دولار المفاوضات الحكومية يُحلّق.. التطبيقات الذكيّة تتحكّم بالأسعار

عند كل استحقاق سياسيّ هام يتغيّر سعر صرف الدولار في السوق الدولار، فهذا السعر الذي لامس 9 آلاف ليرة يوم قدّم مصطفى أديب اعتذاره عن تشكيل الحكومة، إنخفض إلى ما دون الـ 7 آلاف ليرة يوم كُلف سعد الحريري بالمهمة، ولكنه اليوم عاد وارتفع فوصل إلى حدود الـ 8500 ليرة.

في هذه المراحل الثلاثة لا يوجد بحسب الخبير الإقتصادي والمالي محمد جزّيني أي سبب اقتصادي جعل سعر صرف الدولار يتغيّر، وهذا ما يأخذنا إلى ترجيح كفّة نظرية «اللاعقلانية» التي تسود الأسواق المالية اللبنانية حالياً، مشيراً إلى أن هذه النظرية تقول بأنه لا يُمكن تفسير تغّيرات سعر الصرف بحسب الأسباب العلمية والمعطيات المالية والإقتصادية، وبالتالي، لا بد من التوجه نحو البحث عن الأسباب السياسية أو الأمنية التي أدت إلى حصول هذه التغيّرات، وفي لبنان، وبظل ما نعيشه حالياً فلن يكون صعباً معرفة السبب الحقيقي خلف ارتفاع سعر صرف الدولار، وهو أن الدولار منذ عام تقريباً يشكّل جزءاً لا يتجّزأ من المعارك السياسية التي تحصل في لبنان.

عندما سُمّي سعد الحريري لتشكيل الحكومة واكبه حاكم المصرف المركزي بإجراءات قيّدت الحصول على الليرة اللبنانية، فأصبح شراء الدولار أصعب، فانخفض الطلب عليه، وانخفض سعره، إلى جانب انخفاض السعر عبر تطبيقات الهواتف الذكيّة التي تشكل «عنواناً» أساسياً لتحديد السعر، إذ تكشف مصادر مطّلعة في نقابة الصيارفة أن لعبة الدولار في لبنان غير خاضعة فقط لنظام العرض والطلب، خاصّة وأن التسعيرة اليومية لا تصدر عن نقابة الصيارفة، ومن يريد من المواطنين أن يشتري أو يبيع يفتح هاتفه ويدخل إلى التطبيقات المختصة بالدولار ويتصرف على أساس ما تُظهره أرقام التطبيقات.

وتضيف المصادر عبر «الديار»: «ثبُت أكثر من مرة للأجهزة الأمنية أن بعض هذه التطبيقات تُدار من خارج لبنان، وعمدت إلى توقيف بعضها، ولكن الأعداد الكبيرة لها تجعل من الصعب ملاحقتها جميعها، وهذا ما يعني أن سوق الدولار في لبنان يتحرك بناء على معطيات لا يعلمها أحد، وهي غالباً ما تكون خاضعة للملفات السياسية، تماماً كما يجري اليوم، إذ كلّما تعرقلت المفاوضات الحكومية ارتفع سعر صرف الدولار».

ويشير الخبير جزّيني إلى أن النظرية اللاعقلانية التي تحكم السوق في لبنان لا يمكن أن تجعل الأسواق المالية تستوي، بل تدفع بها إلى الإنهيار، ومعها يستحيل تقييم الأدوات المالية لتحديد المعطيات التي تتدخّل بسعر صرف الدولار، وهذا ما يجعل التنبؤات مستحيلة بالمسار الذي سيسلكه الدولار في المستقبل القريب والبعيد.

إذا هي لعبة سياسية، تجعل الدولار رهينة الخلافات والمفاوضات والمناكفات، ولعلّ واقع تشكيل الحكومة الصعب هو أحد أبرز أسباب إعادة استعمال سعر الصرف كورقة ضغط، فالحكومة وبحسب مصادر سياسيّة مطّلعة على مفاوضات «محاولات» التأليف، لم تعد إلى نقطة البداية، لأن البداية كانت تحمل بشائر إيجابية، أما الواقع اليوم فلا إيجابية فيه.

في أوساط قوى الثامن من آذار، هناك قناعة بأن هناك قراراً أميركياً سعودياً يحول دون الذهاب إلى تشكيل حكومة في وقت قريب، نظراً إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب غير راغبة في معالجة أي أزمة على المستوى الإقليمي، بل هي في طور الذهاب إلى خطوات تعرقل أي مساعي قد تقوم بها الإدارة الجديدة برئاسة جو بايدن، الأمر الذي يفسر فرضها شروطاً غير منطقية على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، منها عدم التعاون مع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل أو تمثيل حزب الله في الحكومة بصورة مباشرة أو غير مباشرة».

في المقابل، تشير هذه الأوساط إلى أن الحريري يبدو مستسلماً لهذا الواقع، حيث لا يريد الإقدام على أي خطوة تعارض التوجهات الأميركية في الوقت الضائع، أي في الفترة الفاصلة عن تسلم إدارة بايدن السلطة، خوفاً من سلاح العقوبات الذي قد لا يستثني أي فريق سياسي على الساحة المحلية، سواء كان من خصوم واشنطن أو حلفائها، وبالتالي يريد تشكيل الحكومة وفق القواعد التي سبق أن تم رفضها طوال الفترة الماضية، أي حكومة أخصائيين مستقلين يتولى هو بنفسه تسميتهم.

إنطلاقاً من هذه المعطيات، ترى الأوساط نفسها أن من المستبعد أن تنجح كل الجهود التي تبذل على صعيد الحل، الأمر الذي قد يعني الإستمرار في حالة الفراغ القائمة فترة طويلة، بالرغم من التداعيات الإقتصادية والمالية التي تترتب على ذلك، والتي تترجم بشكل أساسي بالإرتفاع الكبير في سعر صرف الدولار في السوق السوداء.

 

مصدرالديار- محمد علوش 
المادة السابقةلبنان يتجرّع سمّ تغييب الإصلاحات ويرفض الدواء
المقالة القادمةتطوير مقابض للأبواب تعقم نفسها بنفسها!