خطة المصارف: الاستيلاء على أصول الدولة

من المفترض أن تكون المصارف في طور التحضير لمفاوضاتها مع الدولة اللبنانيّة، بوصفها أبرز الأطراف التي تحمل سندات الدين السياديّة. حيث قررت استباق هذا المسار، وطرح خطتها الشاملة للتعافي المالي من جانب واحد، ربما لمحاولة تحديد سقف الخسائر الذي تريد أن تحمله من هذه الأزمة. لكن وبدلاً من أن تركّز هذه الخطّة على الطريقة التي سيستعيد من خلالها القطاع المصرفي انتظامه، ويتخلّص عبرها تدريجياً من الخسائر المتراكمة في ميزانيّته وميزانيّة مصرف لبنان، جاءت الخطة خالية من أي معالجات ملموسة أو واقعيّة على المستوى المصرفي، رغم أنّها عمليّاً: خطة من تحضير جمعيّة المصارف!

ما إن نرى الحلول التي تطرحها، حتّى نفهم سبب كل هذا “التخبيص” في تشخيص المشكلة، والإصرار على حصرها بأزمة مديونيّة الدولة، والتغاضي عن الحديث عن خسائر القطاع المصرفي ومصرف لبنان. فالحل لاستعادة ملاءة مصرف لبنان ليس سوى تأسيس شركة تضم أصول الدولة القابلة للاستثمار والمشاعات والأملاك البحريّة، على أن يتملّك أسهم الشركة التفضيليّة مصرف لبنان، مقابل جميع الإلتزامات التي تدين بها الدولة لمصلحة المصرف المركزي بالليرة اللبنانيّة. وبهذه الطريقة، سيكون بإمكان مصرف لبنان إطفاء خسائره وخسائر القطاع المصرفي بأسره، من خلال عوائد وأرباح هذه الشركة، والأصول التي يتم استثمارها. معنى آخر: سنكون قد حمّلنا خسائر المصارف للأموال العامّة.

أما خطورة هذه الخطوة، فتكمن في إمكانيّة التفريط بملكيّة أصول الدولة لاحقاً، إذا ما قرر مصرف لبنان أن يصفّي إلتزاماته للمصارف بإعطائها أسهم الشركة التفضيليّة التي يملكها، خصوصاً إذا لم تكفِ عوائد هذه الشركة على المدى الطويل لسداد إلتزاماته للمصارف. ففي هذه الحالة، سيكون القطاع المصرفي قد وضع يده على أصول الدولة بشكل مباشر، من خلال الأسهم التفضيليّة، للتعويض عن الأموال التي وظفها في مصرف لبنان، والتي سلّفها المصرف المركزي للدولة.

وبهذه الطريقة، ستكون المصارف قد تخلّصت من استحقاق التعامل مع الخسائر المتراكمة في القطاع المصرفي، بالطريقة التي اقترحتها شركة لازارد في خطتها السابقة، والتي نصّت على تحميل جزء وازن من الخسائر لرساميل المصارف نفسها. وبينما انطلقت لازارد في ذلك من منهجيّة عمل تحدد خسائر القطاع المصرفي بدقّة، لتفادي تحميل هذه الخسائر للأموال العامّة وأصول الدولة، ذهبت خطة المصارف الجديدة باتجاه معاكس تماماً، عبر تجاهل هذه الخسائر بشكل تام، وحصر أسباب التعثّر بالدين العام لوضع اليد على أصول الدولة، وتعويم مصرف لبنان والمصارف من خلال مصادرة هذه الأصول.

هنا، تنتهي مسؤوليّة المصارف في ما يخص الأزمة، لتنطلق الخطة بسرد لائحة لا تنتهي من الأفكار التي ترتبط بجميع القطاعات الأخرى من دون استثناء، وهي بمجملها أفكار منسوخة بحرفيتها من خطة ماكنزي ومشاريع مؤتمر سيدر. هذه الأفكار تمتد من إصلاح النظام الضريبي وتطبيق مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص، وصولاً إلى إصلاح صناديق التقديمات الاجتماعيّة وإدارة قطاع الاتصالات وإنعاش الزراعة وتطوير أنظمة تسجيل الشركات. كما تحتوي الخطّة على صفحات مطوّلة مليئة بالنظريات التي تفصّل الطريقة التي يفترض أن تُدار من خلالها قطاعات الصحة وتكنولوجيا المعلومات والعقارات والبناء والكهرباء وإدارة النفايات الصلبة والمياه والسياحة وغيرها.. باختصار، شملت الخطة كل ما يمكن شمله من حلول عمليّة لجميع القطاعات، إلا القطاع المصرفي.

في مقابل إعفاء المصارف من كلفة التصحيح المالي، تذهب الخطة باتجاه اقتراح كل ما من شأنه أن يحمّل سائر المقيمين كلفة هذا التصحيح: رفع نسبة الضريبة على القيمة المضافة إلى 16%، وخفض كلفة الأجور في ميزانيّة الدولة، وتخفيض عدد العاملين في الأسلاك العسكريّة، بل وتذهب الخطة أبعد من ذلك من خلال طلب خفض كلفة البرامج التقاعديّة للعسكريين. مع الإشارة إلى أن ما يستفيد منه العسكريون اليوم من برامج التقاعد فقد أساساً قيمة الفعليّة، من خلال تدهور سعر صرف الليرة اللبنانيّة، بينما تأتي خطة المصارف الجديدة لتطلب المزيد من الانخفاض في حجم التقديمات للمتقاعدين.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةالطوابير تختفي لشهر.. والبنزين أغلى ثمناً
المقالة القادمةأول اجتماع لتصحيح الاجور: الكل في مأزق