تكاليف الغذاء الباهظة تراكم المخاطر في المنطقة العربية

تبذل الحكومات العربية وخاصة في مصر والمغرب وتونس، وهي الدول التي يعيش فيها عدد كبير من السكان بالمناطق الحضرية وتفتقر إلى الثروة النفطية، جهودا للاستمرار في دعم المواد الغذائية والوقود والتي ساعدت في احتواء السخط.

وفي الوقت الذي تهيمن فيه عادات ولائم الإفطار خلال شهر رمضان لتناول الطعام بعد يوم من الصيام؛ فإن الكثيرين وخاصة الطبقة الفقيرة، يصطدمون بواقع اقتصادي ومعيشي مرير.

وقفزت تكاليف الغذاء عالميا بأكثر من 50 في المئة مقارنة بمنتصف عام 2020، لتصل إلى مستوى قياسي يدفع الأسر في جميع أنحاء العالم نحو بذل الجهود للتعامل مع الضغوط على ميزانياتها.

وتزداد حدة التحدي في دول شمال أفريقيا وأيضا في لبنان واليمن والعراق بسبب سوء الإدارة الاقتصادية والجفاف والاضطرابات الاجتماعية التي تجبر الحكومات على المضي في مسار سياسي شائك وتوقيت حافل بالمخاطر.

وذكرت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) الأسبوع الماضي أن الأسعار بلغت أعلى المستويات على الإطلاق في مارس الماضي على خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا وعرقلة صادرات القمح والحبوب.

وبلغ مؤشر أسعار الغذاء، الذي يتتبع التغيرات الشهرية في الأسعار الدولية لسلة من السلع، في المتوسط 159.3 نقطة الشهر الماضي بزيادة 12.6 في المئة عن فبراير الماضي والذي كان المؤشر خلال ذلك الشهر في أعلى مستوى منذ إنشائه في عام 1990.

وأكد خبراء فاو أن “الحرب في أوكرانيا كانت مسؤولة إلى حد كبير عن زيادة بنسبة 17.1 في المئة في أسعار الحبوب، بما في ذلك القمح وأنواع أخرى مثل الشوفان والشعير والذرة”.

وتظهر التقديرات أن روسيا وأوكرانيا تمثلان معا حوالي 30 في المئة و20 في المئة من صادرات القمح والذرة العالمية، على التوالي.

ووفقا لصندوق النقد الدولي تعد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المستوردة للغذاء والطاقة أكثر عرضة بشكل خاص للصدمات في أسواق السلع وسلاسل التوريد الناجمة عن اندلاع الحرب في أوكرانيا.

ويتساءل السائق المصري أحمد مصطفى، وهو أب لثلاثة أطفال “كم من الوقت علينا أن ننتظر؟”. واعترف بأنه اضطر بالفعل إلى بيع بعض الأجهزة ليتمكّن من إطعام أبنائه وتغطية نفقات أخرى.

ونسبت وكالة بلومبرغ إلى مصطفى قوله “مطلوب منا باستمرار الترشيد ثم الترشيد حتى لم يعد لدينا الكثير لنرشده”.

وحذر برنامج الغذاء العالمي من أن صبر الناس بلغ نقطة فاصلة، في الوقت الذي تحركت فيه الإمارات لمساعدة حليفتها مصر، وهي أكبر مشتر للقمح في العالم، من أجل تعزيز أمنها الغذائي، ومواجهة حالة محتملة من عدم الاستقرار.

وتبذل القاهرة التي تسعى للحصول على مساعدة صندوق النقد جهودا للمضي قُدُما في مسار الإصلاحات بهدف إنعاش الاقتصاد، دون إثارة الإحباط الشعبي.

وقبل أسابيع سارع المسؤولون إلى التباهي بحقيقة أن اقتصاد مصر الأكبر من ناحية عدد السكان قد تعافى من تداعيات الوباء وحقق نموا قويا، فضلا عن أن التضخم كان تحت السيطرة قبل أن يصل إلى أكثر من 10 في المئة الشهر الماضي وهو الأعلى منذ 2019.

ولكن الواقع تغير بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، فقد سحب المستثمرون المليارات من الدولارات من سوق الدين في مصر وتراجعت قيمة العملة المحلية بنحو 15 في المئة وتم حظر تصدير مواد غذائية رئيسية، بما في ذلك الدقيق والعدس والقمح.

وقالت الحكومة إنه بحلول مارس الماضي أدت الحرب إلى ارتفاع أسعار الدقيق بنحو 19 في المئة والزيوت النباتية بنحو 10 في المئة.

وتشير بيانات جهاز التعبئة والإحصاء إلى أن متوسط دخل الأسرة المصرية يبلغ حوالي خمسة آلاف جنيه (272 دولارا) شهريا إذ يتم إنفاق ثلثها على الغذاء.

وأكد هلال الدندراوي وهو موظف حكومي متقاعد في مدينة أسوان أنه يستعد لارتفاع أسعار الوقود فضلا عن طوفان من الزيادات الأخرى. وقال “نعيش في أزمة أسعار بالسلع والخدمات والكهرباء والمياه والغاز”.

أما الوضع في تونس فهو أسوأ حالا، فالضربة التي تلقاها الاقتصاد نتيجة الصراعات الداخلية بين المسؤولين تتفاقم حاليا مع الحرب في شرق أوروبا خاصة وأن البلد لم يتعاف بعد من مخلفات الجائحة.

وحذر البنك المركزي التونسي بأنه يتعين اتخاذ تدابير قوية لإصلاح الاقتصاد، لكن هذه الجهود تصطدم بالنقابات العمالية ذات التأثير الكبير، والمتمثلة في الاتحاد العام التونسي للشغل بينما تتفاوض الحكومة على قرض مع صندوق النقد.

وتدفع مأساة أحمد مسعود، وهو تاجر يعمل في المدينة القديمة بالعاصمة التونسية، تلك المشكلات الأوسع نطاقا إلى دائرة التركيز بشكل أكثر حدة. ويشكو مسعود من تفاقم مشكلة ندرة عدد السائحين، والتي بدأت مع انتشار الوباء، وتشتد وطأتها حاليا بسبب الصراع في أوكرانيا.

وبالكاد يغطي الدعم الحكومي، بغرض تعويض تراجع الأعمال، فواتير الخدمات. وقال بنبرة الاستسلام للأمر الواقع “أعتقد أنَّني سأغلق متجري وأبحث عن وظيفة أخرى”.

ولم تكن الأمور على ما يرام في المغرب. ويرى تاجر الحبوب محمد بلامين الذي كان متجره في سوق الرحبة بالرباط يزدحم عادة بالمتسوقين في الأيام التي تسبق شهر رمضان تأثير الوضع بوضوح. ويشير إلى الشارع الفارغ بحسرة قائلا “عادة لن تتمكن حتى من العثور على مكان لركن سيارتك”.

ويُتوقع أن ينخفض النمو الاقتصادي بالمغرب إلى 0.7 في المئة هذا العام، أي نحو عُشر مستواه في 2021. ويتوقع البنك المركزي المغربي أن يصل التضخم إلى 4.7 في المئة، وهو متواضع نسبيا مقارنة بأجزاء من أوروبا رغم أنه لا يزال الأعلى منذ 2008.

وقال محافظ المركزي عبداللطيف الجواهري الشهر الماضي إن إدارة “الصدمة الخارجية” للحرب قد تجبر المغرب على السعي للحصول على خط سيولة احترازي من صندوق النقد الدولي. وأضاف إن المغرب يواجه “وضعا غير مسبوق”.

مصدرالع
المادة السابقةالإمارات تدخل مرحلة بناء ناقلات الغاز المسال محليا
المقالة القادمةشراكة استراتيجية بين السعودية وبوينغ في صناعة الطيران