توزيع الخسائر: 40% على الحكومة ومصرف لبنان 40% على المصارف و20% على المودعين

في فجوة مصرف لبنان 38 مليار دولار… يرجّح أنها أرباح لأصحاب المصارف خرجت من البلاد

لا علاقة مباشرة للدولة بخسائر المودعين… إنها مسؤولية مصرف لبنان والمصارف بالدرجة الأولى

إنهيار سعر صرف الليرة مسؤولية الحكومات المتعاقبة على تضخيم الدين العام لزوم الإنفاق الزبائني

لولا «عمليات» خاصة طلبها مصرف لبنان من الدولة لكان الدين الأجنبي 6 مليارات دولار وليس 31

يرفض الخبير الاقتصادي والمالي والمصرفي الدكتور توفيق كسبار مقولة أن الناس أودعت أموالها في المصارف، التي بدورها اودعتها في مصرف لبنان الذي اقرضها للدولة وبددتها. يؤكد كسبار أن الدولة هي التي مولت مصرف لبنان بالدولار وليس العكس. فاستناداً الى ارقام رسمية، كان كسبار لاحظ خلال الفترة 2009-2019 ان مصرف لبنان قدم للدولة 13 مليار دولار مقابل حصوله على ليرات مقابلها. في نفس الفترة، حولت الحكومة اليه 17.5 مليار دولار هي حصيلة اكتتابات في سندات الدين (يوروبوندز) مقابل اكتتابه بسندات خزينة بالليرة. أعاد بيع اليوروبوندز في الاسواق مقابل دولارات «فريش». اذاً، مَن يكون اقرض مَن بالدولار؟

ألزم الحكومة بعمليات لا شأن لها بها

الأخطر برأيه ان هذه العمليات نفذت «خصيصاً» لمصرف لبنان وبناء على طلبه وليس لتلبية الحاجة الحكومية. وفي دراسة جديدة لمؤسسة «كونراد أديناور» يجزم كسبار أنه من دون هذه العمليات فان الدين الحكومي بالدولار عشية اندلاع الازمة كان يمكن ان يساوي 5 الى 6 مليارات دولار فقط بدلا من 31 ملياراً مع الاخذ في الاعتبار الفوائد المتراكمة. وما كان للبنان ليدخل متاهة التوقف عن الدفع في الاسواق الدولية .

38 ملياراً غير مفهومة النشأة والمصير

في المقابل، عند النظر الى حسابات مصرف لبنان وتحديداً الى مصادر حصوله على الدولارات وكيفية استخدامها ، تؤكد الدراسة ان في فجوة مصرف لبنان مبلغ 38 مليار دولار غير مفهومة كفاية. الفرضية هي ان الجزء الاساسي من ذلك المبلغ (الضخم) هو ارباح مصرفية (خصوصاً بالليرة أو الأصول المقومة بالعملة اللبنانية) ، محققة أساساً من الهندسات المالية «الاجرامية» التي قام بها مصرف لبنان. ومن المرجح جداً ان هذه الارباح حولت الى الخارج لمصلحة اصحاب البنوك وليس البنوك. (من الأرباح ما هو بالدولار وما هو بالليرة المحولة الى دولار… ثم الى الخارج).

لا تخلطوا بين الإنهيارين… طبيعتهما مختلفة

كما يرفض كسبار الخلط بين الانهيارين النقدي ( انهيار سعر صرف الليرة) والمصرفي، كما لو انهما واحد من دون التمحيص في طبيعتهما المختلفة جداً .

السبب الاول للأنهيار المصرفي هو سوء ادارة مصرف لبنان لهذا القطاع كما سوء ادارة المصارف لنفسها. والامعان في الهندسات المالية بحجة الدفاع عن ثبات سعر الصرف أورث استنفاداً للعملات الصعبة حتى وصل الاحتياطي الصافي في مصرف لبنان الى النطاق السلبي اعتباراً من 2015 .

حوّل السيولة المصرفية إلى لا سيولة

باقتراضه قرابة 100 مليار دولار من المصارف، حول هذه السيولة الى لا سيولة. البنوك دخلت اللعبة لهاثاً وراء ارباح استثنائية على المدى القصير بتوظيفها نحو80% من الودائع بالدولار لدى مصرف لبنان ما اورث انهياراً في مؤشر السيولة المصرفية، اي العلاقة بين ما لدى البنوك اللبنانية لدى البنوك المراسلة مقابل اجمالي الودائع المسجلة بالدولار لديها. إذ هبط مؤشر السيولة عشية اندلاع الأزمة الى 7% مقابل 24% في 2010 و99% في الفترة من 1975-1990 ابان الحرب الاهلية . فحتى لو ان اي ازمة مصرفية تؤدي الى ازمة في سوق الصرف، العكس ليس صحيحاً. والدليل ان لبنان عرف انهياراً لليرة في الثمانينات وبقيت السيولة في البنوك ممتازة، ودين مصرف لبنان لا يذكر.

مسؤولية الحكومات

ويشير الى أن انهيار الليرة حالياً مسؤولية الحكومات المتعاقبة التي فاقمت الدين العام الى حدود لا تحتمل. وذلك لتمويل الانفاق الزبائني في ظل سعر صرف ثابت في مدى 30 سنة، وتزامن منذ 2011 مع بدء عجوزات ميزان المدفوعات. النتيجة: عشنا طويلاً فوق قدراتنا، وهذ الانهيار لليرة تحول الى حتمي بغض النظر عن الازمة المصرفية. وتبقى المسؤولية غير المباشرة للحكومة في انها لم تفعّل آليات المراقبة (على مصرف لبنان والمصارف) التي بحوزتها.

ما الذي يجب أن يفعله المودعون؟

تؤكد الدراسة أنه وقبل كل شيء، يتوجب على المودعين في كفاحهم من أجل استرداد ودائعهم مواجهة السلطات لا سيما البنوك ومصرف لبنان، بمسببات انهيار الليرة والقطاع المصرفي، والتي لا تزال قضية غير محسومة. وهذا يؤدي بطبيعة الحال الى تحديد المؤسسات «المذنبة» بهذا الشأن، حيث أن توزيع المسؤوليات يسمح بتخصيص مؤقت للخسائر الناجمة، ثم يلي ذلك اتخاذ استراتيجية من قبل المودعين. وتمهيدا لذلك، في ما يلي قائمة أكثر شمولية للأضرار التي لحقت بالمودعين مما يذكر عادة.

الأضرار المستمرة بحقوق أصحاب الودائع

إن الضرر الذي لحق بالمودعين والمستمر يوماً بعد يوم، هو ذو أبعاد تاريخية. ففي نهاية سبتمبر 2019، مباشرة قبل الازمة، كان اجمالي الودائع في المصارف يساوي 169 مليار دولار أو أكثر من 320% من الناتج القومي، منها حوالى 73% كانت بالعملة الأجنبية. وهكذا، قضى الانهيار المصرفي عملياً على الثروة المتراكمة في البنوك من قبل ثلاثة أجيال: الآباء والابناء والجيل الجديد الصاعد. انخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للبنان بالأسعار الثابتة في العام 2022 الى نحو 25% من مستواه في العام 2016. وهذا يعني أن حجم الاقتصاد خلال ست سنوات قد تقلص بمقدار ثلاثة أرباع، وهو حاليا تقريبا نفس الحجم الذي كان عليه قبل حوالى 30 عاما في العام 1993 ، فضلاً عن الخسائر المستقبلية في الناتج المحلي الإجمالي والدخل. والامر الأكثر وضوحاً واثارة للصدمة هو مستوى المعيشة الحالي، حيث يعيش 80% من السكان عند خط الفقر أو تحته (الأمم المتحدة، 2022). كل هذه التطورات، والانهيارات المنهجية في معظم قطاعات الاقتصاد ناتجة عن الأزمة المصرفية وليست نتيجة انهيار الليرة. فمنذ تشرين الأول 2019 يتحمل المودعون في لبنان عبئا أكبر من الانهيار المالي. وقد تم تقييد وصولهم الى ودائعهم بشدة، حيث أن السحوبات الشهرية المسموح بها بالدولار هي بضع مئات في حين أن عمليات السحب بالليرة ومعظمها من حسابات الدولار تخضع لسعر صرف منخفض للغاية مقارنة بسعر السوق.

ويتراوح «الهيركات» المفروض على المودعين بين 60% و73%، وهذه الحدود والمعدلات بفعل تعاميم غير مبررة من مصرف لبنان. ونتيجة للقواعد المصرفية الجديدة، حصل انكماش غير عادي في المعروض النقدي. وقد انخفض مخزون الأموال المتاح للإنفاق، وليس الاسمي، من قبل القطاع الخاص بشكل حاد، مما يعادل 141 مليار دولار في نهاية 2018 (كان 139 مليار دولار في نهاية سبتمبر 2019) الى 7.7 مليارات دولار في 2019 . وهذا انخفاض بنسبة 95% خلال فترة ثلاثة أشهر فقط؛ فقد انخفض ليس فقط من حيث القيمة المطلقة ولكن أيضا بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي. وأكثر من ذلك، فان حصة النقود المصرفية من شيكات وتحويلات وبطاقات ائتمان الخ، في اجمالي المعروض النقدي، هبطت (اختفت) من 96% في عام 2018 لتصبح معدومة تقريباً عند 0.1%، مما حوّل المصارف أساساً الى مؤسسات نقدية ، وحوّل الاقتصاد اللبناني الى اقتصاد نقدي بدائي. ويأتي ذلك نتيجة لسياسة التعديل (التصحيح؟) التي ينتهجها مصرف لبنك والتي تركز على تقييد المعروض من الليرة من خلال تقييد حتى عمليات سحب الليرة بهدف احتواء الطلب على الدولار، وزيادة المعروض من الدولار من خلال اجبار حاملي الدولار على تحويله الى ليرة لأغراض الانفاق. الا أن هذه السياسة قد فشلت كما أكدت تطورات سعر صرف الليرة.

وماذا عن الشريحة الأكبر من الشعب التي تمتلك قليلاً من الدولارات أو لا تملك أي دولار ولا يمكنها الوصول الى ودائعها في البنوك؟ الا أن الأخطر من ذلك هو حقيقة أن الانخفاض المفرط في المعروض من المال وخاصة بالليرة، يؤثر سلبا على الطلب والنمو الفعالين. وهذا صحيح، لان المعروض الإضافي من الليرة قد يذهب جزئيا نحو شراء الدولار، ولكن أيضا نحو الانفاق على السلع والخدمات المحلية الأكثر تنافسية حالياً، وبالتالي تحفيز النشاط الاقتصادي العام والعمالة.

حقوق المودعين تتقلص يوماً بعد يوم

ولا تزال المصارف على الرغم من افلاسها بأسهم سلبية، تستمر في العمل كأنها تشغيلية عادية. وقد أعلن الكثيرون عن خسائر سنوية وهذه الخسائر، بحكم تعريفها، هي حسومات من حقوق ملكية البنوك التي تصبح أكثر سلبية وبالتالي تقلل من صافي أصول البنوك. أي بعبارة أخرى، في حال تصفية البنوك فان المتبقي الذي سيتم دفعه للمودعين من صافي الأصول المتناقصة باستمرار، يتقلص أيضا مع كل يوم عمل وخسائر لكل بنك.

الإجراءات الاستراتيجية من قبل المودعين

وفقاً للدراسة ، يحتاج المودعون الى تبني استراتيجية متماسكة وواضحة تستند الى الحقائق المذكورة اعلاه من أجل تحقيق أقصى قدر من استرداد ودائعهم.

أولا، يجب على المودعين مواجهة مصرف لبنان والبنوك والحكومة بالحقائق والحجج المفصلة أعلاه. فإسناد المسؤولية عن الانهيار المصرفي يستلزم تلقائيا توزيعاً موازياً للخسائر المصرفية ( مصرف لبنان والبنوك)، وبما أن مصرف لبنان هو مؤسسة عامة مصدرها النهائي للتمويل هو الحكومة، فان التوزيع التالي للخسائر يبدو مناسباً: 40% على الحكومة ( من ضمنها مصرف لبنان) و40% على البنوك و20% على المودعين بسبب ثقتهم العمياء في المصارف.

ثانيا، ان إعادة هيكلة البنوك امر بالغ الأهمية وينبغي على للمودعين أن يطالبوا بالتطبيق البسيط للقانون والممارسة الدولية، حيث ينبغي للمصارف المتعثرة أن تعيد الرسملة أو تخضع لإجراءات الإفلاس وهذا مبدأ مطبق عالمياً. إن الفشل في معالجة الوضع المصرفي بسرعة يعني استمرار الخسائر الإضافية للمودعين. كما ان تهديد البنوك بالإغلاق العام اذا تم تطبيق خيار الإفلاس وبالتالي قطع كل السيولة من الاقتصاد، يمكن معالجته ببساطة. فقبل ذلك بوقت قصير يمكن لمصرف لبنان ( الجديد) دعوة المصارف الأجنبية والعربية والأوروبية والأميركية لفتح فروع لها والعمل بشكل طبيعي في لبنان مع شروط ضريبية وشروط أخرى مؤاتية للغاية. وسوف تعوّم هذه المصارف بمعظم النقد من مليارات الدولارات المحتفظ بها في المنازل والشركات. كما سيتم انشاء آلية مع مصرف لبنان لتزويد المصارف الجديدة بالليرة، ومن ثم ستظهر نواة صغيرة ولكنها مهمة لنظام مصرفي عادي؛ وهذا من شأنه أن يشكّل حجر الأساس الرئيسي للانتعاش الاقتصادي، ففي نهاية المطاف، ما يحتاجه لبنان الان بشكل عاجل هو نظام مصرفي عادي وليس بالضرورة نظاماً مصرفياً «لبنانياً». وعلاوة على ذلك، فان مثل هذا الحل يدعم المودعين من خلال وقف التآكل المستمر لودائعهم عبر الممارسات الحالية والخسائر المتزايدة للمصارف اللبنانية.

ثالثا، يجب على المودعين الإصرار على مصرف لبنان بأن يتقدم بتبرير خطي حول التعاميم التي يصدرها والتي تحدد سقف سحوبات الليرة، كما تفعل البنوك المركزية عادة وفي ضوء المسؤوليات المسندة اليها. فعلى المودعين أن يطالبوا بزيادة كبيرة في الحدود القصوى لسحب الليرة وبخفض كبير في الهيركات من خلال أسعار الصرف المفروضة. ان السياسة التعسفية التي انتهجها مصرف لبنان حتى الآن، قد حولت عبء التعديل (التصحيح) الكامل على المودعين وحدهم. ومن شأن اتباع نهج جديد في هذا الصدد، أن يخفف بعض هذا العبء غير العادل، والاهم من ذلك أن يحفّز النشاط الاقتصادي ولاسيما من خلال الانفاق الإضافي على الإنتاج المحلي.

(ترجمة: ريما ترمس)

ماذا أيضاً؟!

خريطة طريق على المودعين اتباعها فوراً لضمان عدم استمرار تآكل حقوقهم المشروعة

الإنهيارات المنهجية في معظم قطاعات الإقتصاد ناتجة عن الأزمة المصرفية وليس انهيار الليرة

في أشهر قليلة انخفض مخزون الأموال المتاح للإنفاق من 139 مليار دولار الى 7.7 مليارات فقط

إنهارت حصة النقود المصرفية من شيكات وتحويلات وبطاقات ائتمان الخ، من 96% الى 0.1%

ينبغي للمصارف المتعثرة أن تعيد الرسملة أو تخضع لإجراءات الإفلاس..هذا مبدأ مطبق عالمياً

مواجهة تهديد البنوك بالإغلاق بدعوة المصارف الأجنبية والعربية لفتح فروع لها سريعاً في لبنان

يجب على المودعين الإصرار على تقديم مصرف لبنان تبريراً خطياً للتعاميم التعسفية التي يصدرها

على المودعين المطالبة بزيادة كبيرة في الحدود القصوى للسحب وتخفيض الهيركات بشكل كبير

مصدرنداء الوطن
المادة السابقةزيادة الرواتب عشوائياً = دمار مالي إضافي
المقالة القادمةإعادة هيكلة لجنة الرقابة على المصارف… مطلب إصلاحي عاجل