تجارة البصمة الكربونية تغري شركات القطاع الخاص

يدرك الخبراء المتخصصون في المناخ ضرورة التقاط كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون من الهواء في العالم للوصول إلى الحياد الكربوني خلال العقود الثلاثة المقبلة، لأن الحد من انبعاثات غازات الدفيئة لن يكون كافيا.

ورغم وجود آلات تتيح مسح البصمة الكربونية إلا أن ثمنها مرتفع جدا. ولذلك، يتدخل القطاع الخاص في هذه المسألة كما فعل في البحوث المناهضة للقاحات وتطوير الطائرات الأولى.

وأوجد نمو الهاجس البيئي والاتفاقات الدولية الملزمة للحد من التلوث في السنوات الأخيرة تجارة البصمة الكربونية، والتي يمكن أن تغير خارطة المشاريع الصديقة للبيئة.

وبدأ حجم هذه التجارة يتسع في معظم أنحاء العالم، خاصة الدول الصناعية، وهي تعني أن الأفراد والشركات يدفعون ثمنا لإزالة تأثير انبعاثات الغازات المضرة الناتجة عن أنشطتهم.

ورغم ما تحمله تجارة الكربون من غموض باعتبارها قطاعا حديثا، إذ لم تتجاوز عقدين من الزمن، بالإضافة إلى اعتراض العديد من الدول على الخطوة، فإنها في المقابل تحمل معها الطموح والإرادة كوسيلة لخفض التلوث ومصدرا لتحقيق عوائد مالية أكبر.

ولا يزال أكسيل رينو رئيس شركة نت زيرو الفرنسية الناشئة مزهوا بفوزه مؤخرا بجائزة مليون دولار، إثر مسابقة نظمها إيلون ماسك، مؤسس شركة تسلا لصناعة السيارات الكهربائية وهي من بين مكافآت عدة يطلقها أصحاب المليارات وعمالقة الإنترنت لتسريع العمل بتكنولوجيا التقاط الكربون من الهواء.

ويؤكد الرئيس التنفيذي لنت زيرو، وهي كيان برز دوليا في منتصف أبريل الماضي بعد فوزه بإحدى الجوائز الخمس عشرة في مسابقة إكس برايز كاربون ريموفل أن جائزة بقيمة مليون دولار تعني الكثير بالنسبة إلى شركة ناشئة.

ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى رينو قوله إن “هذا المبلغ يوفر للشركة تمويلا تحتاج إليه”. ومن المقرر أن يُستخدم المبلغ لتمويل سنة من الأبحاث والتطوير “أو تغطية ثلثي تكاليف إنشاء مصنع جديد”.

ومن خلال إتاحة فوز مئة مليون دولار في المجموع، تهدف ما وصفه الموقع الإلكتروني لإكس برايز كاربون ريموفل بأنها “أهم جائزة تحفيزية في التاريخ” إلى تقديم حلول بحلول عام 2025 لالتقاط مليارات الأطنان من ثاني أكسيد الكربون سنويا بتكلفة منخفضة.

وحصل الفائز على المكافأة استنادا إلى نموذجه الاقتصادي الذكي الذي يعتمد على حرق النفايات الزراعية التي تلتقط بشكل طبيعي ثاني أكسيد الكربون وتحوّله إلى فحم حيوي، وهو غبار فحم يغذّي التربة.

وتولّد الحرارة الناجمة عن عملية الحرق كهرباء متجددة يمكن بيعها. وفي المجموع، تشير الشركة الفرنسية إلى أنها تستطيع التخلص من طن من ثاني أكسيد الكربون مقابل بضع عشرات من الدولارات، وهو رقم تصعب منافسته.

ووعدت شركات أميركية مثل سترايب وألفابت وشوبيفاي وميتا وماكينسي وأمازون وغوغل ومايكروسوفت بأنها ستشتري بمبلغ 925 مليون دولار “خدمات لإزالة الكربون نهائيا بين عامي 2022 و2039″، ما يمثل ضمانة للجهات التي لا تزال مترددة في مباشرة هذه المهمة.

وباعتماد الأسلوب نفسه، تتعهد نحو خمسين شركة في قطاعات يصعب التقاط الكربون فيها، من بينها فرست موفرز كواليشن، بتمويل تكنولوجيا مماثلة.

وتشير المؤرخة العلمية أيمي داهان لوكالة الصحافة الفرنسية إلى وجود كمية قليلة من الأبحاث حول التقاط الكربون من الهواء الذي يشكل عملية “يصعب جداً إتقانها”.

وقالت إن “فكرة أيلون ماسك تهدف إلى رفع مجال الأبحاث إلى نقطة رؤية معينة”. وترى أنّ توفير مبلغ مئة مليون دولار كجائزة خطوة “غير مسبوقة”.

وسبق لهذا الأسلوب أن حقق نجاحا في الماضي، إذ ساهمت مسابقة أورتيغ برايز التي عرضت مبلغ 25 ألف دولار أمام أول طيّار يتمكنّ من إجراء رحلة بين نيويورك وباريس من دون توقف، في تعزيز الأبحاث المتعلقة بالطيران. وفاز بالجائزة شارل ليندبيرغ عام 1927.

وفي مرحلة أحدث، أدت الوعود في التمويل التي وفرها مؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتس خلال منتدى الاقتصاد العالمي في عام 2010 إلى تعزيز السباق المتعلق بتصنيع اللقاحات.

وتتمتع شركة كلايمت فاوندايشن الأميركية الحاصلة على جائزة بفضل تقنية التقاط الكربون باستخدام طحالب كبيرة ثم إلقائها في أعماق المحيط، بالرأي نفسه.

ويقول مؤسس الشركة براين فون هيرزن الذي يرغب في إنشاء “أول هكتار من الزراعة البحرية المستدامة” باستخدام تمويل آخر “ما كنا سنصل إلى هذه المرحلة لولا هذا المبلغ”. ويضيف أن “هذه الجوائز تشكل مراحل أولية مهمة، لكنها غير كافية لبناء نظام بيئي متين يلتقط الكربون”.

وتجمع الآراء العلمية على أنّ الهدف النهائي يتمثل في التقاط عدة مليارات أطنان من الكربون سنويا بحلول 2050، لأنّ القدرة الحالية على عزل الكربون “مجهرية”.

ويعتقد رينو أن هذا الأمر يشير إلى ضرورة بناء “خلال الأعوام الثلاثين المقبلة” وسيلة “مماثلة بالأهمية لقطاع النفط”.

كما يشدد على أن هذه الخطوة تحتاج إلى استثمار “عدة عشرات النقاط من إجمالي الناتج المحلي” بدءاً من اليوم، بدل “قطرة الماء” الموجودة حالياً.

وتؤيّد داهان فكرة رينو، معتبرة أن أصحاب المليارات حري بهم أن يوقفوا “ظاهرة الغسل الأخضر” و”أن يغيروا النموذج التجاري الخاص بشركاتهم” التي تبعث كميات كبيرة من الكربون.

وتقول الباحثة “لا يمكننا بالتأكيد أنّ نغض النظر عن دورهم في هذه القضية”، مشيرة إلى ضرورة إيجاد “سياسة تضعها الدولة واتفاقيات” ملزمة.

ورغم تخصيص الولايات المتحدة مبلغ 3.5 مليار دولار للاستثمار في هذا القطاع الواعد، إلا أن داهان ترى أن “البلدان لا تتعامل مع هذه المسألة بجدية”.

وخلال السنوات القليلة الماضية انضمت العديد من الشركات حول العالم للسباق المحتدم حول سوق الكربون وطالت قطاعات عديدة مثل الطيران وشركات النقل البحري ناهيك عن مجال تصنيع السيارات الصديقة للبيئة.

وبين الفينة والأخرى يتصاعد الجدل بين حكومات العالم والأوساط البيئية والاقتصادية حول الطريقة الأمثل لتجارة الكربون، والتي تعتبر فكرة الاستثمار فيه مسألة معقدة للغاية.

ويرجع المختصون ذلك إلى حجم التحديات التي تواجه الدول للتوصل إلى صيغة توافقية لتسويق المخلفات الصناعية والنفطية بما يحقق العوائد المالية المستهدفة.

ويقول البنك الدولي إن تجارة الكربون نجحت في خلق سوق طوعية تقدر بأكثر من مئة مليار دولار سنويا، بل ومن المتوقع أن تتفوق على تجارة النفط لتكون أكبر سوق في العالم خلال السنوات القادمة.

وما يؤكد تلك الترجيحات هو وجود اتجاه عالمي متزايد نحو استخدام الطاقات المتجددة الصديقة للبيئة لخفض الانبعاثات الكربونية، التي تسبب خسائر مادية تقدر بمليارات الدولارات كل عام.

وضبط سعر لانبعاثات الكربون يتطور على المستوى العالمي مع تطبيق ضريبة الكربون وأنظمة مبادلة حصص الانبعاثات.

وبحسب البنك الدولي، فإن هذه المبادرات المحلية أو الإقليمية القائمة أو تلك التي سيتم إنشاؤها في المستقبل تغطي فقط 20 في المئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم.

ويختلف سعر طن ثاني أكسيد الكربون تماما من نظام إلى آخر، إذ يبلغ 32 دولارا في نظام تبادل الحصص الأوروبية، و17 دولارا في كاليفورنيا، في حين حدد سعر ضرائب الكربون في بولندا بنحو 0.08 دولار، بينما في السويد يعد الأعلى سعرا بنحو 121 دولارا.

ويشير خبراء معهد الاقتصاد للمناخ إلى أن 75 في المئة من الانبعاثات المنظمة بضريبة الكربون تتم تغطيتها بسعر يقل عن 10 دولارات.

 

 

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةدبي ملاذ المستثمرين الروس هربا من الحظر الغربي
المقالة القادمةأبو شرف: 6000 طبيب وممرض هاجر البلد