رفض “ليلرة” الودائع والحل البديل موجود… تقسيط وسندات وشهادات وصندوق سيادي

لسوء الحظ، خلال هذه الفترة، كان لسياسة PEG (نسبة السعر/الربح إلى النمو) التي اعتمدها مصرف لبنان تكلفة عالية على الخزانة العامة، وجعل الليرة اللبنانية مبالغاً بقيمتها مقابل الدولار الأميركي، مما جعل الصادرات أقل تنافسية، واستثمارات رأس المال الأجنبي مكلفة للغاية ومحفوفة بالمخاطر. مما زاد الضغط على ميزان المدفوعات.

علاوة على ذلك، لم ترَ الحكومات المتعاقبة أهميةً في وضع رؤية اقتصادية، أو استراتيجية نمو، أو إصلاحات مؤسسية وإعادة الهيكلة اللازمة لضمان القدرة التنافسية والتنمية المستدامة للاقتصاد… لا بل تجاهلت الطبقة الحاكمة عجز ميزان المدفوعات، وتحديث البنى التحتية، وتطوير الصناعة والزراعة، واكتفت بالترويج للسياحة والتطوير العقاري، وأطلقت خطة المديونية بالدولار الأميركي كمصدر “لأموال جديدة”.

وبدلاً من إجراء إعادة هيكلة اقتصادية عميقة، نفّذ مصرف لبنان أول هندسة مالية في العام 2016 تهدف إلى جذب أموال المغتربين والمقيمين اللبنانيين (بفضل معدلات الفائدة المرتفعة) التي عمقت عجز “المركزي” ولم تعط النتيجة المطلوبة على الاقتصاد، ويقوم بضخ غالبية الودائع المصرفية بالدولار على أساس قصير المدى لاستثمارها بشكل رئيسي على المدى الطويل في البنك المركزي وفي ديون الدولة.

وقد أدى ذلك إلى العواقب التالية في العام 2022: وصلت البطالة إلى نسبة 50% من السكان العاملين، ويعيش ما نسبته 70% من المواطنين الآن تحت خط الفقر، وارتفع متوسط التضخم بأكثر من 1000%، وانخفضت قيمة عملة البلاد في السوق السوداء بأكثر من 850% مقارنةً بالدولار.

أمّا في ما يتعلق بالودائع المصرفية، فإنّ ما قيمته 105 مليارات دولار من الودائع لم تعد متوفرة إطلاقاً بعد فشل البنوك في أداء واجب “الائتمان” تجاه عملائها. ويرجع ذلك إلى تركيز استثماراتها عالية المخاطر بالدولار في مصرف لبنان (مخاطر المقترض الواحد SINGLE BORROWER EXOSURE IN DOLLAR: بحيث تمّ إيداع نسبة 75% من ودائع البنوك بالدولار في مصرف لبنان).

بالإضافة إلى ذلك، تسبّب الفساد وسوء الإدارة على مستوى الدولة في عجز مالي مزمن بلغ 5 مليارات دولار/السنة (بالليرة اللبنانية على معدّل 1500) وديون سيادية تجاوزت 100 مليار دولار (بين الليرة اللبنانية TBILLعلى معدل 1500 والدولار، ويوروبوندز). كما أحدثت القرارات السيئة لمصرف لبنان “عجزاً” لدى البنك المركزي في “العملة الأجنبية” تجاوز مبلغ 50 مليار دولار في ظلّ وجود نظام مصرفي على وشك الإفلاس، إذا ما كان عليه أن يأخذ مخصصات خسائر بقيمة 40 مليار دولار (1500). (علماً أنّ رأسمال البنوك يقدّر بنحو 24 مليار دولار على سعر صرف 1500). وأخيراً، بلغت نسبة الدين/الناتج المحلي الإجمالي للبلد أكثر من 500%، مما وضع لبنان في سجلات الدول الأكثر مديونية في العالم حسب نسبة ناتجها المحلي الإجمالي.

وبالتالي، نعرض في ما يلي خريطة طريق يمكن أن تحلّ الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان بالاضافة إلى أزمة المودعين.

1. وضع قانون “مراقبة رأس المال” أو ما يُدعى “Capital Control” لمدة سنة إلى سنتين (قابلة للتجديد) للتحكم في الكتلة النقدية وضمان الإدارة السليمة للودائع المصرفية، من أجل التمكن من وضع سياسة نقدية حكيمة تتماشى مع سياسة مالية تقشفية.

2. توحيد سعر الصرف: للبنان الآن 4 أسعار صرف مختلفة، ما يجعل التنمية الاقتصادية الداخلية والاستثمار الأجنبي في لبنان غاية في الصعوبة.

3. وقف تدهور الليرة أمام الدولار نتيجة الطباعة المستمرة والمتنامية للعملة المحلية لتغطية العجز المزمن في موازنة الدولة، وسحب الودائع المصرفية بالليرة حسب التعاميم المختلفة 151 و 154 و 158 التابعة لمصرف لبنان (ارتفعت الكتلة النقدية بالليرة من 5 تريليونات عام 2019 إلى 50 تريليوناً عام 2022). بالإضافة إلى ذلك، تأثر تدهور الليرة بانخفاض الاحتياطيات النقدية بـ”الدولار الفريش” لدى البنك المركزي وبالمضاربة غير المنضبطة من جانب تجار العملات.

لوقف تدهور سعر الصرف، يمكن وضع إحدى هذه الأنظمة الثلاثة: نظام سعر الصرف المعدّل (Crawling PEG)، أو نظام مجلس العملة (Currency Board System) أو نظام القاعدة الذهبية (Golden Rule).

4. تقليص الخسائر التي تؤدي إلى تدهور الاقتصاد اللبناني أكثر فأكثر كل يوم.

5. وضع سياسة مالية تتماشى مع السياسة النقدية للبنك المركزي لإنعاش الاقتصاد

6. إعادة هيكلة الدين العام للدولة اللبنانية الذي يشكّل 80% منه الدين الداخلي

7. وضع آلية لاسترداد الأموال التي تم الحصول عليها بطريقة غير مشروعة، وتلك التي يمكن أن تكون غادرت البلاد بين تشرين الأول 2019 ونيسان 2020 والمقدرة بنحو 7 مليارات دولار لتغطية عجز البنك المركزي وضمان إعادة جزء من أموال المودعين

8. إعادة الثقة الداخلية والخارجية في النظام المالي والاقتصادي

9. حل مشكلة المودعين (الودائع غير المتاحة) عن طريق “سندات الدولة” وإعادة تخصيص شهادات الإيداع

بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تتفق وزارتا الاقتصاد والمالية والبنك المركزي على خطة (من بينها تأهيل الاسواق المالية) من شأنها تحويل ميزان المدفوعات إلى فائض، مما سيساعد على تغطية سداد أموال المودعين بشكل أسرع خلال السنوات العشر القادمة. وتأهيل الأسواق المالية

 

مصدرنداء الوطن - نيكولا شيخاني
المادة السابقةدعم مستوردي البنزين.. ومازوت في السوق السوداء
المقالة القادمةالدولار إلى 20 ألف ليرة