“رياح” السوق السوداء “تشلّع” سقوف الدولار… والقادم أسوأ

سؤال واحد قضّ مضاجع اللبنانيين مع ملامسة سعر صرف الدولار 30 ألف ليرة، وهو: “ما السقف الذي يمكن أن يصله في القادم من الأيام؟

فعلياً، لا تملك ورقة 1000 ليرة، أو حتى 100 ألف ليرة، أي قيمة بحد ذاتها، و”قوتها الابرائية لتسديد ثمن المشتريات والديون مستمدة من الثقة بالاقتصاد”، بحسب الخبير الاقتصادي جولان عبد الخالق. إذ إنه من بعد فك ارتباط العملة الورقية مع الذهب، وتحديداً عقب اتفاق “بريتون وودز” بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت قوة الاقتصاد والثقة بالدولة هما من يعطيا العملة قيمتها. ولا عجب أن يكون مكتوباً مثلاً على ورقة الدولار الأميركي ما ترجمته: هذه الورقة هي عملة قانونية لجميع الديون العامة والخاصة”. وهي عبارة تشترك معظم الدول في وضعها على عملاتها بأشكال مختلفة. بما يعني بحسب عبد الخالق أن “قيمة العملة الورقية تأتي من ثقة الناس بدولهم”.

هذا الواقع لا ينفي وجود عوامل مساعدة أخرى على ارتفاع سعر الصرف بحسب عبد الخالق، وأبرزها:

– غياب التنافسية في السوق الموازية، حيث يتحدد العرض والطلب على الدولار بشكل اصطناعي بسبب احتكار سوق الصرف، وتحديده من قبل قلة لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة.

– التجاذبات السياسية، والتي من المتوقع أن تزداد وتيرتها كلما اقتربنا من الانتخابات النيابية.

– غياب الرقابة.

– إقتصار المعالجة على تدخلات مصرف لبنان الموقتة، والتي لا تعطي النتيجة المرجوة منها.

– عدم استعمال مصرف لبنان أدوات تدخله النقدية من أجل ضبط سعر الصرف أو الحد من ارتفاعه.

مقابل انعدام الثقة “المعنوي”، هناك عامل موضوعي يتمثل في وجود كتلة نقدية هائلة بالليرة، تُترجم طلباً على الدولار مع كل تراجع في الثقة. هذه الكتلة التي من المتوقع أن تكون قد تجاوزت 50 ألف مليار ليرة مطلع هذا العام مصدرها الوحيد هو مصرف لبنان. فالأخير عمد منذ بداية الأزمة إلى طباعة الليرات من دون هوادة لثلاثة أسباب رئيسية وهي:

– تمويل عجز الدولة وتلبية الزودات التي تعطى، ومنها على سبيل المثال رفع بدل النقل من 8000 ليرة إلى 24 ألفاً.

– تمويل تعاميمه، ومنها تحديداً 148 و151 و158 والتي نصت جميعها على سحب الودائع بالدولار من المصارف على سعر أعلى من 1500 ليرة.

– شراؤه الدولار من السوق الموازية لتلبية احتياجاته وتمويل بعض عملياته.

كل هذه العوامل رفعت الكتلة النقدية بالليرة من أقل من 5000 مليار ليرة في نهاية 2019 إلى أكثر من 50 ملياراً حالياً. ومن الطبيعي أن تنعكس هذه الكتلة طلباً هائلاً على الدولار في السوق الموازية.

ما يزيد الأمور إرباكاً هو التداخل الكبير بين السوق السوداء وسوق شيكات اللولار. فمن يتحكمون بسوق شيكات الدولار الوهمي لديهم مصلحة كبيرة في استمرار ارتفاع سعر الصرف. وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال انخفاض سعر شيك اللولار إلى 17 سنتاً للدولار الواحد مع ملامسة سعر الصرف 30 ألف ليرة، بعدما كان قد ارتفع إلى حدود 30 سنتاً للدولار مع بدء تطبيق التعميم 601 أي سحب الدولار على سعر 8000 ليرة بدلاً من 3900 ليرة.

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقة44 مليار دولار خسائر شركات التأمين العالمية
المقالة القادمةبوشكيان: نضاعف المساعي لـ”خرق” أسواق جديدة والبوادر إيجابية!