زيادة التعرفة والتغذية الكهربائيّة: الرؤساء والوزراء وافقوا وتهرّبوا

كحال قرار رفع الدولار الجمركي، ما زال قرار رفع تعرفة مؤسسة كهرباء لبنان رهن تقاذف المسؤوليّات بين الأطراف المختلفة، التي تحاول جميعها الهروب من الواجهة بخصوص هذا الإجراء غير الشعبي. وزير الطاقة رمى الكرة في ملعب رئاسة الحكومة يوم أمس، طالبًا البدء بإصدار الموافقات المطلوبة لرفع التعرفة، بعدما أبلغه مصادقة مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان على هذا الإجراء. رئاسة الحكومة تعتبر أن المسألة من صلاحيّة مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان وحده، ولا تحتاج لأكثر من مصادقة وزيري الطاقة والمال، حسب نظام المؤسسة. وفي كل الحالات، ثمّة موافقة مسبقة منحها مجلس الوزراء منذ سنوات على تصحيح التعرفة، ما يعني انتفاء الحاجة لموافقات إضافيّة اليوم.

المسألة عالقة إذًا بانتظار الجهة التي ستأخذ على عاتقها توقيع القرار النهائي: فإمّا أن تتم التخريجة بقرار استثنائي من رئيسي الجمهوريّة والحكومة وبتوقيع وزير المال، وإمّا أن تنقضي المسألة بموافقة وزيري الطاقة والمال على قرار مجلس إدارة المؤسسة. مع الإشارة إلى أنّ غالبيّة الأطراف توافق ضمنًا على ضرورة تصحيح التعرفة كخطوة لا مفر منها على طريق تصحيح وضعيّة القطاع، لكنّها ما زالت تتمسّك برفضها العلني لهذا الإجراء قبل زيادة ساعات التغذية، وهو ما يعقّد المسائل حتّى اللحظة.

التصحيح المقترح

في الوقت الراهن، تبدأ شطور تعرفة مؤسسة كهرباء لبنان من قيمة لا تتجاوز النصف سنت للكيلوواط/ساعة، نتيجة تثبيت التسعيرة بالليرة، والتدهور المستمر والمتكرر في قيمة الليرة مقابل الدولار. مع الإشارة إلى أنّ هذه القيمة كانت تقارب مستوى 9.2 سنت للكيلوواط/ساعة قبل حصول الانهيار عام 2019، قبل أن تبدأ بالانخفاض نتيجة انخفاض قيمة الليرة اللبنانيّة، ما جعل التعرفة الحاليّة شبه مجّانيّة مقارنة بكلفة الإنتاج. وفي كل الحالات، من المعلوم أن التعرفة التي كانت معتمدة منذ ما قبل العام 2019، أي تعرفة الشطور التي تبدأ من 9.2 سنت للكيلوواط/ساعة، كانت أساسًا تعرفة خاسرة بالنسبة لمؤسسة الكهرباء حتى قبل تدهور سعر الصرف، لكونها مثبّتة منذ العام 1994 على افتراض تسعير برميل النفط عند حدود 20 دولاراً للبرميل، في حين أن أسعار النفط الحاليّة –خام برنت- تقارب حدود 98 دولاراً للبرميل.

التسعيرة المقترحة حاليًّا من قبل مجلس إدارة كهرباء لبنان تبدأ من حدود 10 سنت بالنسبة لشطور الاستهلاك التي تقل عن 100 كليوواط، وترتفع لحدود 27 سنتاً بالنسبة لشروط الاستهلاك التي تفوق هذا الحد، مع ربط السداد بسعر الصرف المعتمد لدى منصّة صيرفة. ورغم قساوة الارتفاع المتوقّع في فواتير المؤسسة، والتي ستقارب العشرين ضعفًا بالنسبة لشروط الاستهلاك الدنيا، إلا أنّها ستبقى أقل بما لا يُقارن بالتسعيرات المعتمدة لدى أصحاب المولدات الخاصّة، والتي تتجاوز في بعض المناطق 70 سنتاً للكيوواط الواحد.

وبمجرّد تطبيق هذه التسعيرة، من المتوقّع أن تتمكن مؤسسة كهرباء من تفعيل إنتاج معاملها إلى الحدود القصوى، والتي يمكن أن تؤمّن تغذية تقارب حدود العشر ساعات في اليوم الواحد. مع الإشارة إلى أنّ شرط تأمين هذه التغذية سيكون القدرة على التفاهم مع مصرف لبنان على آليّة لشراء الدولار عبر منصّة صيرفة، بعد زيادة التعرفة، من أجل شراء الفيول اللازم لتشغيل المعامل.

مصرف لبنان يحضّر لمواكبة زيادة التعرفة

من ناحيته، يبدو أن المصرف المركزي يتحضّر، بموجب تفاهم مسبق مع رئيس الحكومة، لهذه المستجدات. فعمليّة انسحاب مصرف لبنان المتدرّج من مهمّة تأمين الدولارات لمستوردي البنزين عبر المنصّة، تأتي لتفسح المجال أمام بيع هذه الدولارات لمؤسسة الكهرباء لاحقًا، بعد أن ترفع المؤسسة تعرفتها للتمكن من شراء هذه الدولارات بسعر المنصّة. وهذا تحديدًا ما يفسّر خفض مصرف لبنان لنسبة الدولارات التي يؤمّنها لمستوردي البنزين تدريجيًّا من 100% إلى 85% ثم 70%، وصولًا إلى 55% يوم أمس، مقابل زيادة نسبة الدولارات التي يؤمنها المستوردون من السوق الموازية. ومن المتوقّع أن يواصل مصرف لبنان تخفيض نسبة الدولارات التي يؤمّنها لاستيراد البنزين تدريجيًّا لتلامس الصفر، ما يعني تحرير أسعار البنزين وربطها بدولار السوق الموازية، وانسحاب مصرف لبنان من عمليّة تمويل استيرادها بشكل تام.

من الناحية العمليّة، يمتلك مصرف لبنان مجموعة من المصادر التي تسمح له بتأمين الدولارات التي يتم بيعها عبر المنصّة، وأبرزها الدولارات الواردة عبر شركات تحويل الأموال، والتي يوافق المستفيدين منها على بيعها طوعًا للمنصّة بأسعار صرف خاصّة. كما تستحصل منصّة مصرف لبنان على مجموعة من الدولارات الواردة إلى الجمعيّات والمؤسسات الدوليّة، والتي يتم سدادها لمستحقيها بالليرة وبسعر المنصّة. وهذه الدولارات ستسمح على المدى الطويل بتمويل عمليّات استيراد الفيول لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان، بعد بيعها من خلال المنصّة.

البحث عن مصادر للفيول

هذا تحديدًا ما يفسّر بحث وزارة الطاقة والمياه اليوم عن مصادر بديلة لتأمين الفيول، وعبر تسهيلات في الدفع تسمح بالحصول على بعض الكميّات مسبقًا، قبل السداد من خلال آليّات التمويل المُخطط لها. ولهذا السبب بالتحديد، يلجأ اليوم وزير الطاقة إلى التواصل مع شركة سوناطرك لدراسة إمكانيّة التفاهم معها من جديد، بعد البحث عن مخرج لمسألة المبالغ المستحقة للشركة نتيجة عقدها السابق مع لبنان. أمّا عقد الفيول العراقي، والذي سيتم تجديده، مع إمكانيّة زيادة الكميات التي سيستفيد منها لبنان كمساعدات، فسيسمح لمؤسسة الكهرباء بزيادة فرص نجاح آليّة التمويل الجديدة، من خلال الحصول على نسبة من الفيول المُستهلك بتسهيلات في الدفع.

مع العلم أن تطبيق آليّة التمويل الجديدة، وزيادة التعرفة، قد يسمحان بتيسير الحصول على قرض الغاز المصري من البنك الدولي، إذا تمكّن لبنان من تنفيذ شروطه الأخرى (كتشكيل الهيئة الناظمة والحد من معدلات الهدر التقني وغير التقني). فكما هو معلوم، تمثّل زيادة التعرفة وإعادة التوازن إلى ميزانيّة مؤسسة الكهرباء أبرز شروط هذا القرض، والتي لم يتم تنفيذها حتّى اللحظة، ما أدّى إلى عرقلة موافقة البنك الدولي على القرض.

كل هذه المشهد الغارق بالتفاؤل والإيجابيّة، يحول دونه أزمة غياب القيادة السياسيّة القادرة على فرض الإصلاحات، وأبرزها السير بخطّة توازي زيادة التعرفة مع زيادة الإنتاج. وهذا تحديدًا ما ظهر يوم أمس، من خلال أسلوب تقاذف مسؤوليّة قرار زيادة التعرفة بين المسؤولين، في محاولة للتهرّب من الإجراء المؤلم شعبيًّا.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةالقطاع العام رشى وخوّات: إخراج القيد بـ650 ألف ليرة
المقالة القادمةمجلس إدارة الضمان سيعقد جلسة إستثنائية لإقرار زيادة التعرفات الإستشفائية يوم الخميس