عادت الوفود اللبنانية من اجتماعات الربيع للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ولكن من دون أية نتائج حاسمة، على صعيد الإلتزام اللبناني بشروط الصندوق المتمثلة بالإصلاحات، للحصول على برنامج تمويل. ويرى الباحث والمحلل الإقتصادي أنطوان فرح، أنه من الناحية الواقعية، فقد شهدت واشنطن ثلاثة أنواع من اللقاءات في واشنطن مع ادارة صندوق النقد الدولي، الأول، مع الوفد اللبناني الرسمي الذي يمثل وجهة نظر الدولة، وهو لم يكن على جانب كبير من الأهمية، على اعتبار أن إدارة صندوق النقد، تعرف تماماً موقف وآراء الدولة، وهي على تواصل دائم مع السلطة وبالتالي لم يحصل تقديم أي جديد في هذه اللقاءات التي كانت روتينية وبروتوكولية وتكرارأً لما سبق وتمّ الإتفاق عليه.
وفي حديثٍ ل”ليبانون ديبايت”، يكشف المحلل فرح، أن إدارة الصندوق “تدرك أن الكلام مع الوفد الرسمي اللبناني، لا يؤدي إلى أي نتيجة على اعتبار أن الدولة لم تستطع منذ عامين إلى اليوم تنفيذ الإجراءات المطلوبة في الإتفاق المبدئي الذي تمّ توقيعه منذ عامين وصولاً إلى برنامج تمويل من صندوق النقد”.
وبالتالي، يوضح فرح أن “الصندوق واضح بهذا الصدد بأنه من دون أجراءات إصلاحية، لا إمكانية لتمويل للبنان، وأكثر من ذلك، ففي حال قررت الدولة اللبنانية تنفيذ هذه الإصلاحات، من المؤكد أنها ستطلب مراجعة للإتفاق السابق على أساس أن الأرقام قد تغيرت بعد سنتين، ما يستوجب تعديلاً للخطة لكي تتماهى مع الأرقام والوقائع الجديدة”.
وبالنسبة للنوع الثاني من اللقاءات، يضيف فرح أنه “تمثّل بالشخصيات اللبنانية سواء النيابية أو من المجتمع المدني أو المالية التي عقدت اجتماعات على جانب أهمّ من اجتماعات الوفد الرسمي على اعتبار أنها قدمت أفكاراً جديدة، وكانت بروحية مقبولة على اعتبار أنفي أكثرية اللقاءات التي حصلت مع إدارة صندوق النقد، ركزت هذه الشخصيات على ملف توزيع المسؤوليات بالأزمة حيث كان اعتراف أنها أزمة نظامية ويجب على كل الأطراف أن تتحمل مسؤوليتها بدءاً بالدولة اللبنانية ثم مصرف لبنان ثم المصارف وبالتالي، فإن هذا النهج ممكن أن يساهم إيجابياً خصوصاً وأن صندوق النقد في الفترة الأخيرة كانت متفهمة أكثر لهذا الوضع وبدأت تتجاوب مع الآراء التي تقول إن لا حلّ ما لم تتحمّل الدولة اللبنانية مسؤوليتها وقررت أن تفي بجزء من ديونها والتزاماتها”.
وويشير فرح إلى النوع الثالث من الإجتماعات، وهو الذي يتعلق بمصرف لبنان تحديداً، والتي “بيّنت أن إدارة الصندوق تعتبر مصرف لبنان بإدارة الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، حسّنت من وضعية المركزي، بالنسبة لشفافية عكس الأرقام الموجودة وتوحيد سعر الصرف، والإجراءات التي اتخذها المركزي وكانت مطلوبة من صندوق النقد”.
وفي هذا المجال، يتحدث فرح عن إشارة إيجابية، حيث أن “صندوق النقد لم يكتف بهذا الموضوع، بل اعتبر أن مصرف لبنان يحتاج إلى مساعدة إضافية، ولذلك أبدى الصندوق استعداداً لمساعدة مصرف لبنان ليكون لديه المزيد من الشفافية والحوكمة، وهذين مطلوبين لأنه في حال الإتفاق مع الصندوق، فالمركزي سيكون الجهة الرسمية التي ستشرف على موضوع الإنفاق المالي، وبالتالي فإن دوراً أساسياً ومهماً ينتظره، ولذلك يعلّق الصندوق أهميةً على أن يتماهى المركزي، مع المعايير الدولية للمصارف المركزية من حيث الشفافية والحوكمة”.
وانطلاقاً ممّا تقدم، يمكن القول وفق فرح، بأن “كثافة الزوار من لبنان إلى واشنطن لعقد لقاءات مع صندوق النقد، ستبقى من دون نتيجة حاسمة طالما أن الدولة اللبنانية، وهي المسؤول الأول، لم تحسم أمرها وتغير نهجها وأداءها، وتتجه فعلاً إلى تنفيذ الإصلاحات ووضع خطة واقعية تحل فيها أزمة المودعين وتحافظ على القطاع المصرفي لنستطيع أن نخرج من واقع الأزمة والإنهيار”.