خوفًا من التدقيق الجنائي: سلامة يتمترس خلف موظّفيه

نفدت مهلة رفع السريّة المصرفيّة من دون أن يكون حاكم مصرف لبنان قد سلّم شركة التدقيق الجنائي كل ما تحتاجه من معلومات لبدء مسار التدقيق. وهو ما يعني استعادة الحاكم لسلاح سريّة المصرفيّة في وجه الشركة من جديد. لكن على ما يبدو، يصرّ الحاكم على وضع عقبات إضافيّة في وجه الشركة، غير تلك التي تُعنى بموضوع السريّة المصرفيّة، ربما تحوّطًا واحترازًا من إمكانيّة إقرار قانون يعيد رفع السريّة المصرفيّة من جديد تحت وطأة الضغط الدولي.

آخر العقبات، كان بيان نقابة موظفي مصرف لبنان، والذي تحجج بحماية “بيانات الموظفين الشخصيّة” لرفض تسليم بعض المعلومات المطلوبة من قبل شركة التدقيق الجنائي. مع الإشارة إلى أن حاكم مصرف لبنان كان قد قدّم الحجّة نفسها في كتاب أرسله لوزير الماليّة خلال الشهر الماضي، ليبرر عدم الامتثال لطلبات الشركة، وبالاستناد أيضاً إلى القانونين اللبناني والأوروبي ذاتهما المُشار إليهما في بيان نقابة موظفي مصرف لبنان. بمعنى آخر، لم يكن بيان النقابة اليوم سوى صدى لبيان سلامة السابق. ما يوحي بأن الحاكم قرر هذه المرّة أن يتمترس خلف موظفيه لمواجهة آلفاريز آند مرسال.

باختصار، وضعت نقابة موظفي مصرف لبنان عائقاً إضافياً أمام تزويد الشركة بإحدى أهم البيانات التي طلبتها، والمتعلّقة بأسماء الموظفين ورتبهم وصلاحيّتهم، بالإضافة إلى حركة حساباتهم المصرفيّة. مع الإشارة إلى أن حجب هذه المعلومات يجعل من مهمّة الشركة مسألة مستحيلة، نظرًا لكون مهمّة آلفاريز آند مرسال تشمل التحقق من آليّات اتخاذ القرارات وتنفيذها، وهويّة الموظفين الذين قاموا بالمصادقة عليها، بالإضافة إلى هيكليّة مصرف لبنان والصلاحيّات الممنوحة للمسؤولين. وهذه البيانات هي ما يسمح للشركة بتوزيع المسؤوليّات خلال إتمام عمليّة التدقيق الجنائي، ناهيك عن دراسة إمكانيّة وجود تضارب مصالح، أو آليّات غير شفّافة في تنفيذ العمليّات الماليّة، أو حتّى عمليّات لم تمر بالأطر التنظيميّة الصحيحة.

تستند نقابة موظفي مصرف لبنان على القانون رقم 81 لرفض تسليم بيانات الموظفين في المصرف، وهو القانون الذي يُعنى بتنظيم “المعاملات الالكترونيّة والبيانات ذات الطابع الشخصي”. لكنّ النقابة فاتها أن القانون نفسه يستثني في المادّة 94 منه “المعالجات التي يجريها أشخاص الحق العام كلّ في نطاق صلاحيّاته”، ويعفي هذا النوع من الإجراءات من موجب التقدّم بأي تصريح أو طلب أي ترخيص لمعالجة البيانات ذات الطابع الشخصي. ورغم أن شركة آلفاريز آند مارسال تمثّل شركة أجنبيّة خاصّة، إلا أن عمليّة التدقيق الجنائي تتم اليوم بموجب مرسوم صادر عن مجلس الوزراء، بل وتم تسهيلها بقانون خاص صادر عن المجلس النيابي، فيما يتم تقديم البيانات المتعلّقة بالتدقيق إلى مفوّضيّة الحكومة لدى مصرف لبنان وبناءً لطلبها. أمّا دور الشركة، فيقتصر على تنفيذ مسار التدقيق بناءً على موجبات عقدها الموقّع مع وزارة الماليّة.

بمعنى آخر، تمثّل عمليّة التدقيق الجنائي اليوم إحدى المعالجات التي تتم لحساب الدولة اللبنانيّة ولأمرها، وبناءً على طلبها الصريح، لا مجرّد عمليّة تدقيق تجريها شركة خاصّة لحسابها الشخصي. مع العلم أن مجلس الوزراء، الذي أصدر مرسوم التدقيق الجنائي ووافق على العقد الخاص به، يملك بموجب القانون نفسه الذي أشارت إليه النقابة صلاحيّة إعفاء أي معالجة من موجب التقدّم بأي طلب أو تصريح، إذا وجد أن تنفيذ هذه المعالجات لا يستتبع أي خطر يهدد الحياة الخاصّة أو الحريات الشخصيّة. في خلاصة الأمر، ما صدر عن نقابة موظفي المصرف المركزي، بكل ركاكته القانونيّة، لا يمثّل سوى حلقة إضافيّة من حلقات عرقلة مسار التدقيق الجنائي.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةنقابة موظفي مصرف لبنان: نرفض كشف بياناتنا وحركة حساباتنا للقائمين على التدقيق المالي
المقالة القادمةأعمال وزارة الأشغال: سعر الدولار يجمّد المناقصات والتنفيذ