جاذبية لندن للاستثمار تتقهقر بوتيرة متسارعة

تواجه بورصة لندن حاليا، بعد عام مضطرب فقدت فيه المركز الأول بين أسواق الأسهم الأوروبية، صعوبة في الإبقاء على قائمة شركات منها آرم، درة صناعة التكنولوجيا البريطانية، تعمل في السوق المحلية.

وبخلاف التكنولوجيا، ترى شركات مثل سي.آر.أتش، وهي من كبار منتجي مواد البناء في أوروبا، أسواق رأس المال في الولايات المتحدة أكثر جاذبية.

وينذر هذا الاتجاه بالسوء لإدراجات ضعيفة في بريطانيا، كما أنه يعيق الجهود المبذولة لتحويل وتطوير ما يُنظر إليها على نطاق واسع على أنَّها سوق أسهم عتيقة تعتمد اعتمادا مفرطا على قطاعات الاقتصاد القديم مثل النفط والبنوك.

ويتزامن ذلك مع تباطؤ النمو الاقتصادي، فقد يعني هذا خروج المزيد من الأموال من صناديق الأسهم المحلية بعد تدفقات خارجة قياسية بلغت 26.3 مليار دولار العام الماضي.

وترى كارولين سيمونز كبيرة مسؤولي الاستثمار بالمملكة المتحدة في يو.بي.أس غلوبال ويلث مانجمنت أن ما يحصل يجعل لندن في وضع غير موات من منظور نمو طويل الأمد.

ونقلت وكالة بلومبرغ عن سيمونز قولها إن بريطانيا “متأخرة بالفعل عن أوروبا والأسواق الناشئة في محركات رئيسية للسوق مثل التركيبة السكانية والتطور التكنولوجي”.

وأوضحت أن خسارة عمليات إدراج جديدة لصالح الولايات المتحدة ستعرقل بشدة الجهود المبذولة لتنويع تركيبة سوق الأوراق المالية في لندن، وهي عامل آخر يؤثر على معنويات المستثمرين تجاه المملكة المتحدة على المدى الطويل.

وليست هذه المرة الأولى التي تسعى فيها شركات قيادية مقرها الرئيسي بريطانيا للإدراج الدولي. فمنذ عام 2021، نقلت مجموعة منتجات السباكة والتدفئة فيرغوسون طرحها إلى الولايات المتحدة، كما اتجه عملاق التعدين بي.أتش.بي غروب إلى أستراليا.

وتأثرت معنويات المستثمرين تجاه الأصول البريطانية بشدة منذ استفتاء بريكست في 2016. ولغاية 2013، كان لدى البلد أكبر سوق للأوراق المالية من حيث قيمة الناتج المحلي الإجمالي بالدولار مقارنة بالولايات المتحدة وكندا وفرنسا واليابان.

ولكن اليوم باتت الأصغر من حيث المعيار نفسه بعد أدائها الآخذ في الضعف منذ سبع سنوات، كما تخلف المؤشران فايننشال تايمز 100 وفايننشال تايمز 250 أيضا بشدة عن جميع مؤشرات الأسهم الرئيسية من حيث القيمة بالدولار خلال تلك الفترة.

ويضغط الساسة لتغيير هذه الظاهرة. وحثت الحكومة مجموعة سوفت بنك مالكة آرم العام الماضي على اختيار لندن إلى جانب بورصة نيويورك للاكتتاب العام لمصممة الرقائق.

لكن إغراء التقييم الأعلى لشركات التكنولوجيا في الولايات المتحدة وقاعدة المستثمرين الأوسع انتصرا في النهاية، لتقرر آرم عدم بيع أسهمها في بورصة لندن، على الأقل حاليا.

وانتقد جيمي أوركهارت المؤسس المشارك لآرم إستراتيجية الحكومة البريطانية تجاه التكنولوجيا على المدى الطويل مؤخرا، قائلا إنها “لا يمكن أن تكون أسوأ مما هي عليه الآن”.

وبعد قرار آرم دعا ديفيد شويمر الرئيس التنفيذي لبورصة لندن إلى إجراء إصلاحات لقواعد الإدراج “لجعل لندن وجهة إدراج ومركزا ماليا أكثر تنافسية وجذبا”.

ومن العوامل الرئيسية المسرعة في انتقال بعض عمليات الإدراج إلى الولايات المتحدة نقص السيولة في المملكة المتحدة.

وكان متوسط حجم التداول اليومي على المؤشر فايننشال تايمز لكل الأسهم يعادل نحو 4 مليارات جنيه إسترليني (4.8 مليار دولار) في فبراير الماضي، مقارنة بنحو 14 مليار دولار في الشهر نفسه من 2007.

وتقلص حجم سوق الأسهم في المملكة المتحدة أيضا على مدار الأعوام الستة عشر الماضية، فقد انخفض إجمالي قيمة الأسهم المدرجة في لندن من ذروة 4.3 تريليون دولار في 2007 إلى نحو 3 تريليونات هذا العام، وفقا لبيانات جمعتها بلومبرغ.

وخلال الفترة نفسها، ارتفعت قيمة الأسهم الأميركية بأكثر من الضعف إلى 43 تريليون دولار. وفي انعكاس لتراجع المعنويات، تفوقت فرنسا العام الماضي على المملكة المتحدة كأكبر سوق للأوراق المالية في أوروبا.

وعلى الصعيد العالمي، أصبحت لندن الآن سابع أكبر سوق للأسهم بعد الولايات المتحدة والصين واليابان وهونغ كونغ وفرنسا والهند.

وأدرج جاستن غوفر مؤسس شركة الأدوية جي.دبليو فارماسوتيكالز ورئيسها التنفيذي السابق، الشركة في بادئ الأمر في بورصة لندن عام 2001، لكنَه انتقل إلى بورصة ناسداك في إدراج مزدوج في 2013، قبل أن يتخارج من لندن كليةً عام 2016.

وقال “عندما تقود سوق ما السيولة بشكل أساسي، وهي في حالتنا بورصة ناسداك، فمن الأسهل في حقيقة الأمر على المستثمرين في المملكة المتحدة تداول أسهم ناسداك”.

وأضاف “في مرحلة ما لم تكن هناك سوى قدرة محدودة لما شعرنا بما يمكن أن تقدّمه سوق لندن لشركة مثلنا من حيث الأعداد الهائلة”.

والأمر لم يقف عند ذلك الحد، إذ أن المكافأة على التجاسر والاكتتاب العام في لندن كانت ضعيفة أيضا في السنوات القليلة الماضية.

وهوت أسهم منصة توصيل الطعام ديلفرو هوت بنحو 80 في المئة منذ إدراجها في 2021، بينما تهاوت أسهم دكتور مارتنز العلامة التجارية للأحذية، قرابة 58 في المئة. أما إيثاكا إنيرجي فقد فقدت زهاء 29 في المئة من قيمتها في الأشهر الأربعة منذ الطرح.

وخلال العام الماضي، انخفضت حصة المملكة المتحدة من عوائد الإدراج في أوروبا إلى 8 في المئة فقط من إجمالي المنطقة، وهو أدنى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية.

وهناك عقبة أخرى تتمثل في تضاؤل حصة صناديق التقاعد المستثمرة. وقال شارون بيل وهو محلل إستراتيجي في غولدمان ساكس غروب “ليس لدينا هذا النوع من المستثمرين الكبار الذين يحرصون حقاً على الاستثمار في الأسهم البريطانية على المدى الطويل”.

وأوضح أنه لذلك ليس بالمفاجأة الكبيرة أن تتطلع الشركات إلى الحصول على تجمعات أكبر لرؤوس الأموال في أماكن أخرى.

وأضاف “ينبغي التفكير في كيفية تشجيعنا، ليس للشركات فقط على الإدراج هنا، وإنما في كيفية تشجيع الطلب على الاستثمار في أسهم تلك الشركة أيضا، سواء كانت من الأسر أو من مجموعات كبيرة من رؤوس الأموال”، مثل صناديق التقاعد.

وكانت التقلبات الحادة في العملة رادعا للمستثمرين حتى مع بقاء تقييمات الأسهم أرخص من نظرائها في أوروبا والولايات المتحدة، فالإسترليني كان من بين عملات أسواق الدول المتقدمة الأكثر تقلبا منذ 2016.

ورغم كل ذلك التشاؤم، لا يبدو جميع المستثمرين والمحللين مقتنعين بأن نفوذ لندن بين الأسواق المالية العالمية آخذ في التضاؤل.

ويقول غييرمو هيرنانديز سامبير رئيس التداول في أم.بي.بي.أم/جي.أم.بي.أتش لإدارة الأصول، إن “الأصول تدفقت من بريطانيا بعد بريكست ومع ذلك فإنَّ الشيء المهم هو أنَّ المعرفة والخبرة ما تزالان في المدينة وما يزال الموقع ملائماً للمستثمرين”.

ويرى أن الوقوف على النقيض من الإفراط في القواعد التنظيمية الأوروبية سيدعم جاذبية لندن في المستقبل، لكنه أكد بأنها “لن تكون رحلة سهلة”.

ولم تقنع المؤشرات الأولية للتحسن في العلاقات التجارية مع أوروبا بعض المستثمرين بزيادة حصصهم من الأسهم البريطانية.

وتوقعت شركات إدارة أصول، منها بلاك روك وأبردن الأسبوع الماضي ألا يزيل اتفاق تجاري بشأن أيرلندا الشمالية في مرحلة ما بعد بريكست سوى جانب من عدم اليقين الذي يلازم المملكة المتحدة.

وأظهر مسح أجراه بنك أوف أميركا في فبراير الماضي أن نسبة مدراء الصناديق العالمية الذين يقللون من أداء الأسهم البريطانية بلغت 11 في المئة، في حين ذكر 9 في المئة من المستثمرين أنَهم يزيدون من تقييمهم لأداء الأسهم الأوروبية الآن.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةالأمم المتحدة تندد بمعدلات فائدة «جشعة» مفروضة على الدول الفقيرة
المقالة القادمةخبيرة روسية تكشف أهمية “مركز الغاز” في تركيا والدول المستفيدة منه