تحولات الاقتصاد التركي.. انكسار ما بعد باباجان

أعلن بيرات ألبيرق، صهر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، استقالته من منصبه كوزير للمالية والخزانة مساء الأحد 8 نوفمبر الجاري، إثر تراجع تاريخي لليرة التركية، أمام العملات الأجنبية، وتجاوز سعر صرفها في نهاية الأسبوع الأول من نوفمبر، عتبة 8.45 أمام الدولار.

استقالة ألبيرق جاءت بعد يوم واحد، من إقالة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، محافظ البنك المركزي، مراد أويصال، من منصبه، وتعيين ناجي آغبال، رئيس إدارة الاستراتيجية والموازنة بالرئاسة، محافظاً جديداً للبنك المركزي.

وأعلنت رئاسة الجمهورية التركية، مساء الثلاثاء، 9 نوفمبر الجاري، قبول الرئيس التركي، استقالة صهره، وتعيين لطفي إلوان خلفاً له، ثم خرج أردوغان في خطاب بعد يومين، أكد فيه أن تغييرات هامة، وإصلاحات في جسم الاقتصاد قادمة خلال الفترة المقبلة.

لكن خبراء اقتصاد، يؤكدون أنّ مشكلة الاقتصاد التركي ليست في شخصيات الوزراء، ربما كان تعيين ألبيرق، أحد أسباب التراجع الاقتصادي، لكنه ليس السبب الرئيسي، بل تعارض رغبات وتوجهات أردوغان الاقتصادية، مع سياسات البنك المركزي، كانت سبباً رئيسياً في زعزعة ثقة المستثمرين بالسوق التركية.

ويستشهد الخبراء، بفترة وزير الاقتصاد الأسبق، علي باباجان، الذي يصفه البعض، بمهندس الاقتصاد التركي، ويقول شاكر أوزداغ، الباحث والخبير الاقتصادي، للعربية.نت، “خلال الفترة التي كان فيها باباجان في إدارة الاقتصاد، كانت هناك نقاشات دائمة حول أسعار الفائدة، واستقلالية البنك المركزي، خلال هذه الفترة، برز علي باباجان كشخصية تفهم لغة موظفي الاقتصاد كما يطلق عليها في الأسواق، باباجان بتصريحاته الحكيمة عندما كان في إدارة الاقتصاد، حال دون تصعيد الجدل، لا سيما فيما يخص البنك المركزي”.

ثقة المستثمرين على المحك
وشدد أوزداغ، على أن “ثقة المستثمرين بالسوق التركية تحتاج إلى التأكيد الواضح الصريح من أركان الحكومة، ولاسيما الرئيس أردوغان على استقلالية البنك المركزي، وعدم التدخل في قراراته، أو محاولة الضغط عليه، عندما تتحقق هذه الشروط تتحقق بيئة مناسبة للاستثمار، وهذا مايشجع عودة المستثمرين”.

ولخص تيموثي آش، استراتيجي أوروبا الشرقية وإفريقيا والشرق الأوسط، في بنك الاستثمار الياباني، عمل باباجان خلال 13 عام بأنه “أكتسب ثقة كبيرة خلال الأعوام التي عمل بها مع المستثمرين”.

وفقاً للخبراء، هناك ميزة أخرى لعلي باباجان، تبرز بخروجه من الأزمة المالية عام 2008 بحالة أفضل من حال البلدان النامية الأخرى.

إذاً تصريحات أردوغان العلنية ضد البنك المركزي لم تكون وليدة السنوات الثلاث الماضية، فهو انتقد خلال فترة تولي باباجان حقيبة الاقتصاد، أسعار الفائدة التي أقرها البنك المركزي، وانتقد بشدة رئيس البنك المركزي حينذاك، إردم باشجي، وفي إحدى تصريحاته في هذا الصدد، قال الرئيس أردوغان إن “الفائدة العالية خيانة للوطن”.

من يدير الإقتصاد؟
وتزامنت تصريحات أردوغان، مع هجوم من وسائل إعلام مقربة منه، وتابعة لصهره بيرات ألبيرق، خصوصاً جريدة صباح، واستهدفت باباجان مباشرة.

لكن وجود باباجان في موقع المسؤولية بالنسبة لإدارة الاقتصاد، كان يعطي المستثمرين طمأنينة، وارتياحاً في الأسواق، يدلل على ذلك تعليق لجريدة زمان، المعارضة، والتابعة لفتح الله غولن، نشرته عام 2017، “الاقتصاديون ينتظرون إدارة اقتصادية لا تناقش استقلالية البنك المركزي، وتركز على الإصلاحات، إذا شارك علي باباجان في مجلس الوزراء، فإن سعر الدولار مقابل الليرة التركية، سينخفض بسرعة”.

لكن الصحفي الاقتصادي، بكير مراد أوغلو، يرى أن السياسة الخارجية لحكومة أردوغان، والأحداث التي عاشتها تركيا بدءاً من عام 2015، أثرت بشكل سلبي على الاقتصاد التركي.

ويقول مراد أوغلو للعربية.نت، “إذا استعرضنا الأحداث التاريخية منذ 2015 تحديداً، وهو نفس العام الذي غادر فيه باباجان الحكومة، نرى أن الهجمات الارهابية لحزب العمال الكردستاني عادت من جديد داخل البلاد، أيضاً تفجيرات لتنظيم داعش في المدن الرئيسية الهامة، لاسيما إسطنبول، وعمليات عسكرية تركية، خارج الحدود، ولا ننسى محاولة الانقلاب الفاشلة، والتوتر مع الولايات المتحدة بسبب احتجاز القس الأميركي، كلها عوامل أثرت سلباً في الاقتصاد التركي، ولاسيما قطاع السياحة، طبعاً العلاقات الثنائية السيئة مع دول عربية لاسيما الخليجية منها، ساهمت بتراجع التصدير إلى تلك الدول لاسيما خلال الأشهر الماضية، وهذا كله ينعكس سلباً على الاقتصاد”.

وأضاف “باختصار السياسات الخارجية، وخصومات حكومة أردوغان، مع دول في الشرق الأوسط، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، ساهمت في عزوف كثير من المستثمرين، لكن هذه العوامل لاتعني أن أداء حكومته كان جيداً، فالخلل في إدارة الاقتصاد كان واضحاً، لاسيما إبان فترة صهره بيرات ألبيرق، خاصة عدم القدرة على السيطرة على أسعار الصرف، وتصريحات ألبيرق في هذا الشأن، حيث أكد في أكثر من مناسبة أنه لا يكترث إلى أسعار الصرف، وهذا ما كان يعطي مؤشرات سلبية، ولا يعطي ارتياحاً في الأسواق”.

الأرقام تتحدث
وفي قراءة سريعة إلى أرقام الاقتصاد التركي، ما بين عامي 2015، والعام الجاري، نجد أن سعر الدولار تضاعف مقابل الليرة التركية، حيث كان سعر الدولار 2.91 ليرة تركية، في 28 أغسطس 2015، وهو التاريخ الذي غادر فيه باباجان منصبه، كوزير للاقتصاد، ووصل إلى أكثر من 8.40 ليرة تركية مطلع نوفمبر الجاري.

أما سعر صرف اليورو، فكان سعر صرفه أمام الليرة التركية ـ 3.29، في 28 أغسطس 2015، ووصل إلى 9.17 ليرة تركية في 18 نوفمبر 2020.
بينما كان الرقم القياسي لأسعار المستهلك 260.8 في 28 أغسطس 2015، و ارتفع إلى 487.4 في أكتوبر 2020، كذلك زاد التضخم 86.9 في المائة في السنوات الخمس الماضية. وارتفعت أيضاً معدلات البطالة.

ووفقاً لبيانات معهد الإحصاء التركي (مؤسسة حكومية)، فإن معدل البطالة، في أغسطس 2015، بلغ 10.1 في المائة، و بلغ عدد العاطلين عن العمل 3 ملايين و 58 ألف شخص، فيما بلغ معدل البطالة في أغسطس 2020، 13.2 في المائة، بنسبة زيادة 3.1 نقطة مئوية، ووصل عدد العاطلين عن العمل إلى 4 ملايين و 194 ألف شخص، لكن المعارضة تقول إن أرقام معهد الإحصاء، لاتعكس واقع الحال، وتؤكد أن عدد العاطلين عن العمل أعلى بكثير من الأرقام الحكومية.

مصدرالعربية
المادة السابقةالسياسات التجارية لـ “ترمب”..كيف يستفيد منها “بايدن”؟
المقالة القادمةوضع آلية لإعفاء ورثة شهداء انفجار بيروت من رسم الانتقال