يرجح محللون تقلص فرص صناعة التكرير حول العالم للحصول على التمويلات اللازمة من أجل توسيع أعمالها خلال المرحلة المقبلة، بسبب الضغوط المسلطة من قبل المدافعين عن البيئة.
وكشف مسؤولون تنفيذيون أن مصافي النفط تجد صعوبة أكبر في الحصول على الأموال خاصة من البنوك، التي باتت تتجنب ضخ قروض في استثمارات الوقود الأحفوري.
ونقلت وكالة بلومبرغ عن ألوين بودين، الرئيس التنفيذي لمجمع بينجيرانغ أنيرجي كومبليكس في ماليزيا، قوله “رغم أن أعمال المصافي لا تزال مربحة، إلا أن حصولها على التمويل أصبح يمثل تحديا متزايدا”.
ويرى العديد من البنوك الآن أن طلب أي شركة يتضمن اسمها “مصافي” الحصول على التمويل مرفوض بشكل أساسي، كما أكد بودين في قمة آسيا لشركات التنقيب عن النفط التي عُقدت في سنغافورة مؤخرا.
وما يجعل معظم البلدان، التي كافحت مصافيها لتلبية الطلب العالمي على منتجات البنزين والديزل ووقود الطائرات منذ فبراير 2022 رغم الأسعار المرتفعة، هو أن ثمة منغصا مناخيا يدفع إلى التفكير بعمق في كيفية تنظيف هذا القطاع الحيوي تدريجيا.
ويواجه قطاع البتروكيماويات في الكثير من دول العالم، وبلدان الخليج على وجه الخصوص، تحديا يتمثل بالإسراع في مواكبة الطفرة التكنولوجية من خلال إعادة تعريف وتشكيل وابتكار أعمال هذه الصناعة المهمة لاقتصادات المنطقة.
ومن الواضح في السنوات الأخيرة، النقص في الاستثمار بقطاع التكرير رغم محاولات الدول النفطية التركيز عليه، وتحديدا في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ومع تزايد التهديد الناجم عن تغير المناخ ومحاولة العالم التحرك نحو أهداف صافي الانبعاثات الصفرية، تسلط تعليقات بودين الضوء على المعاناة المتزايدة التي تواجهها مصافي التكرير.
ولا يمكن تجاهل حقيقة أن الحرب التي اندلعت مطلع العام الماضي بين روسيا وأوكرانيا زادت الضغوط على قطاع التكرير العالمي، في وقت كانت قد بدأت فيه التقاط أنفاسها بعد رفع قيود الإغلاق بسبب الأزمة الصحية.
وخلال عامي الوباء، جرى إغلاق مصافي طاقتها 3 ملايين برميل يوميا، معظمها في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وأدى ذلك إلى انخفاض مخزونات الديزل والبنزين إلى أقل بكثير من متوسط الخمس سنوات في الوقت الحالي.
ورغم وصول الطلب العالمي على النفط الخام إلى أعلى مستوياته على الإطلاق هذا العام، إلا أن البنوك باتت أكثر حذرا بشأن تقديم التمويل.
ويقول خبراء الطاقة إن ذلك أدى إلى إجهاد شبكة التكرير العالمية، الأمر الذي يزيد من مخاطر تراجع الإمدادات وتقلب الأسعار.
كما ظهرت توترات عالمية في السنوات الأخيرة بسبب عدم التطابق الواضح بين الطلب المستمر على الهيدروكربونات من جهة، والتردد في الاستثمار بتعزيز قدرات الشركات أو إبقاء المصانع مفتوحة من جهة أخرى.
وعندما ارتفعت تكاليف الوقود العام الماضي، ألقى أكبر مسؤول نفطي في السعودية وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان اللوم على أزمة التكرير، وليس على نقص إمدادات النفط الخام.
وأوضح بودين الأربعاء الماضي أن أصحاب المصافي سيحتاجون الآن إلى إثبات أن أعمالهم في طور التحول إلى تحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفرية.
وتابع أن “بالنسبة لمصفاة التكرير المقبلة لشركته، فإن هذا النهج يشمل خططا لاستخدام مخلفات المصنع كوقود، بالإضافة إلى تشغيل بعض العمليات باستخدام الكهرباء”.
وتمكنت بي.تي كيالانغ بيرتامينا المملوكة للدولة في إندونيسيا من الحصول على التمويل، وفقا لماريا كاترين، مديرة التمويل الأولى في الشركة. وقالت إن “الشركة لديها مشاريع بيئية، لكنها لم تصل إلى الانبعاثات الصفرية بعد”.
وأكد روجر تشارلز، المدير التنفيذي لشؤون الاستدامة في بنك دي.بي.أس، أن البنوك قيدت تمويل شركات النفط والغاز بصورة أكبر، في ظل توقعات احتياج العالم إلى قدر أقل من نوعي الوقود.
وقال إن “تقديم خطة واقعية لتطبيق تحول الطاقة أصبح أمرا أساسيا للحصول على التمويل”.
ولكن حتى في هذه الحالة، فإن دعم الشركات الصديقة للبيئة لا يخلو من المخاطر، إذ قال مايانك فيشنوي، المدير المالي لمجموعة كيم وان، إن “ثمة الكثير من الأمثلة على حوادث الغسيل الأخضر، والتي يضطر فيها الناس بسبب ضغوط مختلفة إلى الالتزام بعمل شيء لا يمكنهم القيام به”.
وفي مايو الماضي، أكدت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) أن قطاع التكرير العالمي يحتاج إلى مواصلة ضخ استثمارات بمليارات الدولارات في السنوات المقبلة، حتى يواكب الطلب المتنامي ويقطع الطريق أمام احتمال تسجيل نقص في أسواق الوقود.
وقدّر أمين عام منظمة أوبك هيثم الغيص حينها الاستثمارات المطلوب ضخها في هذه الصناعة بنحو 1.6 تريليون دولار بالحد الأدنى.
وقال “من المهم أن يتم اتخاذ هذه الإجراءات على نحو عاجل لتجنب شح المعروض في الوقود، حيث سيزداد الطلب على النفط بشكل أكبر في السنوات القادمة”.