حصاد «دمشق الدولي»: في محاولة لكسر الحصار

تنقضي أيام الدورة الـ61 من معرض دمشق الدولي، مُخلّفةً عقوداً استثمارية واتفاقات تجارية لتصدير منتجات زراعية ومواد أولية واستيراد معدات نفطية.

وبينما تميزت دورة هذا العام بحضور عربي لافت عبر رجال أعمال من القطاع الخاص، بدا لافتاً أيضاً سعي الحكومة إلى دعم الاستثمارات المحلية، الزراعية والحرفية على وجه الخصوص. كما تعوّل دمشق على الحدث السنوي، في محاولة لكسر الحصار المفروض عليها.

يختتم معرض دمشق الدولي فعالياته لهذا العام بحصاد استثماري وتنموي مقبول قياساً بالأعوام السابقة. عقود استثمارية ضخمة واتفاقيات استيراد وتصدير تحتاج إليها البلاد، على أمل أن تنعكس بشكل مباشر على الشارع السوري. وإذ جرى توقيع عقود مهمة مع وفود لمسؤولين ورجال أعمال عرب وأجانب، ما يشي بتغير، ولو نسبي، في الظرف الاستثماري المرافق للحصار الاقتصادي الأميركي والدولي على سوريا، فإن تغييرات مهمة تُسجّل على صعيد نتائج المعرض، إضافة إلى ملاحظات وتحفّظات سُجّلت على الدورات الماضية بينما تخطّتها الدورة الحالية.

حكاية المعرض لهذا العام تبدأ من أصغر التفاصيل التي جُهّزت في أجنحته؛ إذ لم يكن الاستسهال عنواناً سائداً كما كانت الحال في السنوات السابقة، بل مثّل شعار «من دمشق إلى العالم» رسالة يعنيها القيّمون بحرفيّتها. وقد بلغ عدد الشركات المشاركة 1500، بزيادة تُقدّر بأكثر من 400 شركة (أغلبها محلي) عن العام الماضي. أما بالنسبة إلى الزائرين، فتفيد التقديرات بـ140 ألف زائر يومي للمعرض، يرتفع عددهم إلى 200 ألف خلال أيام العطل. وهذه الأرقام الكبيرة لم تكن أرقاماً عابرة في سجلات وزارة السياحة السورية، التي عمدت إلى دراستها تحت تصنيفات من قبيل «الأسرة» و«الطفل» و«السياحة الشعبية»، لتقديم ما يناسب ذلك من خدمات.

وبأعمال تطوير بسيطة، جرى إدخال مصطلحات أكثر تخصصاً ضمن الأهداف اليومية للمعرض، كالتدريب والتأهيل ومراقبة الجودة ومركز خدمات المستثمر، وشرح وافٍ عن خدمات وزارة السياحة للمواطنين والمستثمرين. وزير السياحة السوري، رامي مرتيني، تحدث، في تصريح إلى «الأخبار»، عن عرض وزارته 8 فرص استثمارية مهمة في الساحل ودمشق وحلب، بمشاركة «الهيئة العليا للاستثمار»، بما يخدم الإعداد لـ«مؤتمر الاستثمار السياحي» المقرر عقده في السابع من الشهر المقبل. وحدّد مرتيني دور الوزارة لهذا العام باستضافة الوفود الإعلامية والفنية، وتقديم حسومات من 25% إلى 50% لمن يرغب بحجز في الفنادق التابعة للوزارة في جميع المحافظات، وعبر المشاركة في المعرض.

وفيما بدا أن طلاب المدارس والمعاهد الفندقية سيكونون أساس عمل «السياحة» للسنوات المقبلة من خلال إدخال التكنولوجيا في عالم الجودة، نظّمت الوزارة عرض الطيران الشراعي الأول بعد الحرب، من خلال طيارين من جنسيات متعددة، بينهم فرنسيون، حلقوا بطائراتهم حول مدينة المعارض. وشارك الوفد العماني، من جهته، وزارة السياحة في رحلة إلى مدينة تدمر التاريخية، كما زار بعض أفراده مقرّ الوزارة بحضور 4 من كبار رجال الأعمال العُمانيين في قطاع الاستثمار السياحي. وأعلن وزير السياحة السوري قبول الوفد العماني دعوة الوزارة إلى مؤتمر الاستثمار، مشيراً إلى المشاركة السورية في فعاليات «سوق السفر العربي» في دبي، «بالتعاون مع غرفة تجارة دبي وهيئة تنشيط السياحة»، ما أفضى إلى «دعوة الإماراتيين أيضاً إلى مؤتمر الاستثمار السياحي، إلى جانب العمانيين والكويتيين»، في ظلّ عودة عدد من رجال الأعمال الخليجيين إلى استئناف مشاريعهم في سوريا.

السياحة ودعم الحرف التقليدية
عمدت وزارة السياحة السورية إلى تجهيز قاعة متخصصة بشيوخ الكار والنفائس من المهن التراثية النادرة، من مختلف المحافظات. هكذا تحولت الحرف المتعلقة بالسيف الدمشقي و«البروكار» والصدف وصناعة السفن في الساحل السوري ومتحف الحرير الطبيعي في دير ماما المشارك للمرة الأولى في المعرض، إلى مخطّطات ترويجية، بينما لعب «النول» اليدوي الشهير الموجود في التكية السليمانية دوراً أساسياً في صورة المعرض، بدءاً من حضوره على مسرح حفل الافتتاح، وصولاً إلى التركيز على وجوده اليومي ضمن الأجنحة المحلية. بعض أصحاب الحرف الفريدة حضروا المعرض للمرة الأولى أيضاً،

وجرى تسويق منتجاتهم بالكامل، ليبدو الأمر في إطار الإعداد لاستعادة الدور الصناعي ــ الحرفي في البلاد. كما يجري العمل على تسويق هذه المنتجات، والاهتمام بتغليفها وإرسالها إلى الخارج وإيصالها إلى السفارات، ضمن مبادرة «أنتمي» لدعم التراث الإنساني، التي يجري تعميمها، بما يجعلها أشمل من مجرد فكرة لبيع المنتجات اليدوية بأسعار مرتفعة.

بلغ عدد الشركات المشاركة 1500 بزيادة 400 شركة عن الدورة الماضية

في المعرض أيضاً صالتان ممتدتان على مساحة 1400 متر مربع، إضافة إلى حديقة أطفال تحتوي على مجسمات متحركة لشخصيات كرتونية، وسينما الهواء الطلق التي تعرض مجاناً جميع أفلام العام التي أنتجتها وزارة الثقافة والمؤسسة العامة للسينما، بما فيها الأفلام التي نالت جوائز في مهرجانات دولية. أما شارع الطعام فقد كان حكاية بحدّ ذاته، من خلال مشاركة 24 منشأة خاصة وعامة وفق أسعار قدمها فندقا دمشق: «داماروز» و«شيراتون»، تبدأ من 500 ليرة فقط، فيما خطف الأنظار كافيتيريا «سوسيت» الذي استضافته وزارة السياحة بالشراكة مع جمعية «جذور»، من خلال فريق عمله المكون من شبان وشابات من أصحاب متلازمة «داون»، أعدّوا الخدمات بأنفسهم وقدموها بحضور عائلاتهم.

مئات الملايين لعقود الاستيراد والتصدير
لوحظ هذا العام تقليص المشاركة المصرية مقارنة بالعام الماضي، من دون أن يترك ذلك أثراً كبيراً في حضور الوفود العربية الأخرى. اهتمام الإمارات المتركز على القطاعات المتعلقة بالسياحة والعقارات والصناعة والزراعة، ولا سيما صناعة القطن والنسيج وزيت الزيتون وتوليد الطاقة، بدا العلامة الأبرز في الدورة الـ61. رجال الأعمال الإماراتيون المشاركون لم يكترثوا على ما يبدو للتحذيرات الأميركية من عقوبات قد تطالهم، إذ إن استثماراتهم المتفق عليها مع الجانب السوري تظهر كفرص استثمار مربح للقطاع الخاص الإماراتي في سوريا.

تجلّى هذا بوضوح من خلال تصريحات لـ«غرفة تجارة وصناعة الشارقة» عن عدم وجود أي تردد لدى القطاع الخاص الإماراتي في الاستثمار وتقديم وإنشاء وتطوير مصانع الطاقة المتجددة. أما «ملتقى رجال الأعمال السوري ــ العماني» فقد كشف عن تطلّعات العمانيين إلى تطوير علاقات تجارية في قطاعات التعدين والبتروكيماويات والمواد الأولية والصناعية، مثل الكابلات والمحولات الكهربائية والرخام والسيراميك، بما يلبّي احتياجات السوق السورية في مرحلة إعادة الإعمار.

اتفاقيات وعقود لا تقلّ أهمية، تصل قيمتها إلى 250 مليون دولار، تم إبرامها مع دولة شبه جزيرة القرم لاستيراد معدات صناعية خاصة بالنفط والتعدين، مقابل تصدير سوريا إلى القرم الفوسفات والنحاس الخام. وإضافة إلى تعاون تجاري مع القرم لاستيراد مستحضرات التجميل ومعدات السكك الحديدية، فإن العمل قائم على تأسيس شركة للنقل البحري، وأُخرى مشتركة لنقل البضائع والمنتجات في الاتجاهين بين الموانئ السورية وموانئ القرم. شركتا «فيلادا أوليك كيريلوف» و«ميركوري ديمتري غرين كييف» الروسيتان حصلتا بدورهما على 3 عقود مع وزارة النفط للتنقيب عن البترول وإنتاجه في المنطقة الوسطى والشرقية.

أما العقد الزراعي المنتظر فقد جرى توقيعه لتصدير 100 ألف طن من الحمضيات السورية إلى روسيا عبر «البيت التجاري السوري» في القرم، بقيمة تصل إلى مليونَي دولار، على أن تبدأ عمليات الشحن مطلع تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، على إثر تفعيل الخط البحري المباشر بين المرافئ السورية والروسية. كما سيتم تصدير العديد من الأصناف الزراعية والصناعية، كاعتماد تصدير 50 طناً شهرياً من زيت الزيتون إلى روسيا. وأُقرّت، أيضاً، مذكرة بين «هيئة الاستثمار السورية» و«الهيئة الوطنية للاستثمار والخصخصة البيلاروسية»، إضافة إلى وثيقتي تعاون فني وعلمي في مجال الزراعة والصحة الحيوانية وقطاعات الاستجرار المتبادل للأدوية والتجهيزات الطبية.

 

مصدرمرح ماشي - الاخبار
المادة السابقةكيدانيان بعد زيارة عون: لاعتماد مقاربة مختلفة للأسعار لتحقيق تنافسية أكبر
المقالة القادمةإرتفاع موجودات مصرف لبنان الخارجية في النصف الثاني من آب