النفط والغاز ليسا عصا سحرية.. لا خلاص قبل الإصلاحات

ما أن قاربت العقدة السياسية الأبرز في ملف النفط والغاز، على الحل النهائي، حتى بدأت خطابات التهليل لدخول لبنان نادي الدول النفطية. ويعرض بعض السياسيين المشهد وكأن “عصا سحرية” ستضرب بها الدولة اللبنانية، عقب ترسيم الحدود، فتحلّ كافة أزماتها المالية والاقتصادية وحتى المصرفية. فهل أصبح لبنان فعلياً دولة نفطية؟ متى يُحسم حجم الثروة المتوقعة؟ وإلى أي مدى يساهم ملف النفط والغاز بحل الأزمة الاقتصادية اللبنانية؟

بين الترسيم والتنقيب

ليس ترسيم الحدود سوى خطوة أولى في مسار ملف التنقيب عن النفط والغاز. ومسألة الترسيم أزالت العائق السياسي أمام ملف التنقيب عن النفط والغاز، لكنها لا تعني بالضرورة أن لبنان بات بلداً نفطياً. فعملية الترسيم يستتبعها عملية استكشاف وتنقيب واستخراج وتسويق. وكل مرحلة تستلزم إجراءات وتقنيات محددة ووقتاً ليس بقليل.

وتشرح المديرة التنفيذية للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز، ديانا القيسي، في حديث لـ”المدن”، المراحل التي تفصل عملية ترسيم الحدود عن جني لبنان الأرباح من ثروة نفطية وغازية محتملة. وتقول أن شركة توتال تحتاج قرابة العام لإتمام عمليات الحفر والاستكشاف. بعد هذه المرحلة، وفي حال تبين وجود كميات تجارية من الغاز، حينها تحفر توتال آباراً تقييمية لتحدّد الكميات المتوقعة بشكل دقيق ومكامنها وكيفية سحبها. وهذه أمور تقنية تستلزم نحو 5 أشهر. ومن بعدها تبدأ الشركة بعمليات تطوير الحقل.

أما مرحلة تطوير الحقل فتستلزم التخطيط لكيفية الاستخراج، وتحديد الأسواق التي سيتم التوجه إليها. ففي حال تم اختيار وجهة قريبة جغرافياً من لبنان، يتم نقل الغاز عبر أنابيب، تقول القيسي. أما في حال كانت الوجهة بعيدة فحينها يستلزم الأمر تسييل الغاز ونقله عبر البواخر إلى الدول المستوردة. وعلى توتال حينها أن تجد السوق لبيع الغاز. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن تسويق الغاز يختلف عن النفط. إذ يجب أن يتم تحديد وجهته قبل استخراجه. فحسب الوجهة، يتم التخطيط لاستخراجه ونقله.

تستلزم تلك الآلية نحو عام ونصف العام، حينها تنتقل خطط التطوير المقدمة من الشركة إلى هيئة إدارة قطاع البترول لتقييمها ومراجعتها، ثم تُحال إلى وزير الطاقة والمياه، وبدوره يقوم بمراجعتها والموافقة عليها، وتحال خطة الشركة إلى مجلس الوزراء للموافقة النهائية. وفي حال افترضنا أن الأمور سلكت بسلاسة من دون أية عراقيل، خصوصاً على مستوى الحكومات، فإنها تستغرق نحو عامين. وبعد أخذ الموافقة تبدأ الشركة ببناء الأنابيب. وهذا يستلزم نحو عام ونصف عام، ومن بعدها تستلزم وقتاً للبدء بالإنتاج.

بالمحصلة، وبأحسن التقديرات، من المتوقع أن تستغرق عملية استخراج النفط والغاز ما لا يقل عن 4 إلى 5 سنوات. هذا في حال اكتشفت شركة توتال الغاز اليوم، بمعنى أن العملية بشكلها الكامل تستلزم أكثر من ذلك الوقت. فحقل كاريش على سبيل المثال بوشر العمل به عام 2014 وأصبح جاهزاً عام 2018، وبعد إزالة العراقيل السياسية بدأ عملية الضخ هذا العام 2022.

بيع أوهام

يتفق الباحث في مجال الطاقة في معهد عصام فارس بالجامعة الأميركية، مارك أيوب، مع القيسي، بأن الحديث عن دخول لبنان نادي الدول النفطية “مبالغ فيه”. ويقول في حديثه لـ”المدن”، لا يمكننا اعتبار أن لبنان أصبح دولة نفطية أو غازية، لأننا بالحقيقة ليس لدينا أي اكتشاف تجاري حتى اليوم. وحسب ما يتم الترويج له، هو خطوة في الطريق الصحيح في سبيل استقطاب الشركات الاجنبية للتنقيب. وإلى حين مباشرة شركة توتال بالتنقيب والتيقّن من وجود كميات تجارية من الغاز، كل ما يحكى اليوم هو مجرد بيع أوهام. ولا بد من إدارة التوقعات مع اللبنانيين تجنباً لخيبة أمل جديدة.

وكما القيسي، يقدّر أيوب أن يحتاج لبنان لما لا يقل عن عام كامل -في أحسن الأحوال- للتيقّن من وجود الغاز أم لا، وما إذا كانت الكميات تجارية، ليتبعها نحو 3 سنوات أيضاً لتطوير الحقل. وعليه، من غير المتوقع أن تبدأ عملية الإنتاج قبل 5 إلى 6 سنوات بالحد الأدنى لرصد عوائد مالية للغاز.

العوائد المالية

العوائد المالية للغاز وفي أفضل السيناريوهات، لن تكون كافية لنهضة الاقتصاد اللبناني، ما لم يتم إصلاح الاقتصاد من أزمته الراهنة. وتقول القيسي أنه في حال اكتشف لبنان حقلاً كبيراً على غرار حقل ليفياثان الإسرائيلي، فإننا سنحقق نحو 6 مليارات على مدار 15 سنة. من هنا لا بد من القول إننا من دون إصلاحات لن نحقق شيئاً مهماً كانت الثروة كبيرة. “فالازدهار الاقتصادي لا يتحقق إلا بوجود نظام حامٍ للعائدات وليس هادراً لها”.

ويرى أيوب أن عوائد الغاز ستشكل جزءاً صغيراً من الخسارات التي مني بها القطاع المصرفي وباقي القطاعات، وعموم الدولة اللبنانية. وهنا نتحدث عن 70 مليار دولار فجوة مالية لا نعرف كيف علينا سدادها. ويلفت إلى أننا وفي حال اعتبرنا أن عائدات الغاز ستحقق نحو 6 مليارات على مدار 10 الى 15 عاماً في أفضل السيناريوهات، فإنها لن تشكّل حلاً للأزمة الاقتصادية “وهذا يعني أنه لا يمكن ربط حل الأزمة الاقتصادية الراهنة بالغاز والنفط. فالإصلاحات هي المدخل الاول للحلول”.

مصدرالمدن - عزة الحاج حسن
المادة السابقةزيادة كبيرة بتعرفة الكهرباء: ادفعوا ثمن وعود فارغة
المقالة القادمةمن يحاول قلب الطاولة على صندوق النقد؟