كان مقرراً، الاثنين الماضي، أن تبدأ اللجان المشتركة بين وزارة الزراعة ومجلس الجنوب إجراء مسح ميداني شامل للأضرار المباشرة الناجمة عن العدوان الإسرائيلي على القطاع الزراعي النباتي والحيواني في جنوب لبنان، لكنّ تواصل الاعتداءات الإسرائيلية بعد انتهاء الهدنة عطّل مهامها وأدّى إلى زيادة في الأضرار.تأخّر مسح الأضرار سينعكس تأخّراً في تسديد التعويضات، لكن ليست هذه هي المشكلة الوحيدة، إذ يبرز سؤال أساسي عن مصدر تمويل التعويضات. رغم ذلك، يعرب وزير الزراعة عباس الحاج حسن عن تفاؤله بسبب «الانفتاح الذي أبداه كل من برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة (WFP) ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) لمساعدة اللجان في عملية المسح مادياً ولوجستياً، فضلاً عن تجاوب المنظمات الدولية لتأمين موازنة لخطّة التعويض، على رأسها الفاو التي وعدت بالتوجه إلى المانحين بعد تجهيز الأرقام الدقيقة للخسائر».
وبحسب وزارة الزراعة، فإن الحصيلة الأولية للأضرار اللاحقة بالأراضي الزراعية جراء العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان منذ 8 تشرين الأول حتى دخول الهدنة حيّز التنفيذ فجر 24 تشرين الثاني، بلغت نحو 1350 دونماً. وتشمل هذه الحصيلة، في 53 بلدة في محافظتَي الجنوب والنبطية، أكثر من 60 ألف شجرة زيتون معمّرة، و65 خيمة زراعية، و270 قفير نحل، إضافة إلى نفوق 230 ألف طير دجاج و700 رأس ماشية، وتدمير كلّي لمستودع أعلاف بمساحة 600 متر مربع.
إلى ذلك، تكبّد المزارعون خسائر بسبب التوقف عن أعمالهم في المناطق المحاذية للحدود، إذ لم يُتَح لعدد كبير منهم قطف محاصيلهم، أو تحضير أرضهم للزراعات الشتوية والربيعية كالقمح والحبوب والبامية والمزروعات العلفية. ويلفت رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين أنطوان الحويك إلى «أزمة زراعية تتمثّل بعدم استعداد المزارعين لوضع الأسمدة ورش المبيدات والاهتمام بأرضهم حتى لو كانت لديهم القدرة على الوصول إلى مشاريعهم الزراعية، لأن المستقبل مجهول أمامهم سواء لجهة استمرار القدرة على الوصول إلى البساتين أو تصريف الإنتاج».
يشكو المزارع يوسف إبراهيم «بقاء بساتين الأفوكا على طول 3 دونمات في بلدة يارين بلا عناية، ما يعني خسارة طن و200 كيلو من الأفوكادو بالحد الأدنى». كذلك ترك فرنسيس أبو رحال 200 دونم من الفاصولياء و70 دونماً مزروعة بالباذنجان والبندورة والخيار في سهل الخيام وسافر إلى دبي لأن «الأرض تبعد عن موقع المطلّة 500 متر ولا يمكن المخاطرة». تكبّد فرنسيس «خسائر تبلغ 500 دولار عن ضمان كل دونم، إضافة إلى كلفة الزراعة والتجهيزات من نايلون وشتول وبذور ورشّ وأجرة عمال… وعندما حان موعد القطاف تركته، عدا عن تفويت مواعيد زراعة الخضروات الشتوية والفواكه الربيعية، ولا سيما شتول البطيخ في تشرين الثاني».
من جهته، ينظر أبو حسن بحسرة إلى «الصحرا الذابلة» على امتداد 5 دونمات مزروعة بالبندورة والفجل والسلق والزعتر الأخضر والسبانغ في تولين، إذ مضى أكثر من أسبوع على موعد قطافها وما من أسواق في الجنوب لتشتريها بعد نزوح العائلات الجنوبية من البلدات الحدودية مع فلسطين المحتلة. ورغم الأضرار الطفيفة التي لحقت بخيمته الزراعية «إلا أنها تبقى أفضل حالاً من خيمة صديقه المزروعة بالملفوف المتاخمة للحدود التي احترقت وتحولت إلى رماد، أو جاره الذي هَجَر المشتل في عين إبل نتيجة العدوان فذبلت جميع شتوله».
حال أبو حسن كغيره من المزارعين الصامدين في الجنوب الذين يعانون إلى جانب الأضرار، صعوبة في تصريف محاصيلهم المقطوفة بعدما انصرف التجار عن الحسبة في الجنوب إلى حِسَب البقاع وبيروت وجبل لبنان، حتى «تراجعت المبيعات في أسواق الخضر في حسبتَي النبطية وبنت جبيل 70%، وفي حسبة صور 50%، وصيدا 30%»، وفق رئيس جمعية المزارعين في الجنوب رامز عسيران.
الخسائر غير المباشرة ليست ملحوظة في خطة التعويض عن الأضرار، لذا يقول الحاج حسن «سنقوم بالتعويض عنها في خطوة ثانية بعد التعويض عن الأضرار المباشرة». ورغم المخاوف من انعكاس ذلك على الأمن الغذائي، إلا أن الحاج حسن يشير إلى أنه حتى الآن «لم يظهر أي نقص في أسواق الخضر والفواكه من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار والتدخل الحكومي مثل فتح باب التصدير، إذ لا تزال حركة الأسواق مضبوطة إلى الآن، أما ارتفاع أسعار الخضر والفواكه بشكل طفيف فيعود إلى جشع التّجار». وطمأن «لعدم وجود أثر يُذكر على المزروعات الصناعية كالشمندر السكري والتبغ حيث لحق المزارعون قطاف الموسم، وعلى الزراعات العلفية كالذرة والفصة والباقية»، الضرر الكبير برأيه طاول «الإنتاج الحيواني من دواجن وأبقار وأغنام وماعز والكثير في قفران النحل».
أيّ أثر للفوسفور على الحياة الزراعية؟
يتساءل المزراعون في الجنوب حول أثر الفوسفور الأبيض الذي ألقاه العدوّ الإسرائيلي على محاصليهم وكم ستستغرق إعادة تأهيل أراضيهم للزراعة. ويقول رئيس جمعية المزارعين في الجنوب رامز عسيران «لدينا تجربة سابقة بعد حرب تموز عندما ظلّت الأراضي التي طاولها القصف بالقنابل الفوسفورية أكثر من 5 سنوات غير صالحة للزراعة، إذ قُضي على الأشجار والنباتات، وتسمّمت المزروعات في محيط 5000 متر حيث ألقيت هذه القنابل، وفيما أصيبت بعض الأشجار مباشرة وماتت على الفور، لم نتمكن من إصلاح أخرى كانت قد أصيبت بشكل غير مباشر، فتوجّب قلعها».