كثف صندوق النقد الدولي ضغطه على لبنان من أجل الإسراع في اعتماد خطة شاملة لإعادة هيكلة الاقتصاد، حتى يتسنى له منحه خط ائتمان يساعده في الخروج من نفق أزمته المالية بشكل تدريجي. واعتبرت بعثة الصندوق التي يقودها أرنيستو راميريز ريغو عقب لقاء مع الرئيس ميشال عون في بيروت مساء الثلاثاء الماضي، أن “المطلوب في هذه المرحلة بلبنان إقرار خطة اقتصادية شاملة وتعاون البرلمان والحكومة لإقرار القوانين الإصلاحية”.
وأشار بيان لرئاسة الجمهورية إلى أن ريغو أكد أن “الاتصالات التي أجرتها الحكومة لا تزال تحتاج إلى الإسراع في الوصول إلى نتائج عملية تفرضها دقة الوضع الاقتصادي في البلاد، ومصارحة اللبنانيين بأن أي تأخير لن يكون في مصلحتهم”. وشدد الوفد على ضرورة إطلاع المواطنين على حقيقة الخسائر في النظام المالي، لاسيما الفجوة في حسابات مصرف لبنان المركزي.
وقال عون إن “الإصلاحات التي طلبها المجتمع الدولي سواء في ما خص إصلاح النظام الضريبي أو الحوكمة أو القطاع المصرفي، تحتاج إلى قرارات واضحة وعملية لأن خيار الانتظار مكلف على المواطن والدولة على حد سواء”.
ويعاني لبنان انهيارا حادا في أسعار صرف العملة المحلية، وتراجعا كبيرا في وفرة المعروض النقدي الأجنبي، عجز بسببه عن تلبية احتياجات البلاد من السلع الأساسية المستوردة، خاصة الوقود والأدوية والطحين، ودفع ذلك بثلاثة أرباع اللبنانيين إلى هوة الفقر. كما زاد مستوى التضخم حتى وصل حدود 178 في المئة، في ظل تآكل المداخيل والمدخرات وسط ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، مع شح العديد من السلع الأساسية.
وأثرت الأزمة كثيرا على سوق العمل، حيث تشير تقديرات وزارة العمل اللبنانية بالتعاون مع منظمة العمل الدولية إلى أن معدلات البطالة بالبلاد قفزت من 18.5 في المئة نهاية عام 2019 لتصل إلى قرابة 41.4 في المئة بنهاية العام الماضي. ويتفق معظم الخبراء والمحللين على أن الوضع في لبنان يتجه نحو الأسوأ، مع تسارع تآكل الاحتياطي من العملة الصعبة وتوقف معظم القطاعات الإنتاجية وتضرر السياحة، في بلد يستورد معظم حاجياته الأساسية من الخارج.
وكان الصندوق قد أبدى استعداده لمساعدة لبنان على وضع برنامج متكامل للتعافي، يمكّنه من مواجهة الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة، يشمل الإصلاحات في المالية العامة وقطاع المصارف والمصرف المركزي والإصلاحات الهيكلية والسياسة النقدية.
وتسعى بيروت للتوصل إلى برنامج مساعدات مع الصندوق للخروج من أزمة اقتصادية ومالية حادة، تعصف بالبلاد منذ أواخر 2019. وشرعت الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي في مطلع أكتوبر الماضي في إجراء محادثات مع صندوق النقد، بعدما كانت توقفت هذه المحادثات مع استقالة حكومة حسان دياب في أغسطس 2020. وأشار وزير الاقتصاد أمين سلام في وقت سابق إلى أن برنامج الاستدانة من صندوق النقد في المرحلة الأولى، في حال تم إنجازه، سيرصد بين ثلاثة وأربعة مليارات دولار.
وفي سبتمبر الماضي، وافق الصندوق على تخصيص أكثر من 1.1 مليار دولار في شكل قروض من حقوق السحب الخاصة للبنان. وتتألف تلك المخصصات الجديدة لاحتياطيات المؤسسة المالية الدولية من نحو 860 مليون دولار عن عام 2021، وقرابة 275 مليون دولار عن عام 2009. وتشتد حاجة بيروت إلى تلك الأموال التي جاء الإفراج عنها بعد أيام على تشكيل حكومة ميقاتي، في الوقت الذي تكافح فيه البلاد إحدى أعمق حالات الكساد في التاريخ الحديث.