تشريع القنّب الهندي لا ينهي الزراعة غير الشرعية!

في عام 2020 أقرّ مجلس النواب قانون يُشرّع زراعة القنّب الهندي لأغراض طبية في لبنان. حينها رُوّج بأن هذا التشريع سيؤمّن إيرادات بالعملات الأجنبية إلى الاقتصاد من دون أن يستند ذلك إلى دراسة جدوى بموجبها يتم تخطيط آليات التنفيذ الملائمة لنجاح هذا التشريع في مواجهة القطاع غير الشرعي. فالوقائع التاريخية لهذه الزراعة في لبنان مقارنة مع التحوّلات الموعودة سنداً إلى دراسات سريعة مثل تلك التي نفّذتها ماكينزي في عام 2018، تُظهر قصوراً حاداً في الرؤية.في عام 2018، أصدرت شركة «ماكنزي» للاستشارات، تقريراً بعنوان «رؤية لبنان الاقتصادية» تضمّن ملخّصاً لدراسة كاملة عن زراعة القنّب الهندي لأغراض طبية، وكيف يمكن أن يُدرّ إنتاجه نحو 4 مليارات دولار سنوياً. ومنذ إصدار التقرير إلى اليوم، لا يزال وزير الاقتصاد السابق رائد خوري، يستند إلى ما ورد في التقرير للحديث عن القطاعات الموعودة في لبنان. لكنّ المشكلة تكمن في أن التقرير ليس واضحاً لجهة العوائق التي ستواجه هذه الزراعة في حال تنظيمها وفرص تلافيها. فالأرقام التي ذُكرت في التقرير لا تستند إلى أي وقائع، لا من ناحية القدرة الإنتاجية، أي الأراضي الزراعية التي يمكن أن تُنتج هذا النوع من الزراعة، ولا في ما يخصّ قابلية المزارعين للتحوّل إلى هذه الزراعة في حال تم تنظيمها. لذا، لا تتّضح دقّة الإيرادات المقدّرة بنحو 4 مليارات دولار، علماً أن وزير الزراعة الحالي، عباس الحاج حسن يذكر أن الحجم المحتمل للقطاع سيكون 1.5 مليار دولار. هذا الفرق يشي بأن التقديرات تستند إلى تكهنات.

وفي هذا السياق، أصدر عدد من الباحثين (جمال إبراهيم، سالم درويش وحسين زعيتر، ورقة بحثية بعنوان «عن الإمكانات الاقتصادية لزراعة القنب الهندي في لبنان» تفنّد مزاعم تقرير ماكينزي. فما ورد في التقرير عن أن قوننة زراعة القنّب ستزيد المساحة المزروعة من صفر هكتار عام 2017 إلى 1000 هكتار عام 2025، وهو أمر مستغرب، إذ إن ذلك لا يستند إلى أي بيانات، فضلاً عن أن القنّب يُزرع في لبنان منذ ما لا يقل عن 100 عام.

ثمة إشكالية أخرى تحدثت عنها الورقة، إذ تقول ماكينزي إنه بحلول عام 2025 سيكون قطاع زراعة القنّب بغالبيته خاضعاً للرقابة، في إشارة إلى نهاية الزراعة غير الشرعية، كما أن تصدير الكميات للأغراض الطبية، سيصبح قانونياً. لكنّ الورقة تشير إلى وجود عقبة أساسية تكمن في إقناع المزارعين غير الشرعيين بالحصول على تراخيص والتحوّل إلى مزارعين شرعيين، ولا سيما في ظل تجربة سابقة، إذ إن الجهود السابقة التي هدفت إلى نشر الزراعات البديلة عن القنّب الهندي لم تنجح، كما أن قمع هذه الزراعات أمنياً لم ينجح أيضاً. أما بالنسبة إلى التصدير، وخصوصاً إلى أوروبا، فهو ليس أمراً بسيطاً لأن المعايير هناك معقّدة وتفرض أن تؤمّن الشركات المستوردة من أوروبا الحبوب «المعتمدة» للمزارعين. بمعنى آخر، هذا الأمر يعني اعتماد المزارعين المفرط على المستوردين. وأي مشكلة قد تنشأ بين المزارع والمستورد، تعني انقطاع المزارع عن مصدر الحبوب «المُعتمدة»، ما يعني أن لجوء هذا المزارع إلى الزراعة غير الشرعية هو مسألة وقت فقط. كما أن حاجة المزارع إلى الحبوب من المستورِد، تعني أن دور لبنان سيقتصر على العمالة القليلة الكلفة والأرض الرخيصة مقارنة بأوروبا.

أيضاً يشير تقرير ماكينزي إلى نموّ قطاعات فرعية أو متصلة بزراعة القنّب، مثل الشركات التي تعمل في الرعاية الصحية، مع التركيز على الأدوية والمنتجات الطبية القائمة على القنب. وتقدّر ماكينزي أن صادرات هذه القطاعات سترتفع من نحو 800 مليون دولار إلى نحو 1.79 مليار دولار. لكنّ الورقة تشدّد على أن إيراد أرقام كهذه غير مستندة إلى أي بيانات، سببه انعدام المعرفة بإمكانات قطاع زراعة القنّب الهندي في لبنان، إذ تعتمد صادرات المنتجات الطبية القائمة على زراعة القنّب «على القدرة الإنتاجية، والاتفاقيات التجارية، وبراءات الاختراع»، وهذه الثلاثة هي غير واضحة، ما يعيق تقدير حجم النمو في أي قطاع يعتمد على هذه الزراعة.

بالإضافة إلى ذلك، هناك عامل مهم أغفلته ماكينزي، يتعلق بالقدرة التنافسية للزراعة اللبنانية في الأسواق الخارجية. فالأقدمية تلعب دوراً مهماً في الدخول إلى الأسواق، وقد سبق لعدد من الدول أن بدأت تزرع القنّب الهندي للاستخدام الطبّي، ومنها كندا التي تُصدّر إلى ألمانيا وكرواتيا ونيوزيلندا والبرازيل وتشيلي، وهولندا التي تُصدّر إلى أستراليا ومختلف دول الاتحاد الأوروبي بما فيها إيطاليا وألمانيا وفنلندا، بالإضافة إلى الأوروغواي التي بدأت بالتصدير إلى كندا والمكسيك منذ عام 2017.

لذا، يبدو الحديث عن تشريع زراعة القنّب الهندي وإسهاماته في نموّ الاقتصاد، غير موثوق بعد. فالتشريع وحده لا يكفي، بل يحتاج الأمر إلى خطّة متكاملة ودراسات أعمق للقدرات الإنتاجية والأسواق الخارجية المُحتملة بمعاييرها المعتمدة.

مصدرجريدة الأخبار - ماهر سلامة
المادة السابقةأوروبا تحارب الإنتاج اللبناني
المقالة القادمة«المركزي» يبحث عن «فترة سماح»