«النقد الدولي» يحذر من انكماش اقتصادي إذا لم تتوقف حرب غزة قريباً

حذر مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي الدكتور جهاد أزعور من المخاطر السلبية لاستمرار حالة عدم اليقين حول مدة ونطاق النزاعات في منطقة الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن استمرار التوترات الجيوسياسية خلال النصف الأول من العام الحالي سيلقي بظلاله على الآفاق الاقتصادية لدول المنطقة، وسيؤدي إلى زيادة التحديات التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط فيما يتعلق بارتفاع معدلات التضخم ومستويات المديونية، إضافة إلى التأثيرات السلبية على قطاعات السياحة والتجارة، وارتفاع كلفة الطاقة. ونصح دول المنطقة بالاستمرار في الإصلاحات الهيكلية لتعزيز النمو مرة أخرى، واتباع سياسات تحييد المخاطر.

كلام أزعور جاء في مؤتمر صحافي لمناسبة إطلاق تقرير «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: الصراعات تعقد التحديات الاقتصادية»، والذي خفّض صندوق النقد الدولي فيه النمو المتوقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هذا العام بمقدار 0.5 نقطة مئوية إلى 2.9 في المائة من 3.4 في المائة في توقعات أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وقال أزعور إن التوترات الجيوسياسية المتعلقة بالحرب الإسرائيلية في غزة أدت إلى خفض معدلات النمو للمنطقة إلى أقل من 1.4 في المائة وتقليص معدلات النمو للاقتصاد الفلسطيني إلى سالب 6 في المائة، إضافة إلى تأثر دول الجوار مثل مصر ولبنان والأردن، وتأثر قطاعات السياحة والتجارة وتدفقات رأس المال، وتوقع انكماشاً اقتصادياً لدول المنطقة إذا لم يتم وقف سريع للحرب.

وفقا لتقرير صندوق النقد الدولي، تراجعت معظم التوقعات للنمو الاقتصادي لدول المنطقة تأثرا بالحرب الإسرائيلية في غزة، حيث انخفضت توقعات النمو للاقتصاد المصري من 3.6 في المائة في أكتوبر الماضي إلى 3 في المائة. وبالمثل في الأردن حيث انخفضت توقعات النمو من 3.4 في المائة إلى 3 في المائة، فيما حافظت دولة الإمارات على نمو بنسبة 3.8 في المائة مدفوعا بعوائد القطاع غير النفطي وتحسن وضع الاقتصاد الكلي، وحافظت قطر على معدلها في النمو الاقتصادي دون تغيير.

قرض الصندوق لمصر
وأكد أزعور استمرار المفاوضات بين بعثة صندوق النقد الدولي والسلطات المصرية حول إمكانية زيادة حجم دفعة القرض وقيمته 3 مليارات دولار، مؤكداً أن برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري يرتكز على أربعة أهداف تشمل حماية الاقتصاد من الصدمات وتحقيق مرونة في سعر الصرف والسيطرة على التضخم الذي وصلت معدلاته إلى أكثر من 33 في المائة وحماية الطبقات الفقيرة وتوسيع البرامج الاجتماعية. وقال إن بعثة الصندوق تبحث مع السلطات المصرية كيفية مواجهة التضخم وشح العملة الأجنبية.

ورداً على سؤال حول إمكانية مضاعفة حجم تمويل الصندوق لمصر من 3 إلى 6 مليارات دولار، قال أزعور إنه من السابق لأوانه النظر في رفع حجم تمويل الصندوق لمصر حيث تستمر المراجعتان الأولى والثانية لتقييم تداعيات الحرب في غزة على الاقتصاد المصري والأولويات في برنامج الإصلاح وحجم الفجوة التمويلية بما يقود إلى رفع تمويل القرض لمصر.

الاضطرابات في البحر الأحمر
وأوضح أزعور أن الوضع الأمني المتوتر في منطقة البحر الأحمر أدى إلى إثارة القلق حول ارتفاع تكاليف الشحن واضطراب سلاسل الإمداد والتجارة، حيث أدت الاضطرابات إلى انخفاض بنسبة 30 في المائة – منذ منتصف ديسمبر (كانون الأول) إلى بداية يناير (كانون الثاني) – في حجم الشحن وزيادة تكلفة شحن الحاويات من الصين إلى البحر المتوسط، وأيضا زيادة تكلفة التأمين وأشار إلى أن التطورات في منطقة مضيق باب المندب والبحر الأحمر ستحدد ما إذا كان التغيير في أنماط التجارة والشحن سيكون مستداما أم سيكون تغييرا مؤقتا.

في تقريره، رأى صندوق النقد الدولي أنه مع تلاشي تأثير هذه العوامل تدريجياً واستمرار النمو القوي غير النفطي في دعم النشاط في البلدان المصدرة للنفط، يُتوقع أن يرتفع النمو إلى 4.2 في المائة في عام 2025. وأشار إلى أن الصراع في غزة وإسرائيل يشكل صدمة أخرى لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويمثل ضربة أخرى للاقتصادات التي تواجه تحديات قائمة وغموضاً متزايداً. كما توقع أن يؤدي تراجع آفاق النمو في المنطقة إلى تفاقم التباطؤ الاقتصادي، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى الصراع في السودان. بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية، مثل الفيضانات في ليبيا والزلزال في المغرب، والتي كانت لها آثار مدمرة على المستويين الإنساني والمادي.

كذلك من المتوقع أن يظل متوسط النمو في الدول منخفضة الدخل في المنطقة سالباً هذا العام، ما يواصل مسار التباطؤ الاقتصادي. ويعتبر الانخفاض الإقليمي الواسع النطاق للتضخم تطوراً إيجابياً، حيث يستمر التضخم في الانخفاض في معظم الاقتصادات مع بقاء السياسة النقدية صارمة، بما يتماشى تقريباً مع التطورات العالمية. ويُتوقع أن يبلغ متوسط التضخم الرئيسي عبر مصدري النفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 8.7 في المائة في عام 2024 و7.9 في المائة في عام 2025.

ومن المقرر أن يظل التضخم مرتفعاً عبر الأسواق الناشئة والمتوسطة الدخل عند 25.6 في المائة في عام 2024 وعبر البلدان منخفضة الدخل عند 69.9 في المائة (خاصة في مصر والسودان واليمن)، وفي المقابل، يظل انعدام الأمن الغذائي منتشراً في العديد من البلدان منخفضة الدخل (جيبوتي وموريتانيا والصومال والسودان واليمن).

زخم النمو غير النفطي
ولفت صندوق النقد الدولي إلى أنه حتى مع الصدمة السلبية من الصراع، يظل زخم النمو غير النفطي قوياً في دول مجلس التعاون الخليجي، منوهاً بالإصلاحات الهيكلية التي يقوم بها أعضاء مجلس التعاون الخليجي والتي تدعم تنويع الاقتصاد، بينما يساهم الطلب المحلي المتزايد وتدفقات رأس المال أيضاً في النمو. كذلك ظلت الفوائض في الحساب الجاري عند مستويات مريحة في عام 2023 بعد أن وصلت إلى مستويات تاريخية مرتفعة في عام 2022.

وأضاف «في معظم الدول المصدرة للنفط، يظل النمو غير النفطي قوياً، لكن تخفيضات إنتاج النفط الطوعية الإضافية تلقي بظلالها على النمو الكلي»، لافتاً إلى أن الزخم الإصلاحي لبعض الدول المصدرة للنفط، وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، سمحت بمواصلة تنويع قطاعاتها غير النفطية. و«مع ذلك، تم خفض معدل نمو دول مجلس التعاون الخليجي بشكل ملحوظ إلى 0.5 في المائة في عام 2023 مما يعكس تخفيضات إنتاج النفط، قبل الارتفاع المعتدل إلى 2.7 في المائة في عام 2024 حيث يتلاشى تدريجياً العبء الناجم عن تخفيضات إنتاج النفط». ويشير هنا إلى أنه تم تعديل النمو في السعودية إلى – 1.1 في المائة في 2023 و2.7 في المائة في 2024.

 

مصدرالشرق الأوسط - هبة القدسي
المادة السابقة«الفيدرالي» يثبّت أسعار الفائدة ويشير إلى عدم استعداده بعد لبدء خفضها
المقالة القادمة«النقد الدولي»: الصراع في الشرق الأوسط يعرقل النمو الاقتصادي