حقق لبنان مكاسب عدة ” أولية ومبدئية” في ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية مع الكيان الاسرائيلي، تمثلت أولاً بوحدة الموقف اللبناني الرسمي من طبيعة المفاوضات المفترضة وآلياتها وحقوق لبنان الكاملة في البر والبحر وربما في السماء أيضاً، وثانياً بإقرار الكيان الاسرائيلي ومن أمامه وخلفه الادارة الاميركية بهذا الموقف والموافقة على الشروط التي وضعها لبنان بأن تجري مفاوضات الترسيم برعاية من الامم المتحدة عبر قوات “اليونيفيل” وبمساعدة وتسهيل من الاميركي، وأن تشمل المفاوضات البر والبحر في آن معاً، لا في البر فقط، حيث لا زالت تتحفظ اسرائيل على منح دور لـ”اليونيفل” في الترسيم البحري. وهنا يكمن جوهر مهمة مساعد وزير الخارجية الاميركية ديفيد ساترفيلد في اسرائيل لاقناعها بالموافقة على رعاية الامم المتحدة للترسيم البحري أيضاً.
وتقول مصادر مقربة من رئاسة مجلس النواب لموقعنا أن الموقف اللبناني الموحد والاصرار على الحقوق في البر والبحر وما تحتهما وما فوقهما من ثروات، يفوّت الفرصة على العدو الاسرائيلي للتلاعب والتذاكي ومحاولة قضم بعض هذه الحقوق، ويبدو أن الطرف الاميركي “المساعد” في هذا المجال سيكون عاملاً ايجابياً إذا نجح في انتزاع موافقة العدو على التفاوض. لذلك يبقى انتظار عودة ساترفيلد من فلسطين المحتلة لمعرفة حقيقة الموقف الاسرائيلي وتحديد آليات العمل وبدء التفاوض، وهو أمر سيكون منوطاً بالامم المتحدة، التي ستحدد بدورها آلية معينة سواء لجهة تسمية وفد مدني تقني يعاون الفريق العسكري الذي سيرأسه قائد اليونيفيل الجنرال دل كول. على أن يتحدد مستوى المشاركة الاميركية لاحقاً.
ومع ذلك يبدو أن ثمة إشكالات لا زالت بحاجة إلى علاج اهمها تحديد نقطة الانطلاق البري في رأس الناقورة (النقطة بي واحدb1 ) التي يوجد خلاف كبير بين لبنان واسرائيل حولها وهي تتعلق بعشرات الامتار التي يطلب لبنان ان تتراجع عنها اسرائيل. ويفترض أن يبدأ التفاوض على هذا الموضوع لأن هذه النقطة تشكل بداية الامتداد الطبيعي للترسيم البحري من البر، حتى إذا جرى الاتفاق حوله يتم الانطلاق في باقي عملية الترسيم براً وبحراً وتتولى الامم المتحدة دعوة الاطراف إلى طاولة التفاوض.
وكان لبنان قد انتزع من العدو الاسرائيلي قبل نحو عام وعبر الامم المتحدة اعترافاً بوضع علامات حدودية مؤقتة في النقطة “بي واحد” عند رأس الناقورة وتحديداً عند الصخرة الكبيرة التي شكلت نقطة الحدود الدولية مع فلسطين المحتلة في العام 1923، و التي اعتمد على أساسها ترسيمَ خط الهدنة، كما أن ترسيم الخط الأزرق بعد انسحاب إسرائيل من الجنوب في عام 2000 انطلق منها، علما بأن جيش العدو الإسرائيلي جنح عن الخط الجغرافي بعد هذه النقطة باتجاه العمق اللبناني في خرق واضح للخط الحدودي. وبقيت هذه البقعة موضع خلاف بعد تحرير الجنوب عام الفين حيث تصر اسرائيل على بقاء جنودها فيها وكانت تمنع الوصول إليها على الأرض، ويرفض لبنان ذلك وأجبر إسرائيل على الاعتراف بها على الأرض.
وبعد أن كشف الجيش اللبناني على هذه النقطة وحصل على حق وضع علامات حدودية عليها، فأن الخطوة الثانية تقضي أن تكون هذه النقطة مرئية، بمعنى تثبيت العلامات الحدودية؛ ما يمنع إسرائيل من القيام بأي خرق لها بذريعة أنها غير مرئية.
ولهذا ستكون النقطة “بي واحد” على ما يبدو منطلقا للبحث في حال نجح ساترفيلد في إشراك اسرائيل بالمفاوضات البرية والبحرية، وهنا تكمن التساؤلات عن نزاهة الوسيط الدولي والمعاون الاميركي، وهل سيقفان الى جانب حق لبنان ام عدوان اسرائيل، ام تفشل المفاوضات وتبقى الامور على ماهي عليه؟
يبدو من تحرك ساترفيلد ان الجانب الاميركي يسعى لفرض تهدئة شاملة على الحدود الجنوبية، وقد يفرض تنازلات معينة على اسرائيل، ولكن ثمة اسباب سياسية كامنة وراء هذا التحرك لعل ابرزها سحب مبرر المقاومة من يد لبنان، لكن ماذا عن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي تحتلها اسرائيل؟ هذا موضوع آخر للبحث.