تطبيقات تحويل الأموال… خطوة متأخرة للجم «الاقتصاد النقدي»

شركات عديدة تطمح إلى دخول عالم تطبيقات التحويل الفوري للأموال، الذي انطلق فعلاً. إلا أن النقلة التي تنتظرها الشركات المالية، هي البدء رسمياً بتطبيق نظام e-Wallet التي تسمح بامتلاك الأموال في التطبيق من دون أن يكون للعميل حساب مصرفي. وعلى ما تؤكد المعلومات، فإن مصرف لبنان يعمل على إصدار تعميم يشرّع هذه الخدمة، لكن إلى ذلك الحين، ثمة من يشكو من مساع لتثبيت حصة سوقية لإحدى الشركات المحظية قبل فتح باب المنافسة

قي القرار الوسيط الصادر عن مصرف لبنان في 17/1/2020 (رقم 13183)، أجاز المصرف للشركات المالية والمصارف القيام بالعمليات المصرفية أو المالية بواسطة الأجهزة الإلكترونية الجوالة أو الثابتة عبر تطبيقات أو برامج إلكترونية، وذلك من خلال استعمال بطاقات أو حسابات مصرفية تعود لعملاء مصارف مختلفة.

صحيح أن التحويل المصرفي كان متاحاً لزبائن المصارف منذ زمن، وعبر التطبيقات الخاصة بها، إلا أن الجديد في التعميم كان السماح بالتحويل أو الدفع الفوري، بحيث يصل المال إلى تطبيق المتسلم بمجرد إرساله، في حين أن الآلية السابقة كانت تقتصر على إعطاء أمر الدفع إلكترونياً، على أن ينفّذ عملياً من قبل موظفي المصرف، بالطريقة التقليدية (عبر شبكة swift المعتمدة بين المصارف).

يعتبر عاملون في القطاع المالي أن هذه الخدمة التي أتت نتيجة مطالبات عديدة تأخرت سنوات، وصار يصعب اللحاق بالركب العالمي الذي شهد تطوراً كبيراً في وسائل الدفع. وما يزيد من الصعوبة هو الأزمة المالية والنقدية الكبيرة التي ألمّت بلبنان. لكن مع ذلك، يجزم هؤلاء بأنه لم يعد مفيداً الانتظار أكثر، أضف إلى ذلك أن التطبيق، إذا ما اعتمده الناس على نطاق واسع، يمكن أن يعالج واحدة من المشكلات التي تواجه الاقتصاد حالياً، أي التداول الواسع بالأموال النقدية. ففي هذا الوقت تحديداً، حيث التضييق على السحوبات النقدية يشتدّ، يعتبر مصرف لبنان أن تلك واحد من الخيارات البديلة التي يؤمل أن تسهم في الحد من الطلب على النقد. كذلك تشير مصادره إلى أن من فوائد التطبيق أنه يؤمّن تحويلاً سريعاً للأموال وبطريقة آمنة، كما تشير إلى أنه يمكن أن يكون حلاً بديلاً أو مكملاً لبطاقات الدعم المتوقعة؛ إذ إن اعتماد التطبيق كخيار بديل للبطاقات يسمح باستفادة فورية لعدد أكبر من الناس، انطلاقاً من أن حاملي الهواتف الذكية عددهم أكبر بكثير ممن يملكون حسابات مصرفية. وهؤلاء سيتمكنون عملياً من الاستفادة من مبلغ الدعم من خلال سحب جزء منه نقداً ومن خلال اعتمادها كوسيلة للدفع.

تلك الآمال المعقودة على نظام الدفع بواسطة الموبايل لا يمكن أن تتحقق في ظل التعميم الراهن. فأهمية تطبيقات الدفع الفوري في العالم تكمن في تحوّلها إلى محافظ افتراضية e-Wallet، لكن التعميم لم يسمح بالوصول إلى هذه الحدود. صحيح أنه سمح، من حيث المبدأ، بتطوير وسائل الدفع، لكن الأمر ظل محصوراً بمن يملكون بطاقات أو حسابات مصرفية، في حين أن تطبيق نظام المحفظة الافتراضية يسمح لأي كان، وتحديداً لمن ليسوا عملاء للمصارف، بالاستفادة من خدمة تحويل الأموال، فتكون أمواله موجودة في التطبيق ويستعملها من خلاله كأي أموال نقدية، كما لو أنها في محفظته.

يدرك مصرف لبنان أن اهتمام شركات الأموال والمصارف بالخدمة ينبع أولاً من افتراض تطبيق مبدأ e-Wallet قريباً، خاصة أن الاستثمار بالتطبيق يصبح من دون قيمة تجارية إن تم الاكتفاء بالخدمات التي تشمل عملاء المصارف. ولذلك، تؤكد مصادر المصرف، كما مصادر شركات مالية، أن «المركزي» في صدد الإعداد لتعميم جديد، يضع قواعد وأصول عمل المَحافظ الذكية.

صحيح أن التعميم الحالي صدر في بداية العام، إلا أن المعلومات تشير إلى أن أكثر من مصرف أو شركة مالية كانت على تواصل مع مصرف لبنان، وتستعد تقنياً لإطلاق التطبيق فور تشريع مصرف لبنان للعمليات النقدية عبر الموبايل. شركة «أريبا» المملوكة من آل ميقاتي كانت الأكثر استعداداً كما بدا جلياً. وهي لذلك كانت أول من حصل على الترخيص. وقد أطلقت تطبيقها تحت اسم zaky في الصيف الفائت.

منذ ذلك الحين، وجدت شركات أخرى صعوبة في الحصول على الترخيص. وهو ما أثار شكوكاً من تعمّد المصرف المركزي ترك الساحة خالية أمام «أريبا»، تمهيداً لحجز حصة سوقية قبل دخول المنافسين (وصل عدد زبائنها حالياً إلى 6 آلاف). مصادر مطلعة ترفض الإشارة إلى أي تمييز. وهي تؤكد أن شركة pin pay المملوكة من عدد من المساهمين، وأبرزها مصارف عودة والبحر المتوسط وفرنسبنك، حصلت على الترخيص أيضاً. لكن تجدر الإشارة إلى أن تطبيق pin pay، موجود منذ سنوات، وما حصل أنه وسّع دائرة عمله وصار غير محصور بعملاء المصارف الثلاثة كما كان سابقاً.

شركة easy pay كانت واحدة من الشركات التي أبدت اهتمامها بالحصول على الترخيص، لكن مصادرها تؤكد أن المعنيين في المصرف المركزي رفضوا الموافقة على طلبها أو حتى تسلّمه، طالبين انتظار صدور التعميم الجديد من مصرف لبنان، للتقدّم وفق آلياته الجديدة. ذلك أمر لم يُطلب من «أريبا»، وكانت الحجة أنها كانت الوحيدة التي تقدمت في المرحلة الأولى، علماً بأن التعميم السابق لا يميز بين المتقدمين ولا ينصّ على مراحل للترخيص، بل على شروط يحصل على الترخيص كل من يتقيّد بها.

تنفي مصادر مصرف لبنان أن يكون طلب easy pay قد رفض، مؤكدة أن المديرية المعنية تواصلت مع الشركة وأوضحت لها أنه يمكنها أن تتقدم راهناً للعمل على الخدمة الموجودة، أو انتظار التعميم الجديد للعمل وفق آلية e-wallet. لكن ذلك تنفيه الشركة تماماً، مؤكدة أنها ليست هي من اختارت التأجيل، بل فرض عليها الانتظار ريثما يصدر التعميم الجديد.

إضافة إلى هذه الشركات، تشير المصادر إلى أن شركة تحويل الأموال woo cash التي أنشئت في العام 2019، أبدت اهتمامها بالحصول على ترخيص للعمل في إدارة التعميم المتعلق بالتحويل عبر التطبيق الإلكتروني، إلا أن المصرف تأخر في بتّ الأمر، نظراً إلى مخالفتها سابقاً لشروط الترخيص الذي تملكه. لكن الأمر لم يطل، بحسب المصادر، إذ عمد مصرف لبنان إلى تنبيه الشركة لمخالفتها تعاميمه. وقد امتثلت وعمدت إلى تسوية وضعها، على أن تحصل على الترخيص قريباً.

300 دولار يومياً

في التعميم الصادر في بداية العام، حدد المصرف المركزي الشروط المطلوبة من المهتمّين بالقيام بالعمليات المصرفية أو المالية بواسطة الموبايل، وأبرزها:

– الاستحصال على موافقة مصرف لبنان.
– تنفذ هذه العمليات بين العملاء بشكل آني.
– تتم هذه العمليات بين حسابات المصارف لدى مصرف لبنان.
– تراعي هذه العمليات القوانين والأنظمة المتعلقة بالامتثال ومكافحة تبييض الأموال.
– لا تتعدى العمولة المستوفاة على هذه العمليات 0.5 في المئة.
– تزويد مديرية أنظمة الدفع لدى مصرف لبنان شهرياً بعدد هذه العمليات وقيمتها.
كذلك، حدّد المصرف المركزي سقوفاً للتحويلات المالية بالنسبة إلى كل عميل، على الشكل التالي:
– 500 ألف ليرة يومياً، و5 ملايين ليرة شهرياً.
– 300 دولار يومياً و3000 دولار شهرياً (مع الالتزام بالقيود التي فرضتها المصارف تكون التحويلات بالدولار حصراً لمن لا يمتلك حساباً بالدولار الفريش).
– يجب أن لا تتعدى مجموعة الأموال التي يتلقاها كل عميل مبلغ مليون ليرة يومياً وعشرة ملايين ليرة شهرياً، 600 دولار يومياً و6000 دولار شهرياً.
– يمكن لمصرف لبنان الموافقة استثنائياً على سقف أعلى لمجموع المبالغ المتلقاة من أحد العملاء في حال كان تاجراً أو من أصحاب المهن الحرة.

كيف يعمل تطبيق تحويل الأموال؟

تقدّم التطبيقات التي بدأت العمل، أو تستعد لإطلاق منتجها، خدمة تحويل الأموال بين الأشخاص عبر الطريقة الآتية: يسجل المرسل رقم هاتف المستلم ثم يرسل المبلغ، تصل رسالة إلى المستلم تتضمن رابطاً الكترونياً للتطبيق لتنزيله (إن لم يكن قد نزّله). بعدها يملأ البيانات المطلوبة، والتي تشبه إلى حد بعيد المعلومات التي تُقدّم لفتح حساب مصرفي (صورة عن الهوية، مكان السكن، رقم الهاتف…). وبعد انتهاء التسجيل وإدخال رقم البطاقة المصرفية أو الحساب، يضاف المبلغ المرسل إلى رصيده. لكن في حال لم يكن يملك حساباً او بطاقة، وإلى حين اعتماد نظام e-Wallet، لن يتمكّن من استلام الأموال، وسيعود المبلغ المرسل إلى صاحبه. ولذلك، فإن المستفيد من التطبيق حالياً هم حملة البطاقات أو أصحاب الحسابات المصرفية. وهؤلاء يمكنهم، إضافةً إلى تحويل الأموال، الاستفادة من التطبيق لدفع الأموال الكترونياً إلى الشركات المسجلة فيه، مثل شركات الخلوي أو غيرها. كذلك يتوقع أن لا يتأخر بدء العمل بالدفع عبر التطبيق على نقاط البيع.

مصدرجريدة الأخبار اللبنانية - إيلي الفرزلي
المادة السابقةالسكن بالإيجار… ضحية دولرة الاقتصاد
المقالة القادمةالبنك الدولي: البطاقة التمويلية حلّ مرحلي بانتظار الإصلاحات الشاملة