بلا بنزين… السائقون العموميون يختنقون

السائقون العموميون في لبنان اليوم يختنقون، مثل مرضى السرطان، يُحجب عنهم دواؤهم السائل وما من مستجيب لاستغاثاتهم. معاناتهم أكثر من انتظار على محطة هي صراع بين العيش الكريم والذل والاستجداء… “صرلنا شهر مش آكلين جبنة وعم نطبخ نص طبخة” صرخة من قلب محروق يطلقها أحد السائقين العموميين وهو ينتظر في الطابور أمام إحدى المحطات في ساعات الصباح الأولى. أمضى ليله في سيارته منتظراً أن يصل دوره، هو لا يحب “المشاوير” كما قالت إحداهن (مديرة منشآت النفط أورور فغالي)، ولا يود ّ أن يذهب كزدورة الى البترون او يصطحب اطفاله الى الشاطئ وحتماً لا ينتظر أن يُفرغ خزان سيارته من البنزين حتى يبيعه غالونات في السوق السوداء. “عيلتي ما معها تاكل، بدي عبي بنزين لناكل”.

“قطاع النقل يمر بأصعب المراحل منذ تأسيس الدولة اللبنانية” يقول مروان فياض رئيس النقابة العامة لسائقي السيارات العمومية، فبين ارتفاع سعر المحروقات وشحّها الحاد وغلاء أسعار قطع الغيار يعيش السائقون معاناة حقيقية. منذ ثلاثة أشهر رفعنا الصوت وطلبنا من رئيس الحكومة والوزراء المختصين ألا يرفعوا الدعم من دون إقرار خطة متكاملة لدعم السائقين، وقد تقدمنا بخطة تقضي بتأمين 20 صفيحة من البنزين شهرياً لكل سائق على السعر المدعوم مع مبلغ 500000 ليرة شهرياً كفرق قطع الغيار وبهذا يمكن اعتماد تسعيرة نقل للسرفيس تقارب 6000 ليرة. لكن الحكومة رفعت الدعم على مراحل وأهملت الخطة المطروحة.

وكان رئيس اتحاد نقابات النقل البري بسام طليس قد طلب في مؤتمر صحافي من “السائقين العموميين التحمل أسبوعاً إضافياً ( انتهت المهلة أمس)، قائلاً: سنعطي فرصة للرئيس دياب والوزراء المعنيين، لتنفيذ الاتفاق والايعاز الى الوزارات والادارات المعنية البدء بالتدقيق في خلال هذا الاسبوع لدعم قطاع النقل البري، بغض النظر عن موضوع البطاقة التمويلية، لان السائقين العموميين هم جزء من المستفيدين منها، وإلا بقيت السوق السوداء على صعيد النقل، وإن لم يتم البدء بتنفيذ الاتفاق، فانني اتوجه الى وزير الاشغال العامة والنقل ميشال نجار من أننا سنصدر تعرفة جديدة تصل الى 25 الف ليرة ولتتحمل الحكومة مسؤولية ما سوف يجري على الناس وستكون الدولة هي المسؤولة عن ذل شعبها واهانته”.

مديرية النقل البري لم تصدر بعد تعرفة رسمية جديدة لتسعيرة السرفيس او الفان والباص ولا تزال تعتمد تسعيرة 6000 ليرة التي أطلقتها في شهر تموز على أساس أن يرافقها دعم للسائقين وفق ما يشرحه لنا عبد شري نائب رئيس مالكي وسائقي السيارات العمومية في المتن الشمالي. واليوم بعد وصول سعر البنزين الى أرقام خيالية مع اعتماد دولار بسعر 8000 لم يعد السائقون قادرين على الالتزام بالتعرفة المطروحة وصارت الفوضى في التسعير هي السائدة وكل سائق يعتمد على تقديره الخاص، فمن اشترى صفيحة البنزين في السوق السوداء بسعر يفوق 350000 لا بد أن يرفع تسعيرته الى 15 او 20 الف ليرة وحتى الباصات ارتفعت تعرفتها وبلغت 10000 ليرة وهذا عبء جديد يضاف الى لائحة أعباء المواطن اللبناني الفقير الذي كان يجد في النقل العام سبيله الوحيد للتنقل. أما التاكسيات فتلك قصة أخرى حيث تفلتت تعرفتها من دون اي رادع بحيث وصلت تسعيرة أحدها من المطار الى جونية 500000 والى طرابلس 3 ملايين ليرة في أرقام جنونية فرضتها حاجة الناس.

يسأل فياض “هل يستطيع المواطنون تحمل هذه التكلفة”؟ بالطبع لا، يجيب ولا السائقون قادرون على إيجاد التوازن المطلوب بين مصلحتهم ومصلحة المواطن. سيارات النقل العمومية كما الباصات قليلة على الطرقات لأن كثراً من السائقين فضلوا المكوث في بيوتهم على الانتظار لأيام وليال أمام المحطات، والركاب في المقابل عددهم قليل والعديد منهم باتوا يفضلون السير على القدمين بدل أخذ سرفيس لا يستطيعون تحمل تكلفته”.

وليس البنزين وحده معاناة السائق بل ان الأقسى هو صيانة السيارة التي يجب ان يدفع كلفتها بالدولار، من الزيت الى الدواليب فالفرامل وسواها من قطع الغيار وان يسدد أجرة يد صاحب الكاراج الذي رفع أسعاره ما يجعل السائق يعيش كابوس الأعطال والصيانة التي تحول شغله خسارة بخسارة. ولكن إذا كانت تسعيرة السرفيس والباصات لا تزال مضبوطة الى حدٍ ما فإن مكاتب التاكسي الخاصة التي لا تنتمي الى نقابة النقل العام قد تفلتت أسعارها الى حد كبير وباتت ترتكز على ” ذوق” اصحاب المكاتب بعد ان كانت مصلحة النقل هي التي تضع التسعيرة وتترك للمكاتب هامشاً للمنافسة والمضاربة. قد يستغل بعض السائقين العموميين أزمة البنزين الحالية على الطريقة اللبنانية ليطلبوا أسعاراً ترهق المواطن ولكن هؤلاء يبقون قلة في بحر الانسحاق الذي يغرق فيه من يعملون من “الفجر الى النجر” لتأمين خبزهم كفاف يومهم.

 

مصدرنداء الوطن - زيزي إسطفان
المادة السابقةزيادة الرواتب “فقاعة” في أسوأ الأحوال و”ملهاة” في أحسنها وفي كلتا الحالتين… “مصيبة”
المقالة القادمةمصادر وزارية تؤكد: إنفراجات على مستوى الكهرباء وثلاثة برامج لمساعدة الفقراء