اليونسكو «تصوّب» مسار التعليم: استثمارات أكبر ومزيد من الاستعمار التـربوي

في عالم يتزايد فيه التعقيد وعدم المساواة، تعكف اللجنة الدولية المعنية بمستقبل التربية والتعليم في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) على إعداد تقارير لإعادة التفكير في التربية والتعليم، كان آخرها مشاركة مسودّة تقرير بعنوان «التعليم التجديدي»** (في مرحلة الصياغة)، يهدف إلى تحديد مسارات لبناء سياسات واستراتيجيات من شأنها اصلاح «مظالم» الماضي.

في مقدمة التقرير إقرار بـ «لا عدالة النظام التعليمي في مختلف البلدان»، وأن «هناك حاجة إلى تغيير جذري في تصميم أنظمة التربية والتعليم وتنظيم المدارس والمؤسسات التعليمية الأخرى والمناهج والأساليب التربوية»، وأن جائحة كوفيد 19 «كشفت أهمية التحول إلى تعليم مختلف ومدرسة مختلفة»، و«أننا وصلنا إلى نهاية دورة تاريخية، وأن أنماطاً تربوية جديدة بدأت تتشكّل في الأفق». إلاّ أنّ فكرة بناء «التعليم العام المشترك» التي يطرحها التقرير لا تقدم حلولاً نوعية، بل تقع في إعادة صياغة المعمول به، أي مناهج مقيدة وإن كانت مختلفة من حيث الشكل مع بعض التشاركية، وستعمل المؤسسات التربوية، رسمية وخاصة، والباحثون والتربويون على تأطير العملية التربوية الجديدة، بينما الاتجاه اليوم يجب أن يكون نحو تحرير التعليم من المناهج والمعايير إلى تعليم حرّ ومستقلّ متكيّف مع البيئة المجتمعية وذكاءات الأفراد المتعدّدة وحاجاتهم.

التوجه في التقرير هو نحو تضمين التعليم مفاهيم ومهارات إضافية بينما المناهج الحالية مثقلة بها، ولا يمكن للتربية والتعليم، واقعياً، تحمل كل هذه المهارات، والأهم، أنه لا يمكن للتلميذ استيعابها لكون اكتساب المعرفة لديه إنتقائياً وليس شمولياً. ما يطرحه التقرير هنا هو نوع من المساواة في الفرص من خلال «تعليم عام مشترك» سينتج عنه إتاحة فرصة للمزارع ليصبح خبيراً هو الآخر، بينما يقوم هذا التعليم بسلخه عن بيئته وميوله ويصطنع له ذكاءً افتراضياً، وبالتالي ينتزع منه فرصة انتمائه إلى الزراعة أو الموسيقى أو العلوم الإنسانية تحت عنوان المساواة والعدالة، كما أنه لن يقدمه كخبير، لكون معايير التقييم لا تنطبق عليه. في هذه المقاربة مساهمة في تعزيز الهوة بين الطبقات الاجتماعية لمصلحة ربحية الشركات العملاقة. والسؤال هو: في حال تواجد مهارات رقمية لدى تلميذ من بيئة زراعية ألا يجب منحه فرصة متكافئة لتعلّم خبرات تكنولوجية متقدمّة ليصبح خبيراً هو الآخر؟ بالطبع نعم. ولكن ما هي الآلية وكيف يتمّ ذلك؟ هل من خلال «تعليم عام مشترك»؟

التربية والتعليم ليسا معزولين عن حياة المجتمعات وتفاعلها. ومهما حاولت اليونسكو والمؤسسات الدولية دعم التراث والثقافات المحلية والوطنية، فإن هذه الثقافات ستكون معرّضة للزوال دومًا لأن الإستعمار التربوي و«بناء تعليم عام مشترك» يفرض معاييره على الشعوب من خلال الإتفاقات الدولية والجهات المانحة ويجعلها ملحقة بها.

في القطاع الرسمي يتدنّى عدد الواصلين إلى الثانوي الثالث إلى الثلث، بينما في الخاص إلى أقل من النصف بقليل! وبحسب الدراسات الدولية، فإنّ نصف الملتحقين بالمدارس لا يملكون الكفايات المناسبة لفئتهم العمرية. أرقام لبنان تؤكّد ذلك. المدرسة إنتهت ولكن ليس التعلّم، المعرفة متوفرة والتعلّم هو فعل بقاء الإنسان. أمّا هذه الأطر الأممية فهي تحدّ التفكّر واستشراف المستقبل كما تُذيب خصوصيات المجتمعات لتصبح واجبات ضاغطة غير ممتعة فيهجرها التلامذة. التعلّم ممتع، ولكن أين نجده؟

مصدرجريدة الأخبار - نعمه نعمه
المادة السابقةالرئيس عون يبحث سبل تنشيط القطاع السياحي والإجراءات التي ستتخذ قبيل فصل الصيف
المقالة القادمةتراجع في قيمة تحويلات المغتربين: هل تكفي بعد رفع الدعم؟