بين استدامة الدين العام وتمويله من الجهاز المصرفي…

تتطلب قراءة بداية الأزمة تعميق الاقتران بين الظواهر المختلفة التي هيّأتها والقيود التي طغت على السياسة النقدية طوال الفترة السابقة، بما في ذلك على وجه الخصوص عدم استدامة الدين العام، والذي يمثل ثلثه الدولار الأميركي، والذي يحتفظ به إلى حد كبير في النظام المصرفي اللبناني، الدولرة القوية للاقتصاد اللبناني بأكمله بعد الحرب والتي استمرت على الرغم من تثبيت سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية عند 1507.5، والتدهور الحاد في ميزان المدفوعات منذ عام 2011 ونتيجة لذلك تَنامي العلاقة بين الودائع بالدولار والموجودات بالعملات الأجنبية في النظام المصرفي – أي تلك التي تحتفظ بها المصارف مع مراسليها الأجانب لتسوية المعاملات بالعملات الأجنبية واحتياطيات النقد الأجنبي للبنك المركزي. فعلام تم الاستناد لدولرة الدين العام تدريجاً وزيادة طبع النقد؟ وكيف انعكست كل هذه الخيارات على الجهاز المصرفي؟ وأي خلاصات للمستقبل؟

بالنسبة للبنان، كان اللجوء إلى التراخي خلال سنوات الحرب يرجع بالدرجة الأولى إلى التمويل النقدي لعجز الميزانية بسبب تدهور إيرادات الموازنة في ما يتعلق بزيادة الإنفاق خلال هذه الفترة الاستثنائية وغياب التحصيل الفعّال لجميع الضرائب والرسوم، وفي غياب الاحتمالات الواسعة للجوء إلى الديون في حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي لا يشجّع على اكتساب الثقة في المَلاءة المالية للدولة في نظر أي مُقرض مقيم أو غير مقيم. ثانياً، كان التساهل النقدي خلال سنوات الحرب اللبنانية مدفوعاً بإحياء النشاط الاقتصادي وخلق فرص عمل في ظل تدهور النشاط في مختلف القطاعات الاقتصادية التي تأثرت بشدة في الأحداث. بعد الحرب، شهد لبنان حالة من المديونية المفرطة، ومنها جزء متزايد بالدولار الأميركي وسياسة جذب رؤوس الأموال بالعملة الأجنبية لتزويد الاحتياطي الأجنبي لمصرف لبنان بقدرته على الحفاظ على ربط سعر الصرف.

في ظل ظروف الأزمة المالية والدين العام غير المستدام، ستكون هناك زيادة في الفائدة على الدين العام في شكل تأثير «كرة الثلج»، ما يؤدي إلى انفجار الدين العام، وقد يؤدي أيضاً إلى فقدان الثقة في قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها لسداد ديونها. من هنا يكون اللجوء إلى الديون لتمويل القطاع العام صعباً، وتكون النتيجة الوحيدة الممكنة هي تحويل جزء من الدين العام إلى نقود ما يؤدي إلى تضخم مفرط.

يبقى أنّ ثمن «إطفاء» الدين العام بالعملة الوطنية، عبر طباعة النقد من جهة والإعلان عن التخلّف عن سداد ديون العملات الأجنبية من جهة أخرى، ينعكس تراكماً في الخسائر في النظام المصرفي ككل بين خسارة قيمة دَينه بالليرة اللبنانية للدولة وعدم القدرة على تحصيل دينه لها بالعملات الأجنبية ولا حتى شهادات إيداعه بالعملات الأجنبية في الوقت الحالي لدى المصرف المركزي… صحيح أنّ استعراض تراكم عدم استدامة الدين العام وسُبل تمويله كانت تُهيّء لانهيار دراماتيكي للقصر المبني من رمل أمام أمواج البحر، إلّا أنّ العبرة تبقى في اتخاذ الخلاصات لإعادة البناء السليم والصخري للمستقبل.

 

للاطلاع على المقال كاملاً:

http://www.aljoumhouria.com/ar/news/572873

مصدرجريدة الجمهورية - د. سهام رزق الله
المادة السابقةالى أين يتجه العقار بعد فورة 2020؟
المقالة القادمةوزير الصحة وقع الدفعة الأولى من مستحقات معالجة مرضى كورونا