراسة إدارة الإحصاء المركزي المنشورة خلال العام 2022 يرتفع إلى حوالى 29.6% يقدر بالتالي عدد العاملين ما بين 1980000 و 2240000 في لبنان خلال الأعوام 2021 و 2023

6 – تحليل النتائج الصادرة عن صندوق النقد الدولي، البنك الدولي وإدارة الإحصاء المركزي

يبين الجدول أعلاه قيمة الناتج الوطني المحتسب ما بين 2004 و 2020 من قبل إدارة الإحصاء المركزي وأرقاما متدنية إذ إن هذه النتائج تمثل أقل من 60% من الناتج الوطني الفعلي بسبب اعتمادها على معلومات ناقصة كما بينا سابقاً، ويعود هذا النقص على سبيل المثال إلى الآتي:

– عدم احتساب القطاع الهامشي، الذي يعمل فيه أكثر من نصف العاملين في لبنان.

– عدد المؤسسات الذي يتجاوز بحده الأدنى الـ 190000 ويمكن أن يصل هذا العدد الى ما يزيد على 250000 مؤسسة محتسبة تبعاً لتطور المؤسسات السنوي المسجل سنوياً في الدوائر الرسمية هذا عدا عن المؤسسات الصغيرة والصغيرة جداً والتي لا يتم تسجيلها وبالتالي يصل عدد المؤسسات الإجمالي إلى ما يزيد على 270000 خصوصاً في ظل تواجد ما يقارب 2000000 نازح سوري.

– إضافة إلى ذلك يشكل ناتج قطاع المعلومات والإتصالات أقل من 1.2 مليار دولار ما بعد العام 2018 بينما بينت دراسة حديثة عن العام 2023 عن قطاع تكنولوجيا المعلومات بأن هذا القطاع ينتج ما يزيد على 3.5 مليارات دولار، ولا يمكن أن يحدد هذا الرقم عن طريق النماذج الإقتصادية الرياضية.

7 – ضرورة التحول إلى الطرق الموثوقة لاحتساب الناتج الوطني

من هنا عمدنا في مختلف دراساتنا لتحديد الناتج الوطني منذ العام 2002 وحتى الآن إلى إجراء دراسات ميدانية، تشمل مختلف المؤسسات وجميع المناطق، إضافة إلى مختلف حجم المؤسسات الصغيرة جداً (أقل من 5 عاملين ) والصغيرة التي يعمل فيها ما بين 5 عاملين و35 عاملاً والمتوسطة والكبيرة التي يعمل فيها أكثر من 100 عامل، لإحتساب هذا الناتج ومن ثم أجرينا دراسات متتابعة خلال 2016 حتى العام 2023 بينت لنا بأن الناتج الفعلي كان في الأعوام 2016 إلى العام 2019 ما بين 75 مليار دولار و 85 مليار دولار أميركي. وأن الناتج الوطني خلال الأعوام 2020 و2023 يتراوح ما بين 35 مليار دولار بحد أدنى و 50 مليار دولار بحد أعلى.

وتؤكد نتائج هذه الدراسات بأن مساهمة كل عامل في الناتج الوطني يصل إلى أكثر من 20000 دولار أميركي سنويا وحيث أن عدد العاملين يقدر خلال السنوات من 2020 الى 2023 ما بين 1900000 و 2240000 تبعاً لدراسات مختلفة ميدانية ونظرية، نستطيع أن نؤكد بأن الناتج الوطني اللبناني خلال الفترة 2020 و 2023 يتراوح ما بين 36 ملياراً في حده الأدنى ويمكن أن يتجاوز الـ 50 ملياراً خلال العام 2023.(عند احتساب الناتج العائد لتكنولوجيا المعلومات).

إضافة إلى ذلك بينا في دراسة ميدانية عن القطاع الصناعي على عينة من 730 مؤسسة بأن القطاع الصناعي يساهم بحدود 15 إلى 16 مليار دولار سنوياً في الناتج الوطني، إضافة إلى ذلك بينت إحدى الدراسات التي نفذناها خلال العام 2022 بأن هذا القطاع بدأ ينتج سلعاً جديدة منذ وقوع الأزمة وصل عددها إلى أكثر من 12000.

ملاحظة: أجرينا الدراسات الميدانية على عينات صغيرة ومتوسطة الحجم وتراوح عدد الإستمارات ما بين 120 و 730 إستمارة وأكدت النتائج أنها متقاربة جداً في حال العينات الصغيرة والعينات المتوسطة كما ذكرنا سابقاً عن دراسة موازنة الأسرة اللبنانية للعام 2012

8 – الهدر الذي يساهم في تخفيض الناتج الوطني المحتسب حالياً

يبين (جدول رقم 4) حجم الهدر المتراكم في مختلف القطاعات الإقتصادية والتي أثرت بشكل سلبي على دقة إحتساب الناتج الوطني من قبل المؤسسات الدولية ومن قبل إدارة الإحصاء المركزي.

9 – متوسط الإنتاج في المؤسسات العاملة في لبنان

يبين (جدول رقم 5) بأن من دراسة بالعينة على مختلف المؤسسات العاملة في لبنان متوسط إنتاج العامل في كل فئة عمال من المؤسسات، وقد أكدت نتائج الدراسات التي نفذناها خلال الأعوام 2020 و 2021 و 2022 و 2023 هذه النتائج، ولا يسعنا في هذه الدراسة المختصرة نشر جميع هذه النتائج، إضافة إلى أن نسبة القيمة المضافة من إنتاج العامل تراوحت ما بين 45% ما قبل العام 2018 و 60% خلال الأزمة وذلك بسبب إنخفاض العديد من أكلاف التشغيل في المؤسسة.

10 -خاتمة

يتبين من كل ما تقدم بأن الناتج الوطني اللبناني يراوح ما بين 35 مليار دولار بحده الأدنى و50 مليار دولار كحد أقصى ويقدر أن يكون وسطياً بحدود 45 مليار دولار تبعاً لنتائج الدراسات الميدانية التي نفذتها خلال الفترة ما بين 2016 و2023، وبالتالي يمكن أن يسجل هذا الناتج آلية تعتمد في دراسة نهوض إقتصادي يمكن من خلالها الحفاظ على أموال المودعين، كما أنني أتوجه إلى الإقتصاديين الكرام لاعتماد آلية تحليلية معمقة لما تنشره المنظمات الدولية من معلومات ومؤشرات عن الناتج الوطني اللبناني وغيره لأن ذلك يشكل طريقة مقصودة أو غير مقصودة للتأثير على الإستثمار في لبنان.

مصدرنداء الوطن - الدكتور بشارة نجيب حنا
المادة السابقةتشوّهات هائلة و”خطرة” في سوق العمل
المقالة القادمةارتفاع عدد المؤسسات الصناعية إلى 18816 في 2023