تخيم على قمة مجموعة العشرين المفترض أن تستضيفها السعودية في 21 و22 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري دعوات مقاطعة من منظمات حقوقية دولية وأعضاء بالكونغرس.
الحرب في اليمن، والاعتقالات، واغتيال جمال خاشقجي، أبرز ما استندت إليه المنظمات والهيئات الحقوقية التي تنادي بمقاطعة قمة العشرين بالسعودية.
ودعت “هيومن رايتس ووتش” دول “مجموعة العشرين” قبل انعقاد القمة، إلى الضغط على السعودية للإفراج عن جميع المعتقلين بصورة غير قانونية، وتوفير المساءلة عن “الانتهاكات الجسيمة”، والسماح لهيئة دولية مستقلة بالتحقيق في مقتل خاشقجي.
ينظر إلى فعالية قمة “مجموعة العشرين” السنوية على أنها الحدث الأبرز والأهم على صعيد الاقتصاد العالمي، وهي بمثابة منتدى رئيسي للتعاون الاقتصادي الدولي حيث تضم قادة من جميع قارات العالم يمثلون دولاً متقدمة وأخرى نامية يجتمعون لمناقشة القضايا المالية والقضايا الاجتماعية والاقتصادية.
وتأتي أهمية هذه المجموعة من كون الدول الأعضاء في مجموعة العشرين، مجتمعةً، تحوز على حوالي 80% من الناتج الاقتصادي العالمي، ويعيش في دولها ثلثا سكان العالم، وتستحوذ على ثلاثة أرباع حجم التجارة العالمية.
المجموعة التي تأسست على مستوى وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية عام 1999، تحولت بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008 إلى مستوى قادة الدول الأعضاء الذين عقدوا قمتهم الأولى في واشنطن من نفس العام.
وتضم مجموعة العشرين كلاً من: الولايات المتحدة وتركيا وكندا والمكسيك والبرازيل والأرجنتين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وجنوب أفريقيا والسعودية وروسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند وإندونيسيا وأستراليا والاتحاد الأوروبي.
وتسلمت السعودية رئاسة المجموعة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 لمدة عام بعد انتهاء القمة السابقة التي عقدت في اليابان.
ومن المقرر أن تستضيف المملكة “افتراضياً” قمة مجموعة العشرين يومي 21 و22 نوفمبر/تشرين الثاني وسط دعوات من منظمات دولية وأعضاء في الكونغرس الأميركي إلى مقاطعة القمة.
وهناك توقعات بمشاركة قادة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا وتركيا والهند وغيرها من الدول إلى جانب دول أخرى مثل تركيا وروسيا والصين.
ووفقاً لبيانات رسمية وتصريحات لمسؤولين سعوديين، فإنّ القمة “الافتراضية” ستناقش على مدى يومي انعقادها برئاسة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز ملفات أساسية منها: بحث آليات إفاقة الاقتصاد العالمي، وتحقيق تعافى الأسواق، وتعزيز النظام التجاري الدولي.
بالإضافة إلى ما يتعلق بتوفير اللقاحات ضد فيروس كورونا لجميع الدول بشكل عادل، ووضع خطط لمواجهة أي جوائح مستقبلية. كما ستناقش تحديات الأمن الغذائي وإدارة المياه وتغيرات المناخ وقضايا أخرى تتعلق بالمرأة والشباب ومكافحة الفساد وغير ذلك.
وتواجه السعودية انتقادات واسعة من المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ومن برلمانيين أوروبيين وأعضاء في الكونغرس الأميركي يعتقدون أنها ليست مؤهلة لاستضافة حدث عالمي مهم كهذا الحدث في ظل سجلها الحافل بالانتهاكات، سواء في الحرب في اليمن أو حملات الاعتقال لنساء وقادة رأي وناشطين في مجال حقوق الإنسان، إلى جانب ما يتعلق بقضية اغتيال الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول.
وحثّ 45 عضواً في الكونغرس الأميركي في رسالة مفتوحة، إدارة الرئيس دونالد ترامب على عدم المشاركة في قمة مجموعة العشرين بالرياض “ما لم تتخذ السعودية فورا إجراءات لتحسين سجلّها في مجال حقوق الإنسان”. كما تحدثت رسالة أعضاء الكونغرس عن وجوب مقاطعة هذه القمة “ما لم يتم حل التوترات بشأن مقتل خاشقجي والصراع في اليمن”.
الرسالة الموجهة لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو تحدثت عن أنه “يتعيّن على الولايات المتحدة الانسحاب من قمّة مجموعة العشرين، ما لم تقم السعودية بتغييرات جذرية في سجلها السيّئ في مجال حقوق الإنسان”.
جاءت رسالة أعضاء الكونغرس بعد أيام من توقيع 65 نائباً أوروبياً خطاباً طالبوا فيه الاتحاد الأوروبي بعدم المشاركة في قمة الرياض “أو على الأقلّ بخفض تمثيله في القمّة، معلّلين طلبهم بأنّ “انتهاكات سافرة لحقوق الإنسان تُرتكب” في المملكة.
وأعربت منظمة “هيومن رايتس ووتش” عن أسفها لعقد هذه القمة لأنّه “في الوقت الذي تتعرّض فيه النساء الشجاعات للتعذيب بسبب أنشطتهن السلمية، فإنّ الحكومة السعودية تسعى لتأكيد نفسها على الساحة الدولية كقوة إصلاحية”.
ودعت المنظمة دول “مجموعة العشرين” إلى الضغط على السعودية للإفراج عن جميع المعتقلين بصورة غير قانونية، وتوفير المساءلة عن “الانتهاكات الجسيمة”، والسماح لهيئة دولية مستقلة بالتحقيق في مقتل جمال خاشقجي، وذلك قبل القمة الافتراضية للمجموعة.
وتعتقد “رايتس ووتش” أن مجموعة العشرين تعزز جهود الدعاية الممولة جيداً للحكومة السعودية لتصوير البلاد على أنها “إصلاحية” على الرغم من الزيادة الكبيرة في القمع منذ عام 2017.
وأطلقت الكثير من الدعوات لمقاطعة القمة من مسؤولين كبار وبرلمانيين في دول عدة. وأعلن عمدة نيويورك، بيل دي بلازيو، مقاطعته المشاركة في قمة المدن الكبرى التي تعقد افتراضياً على هامش قمة المجموعة، ودعا زملاء له في مدن أخرى من العالم إلى مقاطعة القمة.
وبحسب وسائل إعلام غربية فإن عمدة لندن، صديق خان، انضم مؤخراً إلى مقاطعي القمة مثل عمدات نيويورك ولوس أنجليس وباريس.
وأصدر البرلمان الأوروبي قراراً بموافقة 413 نائباً واعتراض 49 وتحفظ 233 قراراً يطالب بـ “إلغاء التمثيل المؤسسي والدبلوماسي للاتحاد الأوروبي في قمة مجموعة العشرين وذلك لعدم إضفاء الشرعية على إفلات السعودية من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان”.
وتعهدت منظمات دولية غير حكومية بمقاطعة قمة مجموعة العشرين احتجاجاً على “سجل” السعودية في مجال حقوق الإنسان.
ويرى مراقبون أن جائحة كورونا حالت دون استضافة الكثير من قادة العالم خلال رئاسة السعودية للقمة، وهو ما أضاع فرصا كبيرة كان يمكن لولي العهد أن يستثمرها لتحسين صورته أمام قادة العالم وكبار مسؤوليه، بعد مسؤوليته “المباشرة” وفقاً لوكالة المخابرات المركزية الأميركية عن مقتل جمال خاشقجي، وكذلك ما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن والتي دفعت دولاً أوروبية عدة لوقف مبيعات الأسلحة للسعودية، إضافة إلى ملفات حقوق الإنسان والقمع الذي يستهدف قادة الرأي وناشطي المجتمع المدني، خاصة من النساء.
وتنفي الرياض صحة الاتهامات بأن محمد بن سلمان، هو من أمر باغتيال خاشقجي، داخل القنصلية السعودية بإسطنبول، في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2018.
وتأتي القمة التي تعقد السبت وتستمر يومين في أعقاب انتخابات أميركية صاخبة رفض الرئيس دونالد ترامب نتائجها، ووسط انتقادات لما يعتبره نشطاء استجابة غير كافية من قبل المجموعة لأسوأ ركود اقتصادي منذ عقود.
وأثارت اكتشافات لقاحات جديدة الآمال في احتواء الفيروس الذي خلف أكثر من 55 مليون إصابة على مستوى العالم من بينها من 1,3 مليون حالة وفاة، فيما تتوقّع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومقرها باريس انكماشا بنسبة 4,5% في الناتج الاقتصادي العالمي هذا العام.
وذكر المنظمون أنّ دول مجموعة العشرين ساهمت بأكثر من 21 مليار دولار لمكافحة الوباء، بما في ذلك إنتاج اللقاحات وتوزيعها وضخ 11 تريليون دولار “لحماية” الاقتصاد العالمي الذي يعاني من تبعات الفيروس.
لكن المجموعة تواجه ضغوطًا متزايدة لبذل المزيد من الجهد في التعامل مع احتمالات التخلف عن سداد الديون في الدول النامية.
والأسبوع الماضي، أعلن وزراء مالية مجموعة العشرين عن “إطار عمل مشترك” لمعالجة مسألة الديون بعيداً عن خيار تعليق هذه الديون، لكن مجموعات ناشطة وصفت الإجراء بأنه “غير ملائم على الإطلاق”.
ويعيق عدم الثقة بين الدول الأعضاء اعتماد رد موحد، حيث اتهم مسؤول في وزارة الخزانة الأميركية الصين، أحد أكبر الدائنين للدول النامية، بعدم الشفافية.
وقالت كاثرين تو من منظمة “أكشن إيد” “نواجه أكبر أزمة إنسانية في العالم، والنساء في البلدان النامية يتحملن أسوأ آثار التداعيات الصحية والاقتصادية”.
ومع ذلك، فإن مجموعة العشرين “تدفن رأسها في الرمال وقد فشلت في الاستجابة للوضع الطارئ”، وفقا لتو.
ومن المقرّر أن يترأّس العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ما يطلق عليه البعض تعبير “الدبلوماسية الرقمية”.
وقال مدير ومؤسس “مجموعة العشرين للابحاث” ومقرها كندا جون كيرتون إن “العالم الافتراضي يجعل التواصل التلقائي للقادة أكثر صعوبة، ويلغي اللقاءات الجانبية حول مواضيع غير مجدولة على جدول أعمال القمة”.
وقد أعلنت مصادر مقرّبة من المنظّمين أن قادة الدول الكبرى في العالم، من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى الرئيس الصيني شي جينبينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد يلقوا خطابات.
وسيتواجد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، المدافع الشرس عن ترامب، في الرياض خلال القمة.
ولم يتّضح ما إذا كان ترامب سيتحدّث في هذا الحدث إلى جانب زعماء العالم الذين هنأ العديد منهم منافسه الرئيس المنتخب جو بايدن بعد إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية.
وقال رايان بوهل من مركز ستراتفور للابحاث الجيوسياسية، لـ”فرانس برس”، إنّ “تصرّفات ترامب في القمة لن يكون لها على الأرجح تأثير كبير كما كان الحال في السنوات السابقة”.
وفي وقت سابق من الشهر الحالي، وقع انفجار بقنبلة قرب مجموعة من الدبلوماسيين الغربيين في مقبرة لغير المسلمين في جدة، بعد أسبوعين فقط من إصابة حارس في القنصلية الفرنسية بجروح على يد مواطن سعودي هاجمه بسكين.
وقالت صفاء الأحمد من مجموعة “القسط” الحقوقية ومقرها لندن، إنه يمكن للقادة الذين يحضرون القمة “الدفع باتجاه الإفراج عن سجناء الرأي”. وتابعت “لا تسمحوا بتبييض سجل حقوق الإنسان”.