سلامة: “الدولار سينخفض”… الحقيقة: سيرتفع

“وشهد شاهدٌ من أهله”… هذا المثل الشعبي يختصر ما قاله حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في مقابلته الأخيرة مع قناة “الحرّة” قبل أيام، وقد سبق أن ذكره “أساس” أكثر من مرّة وفي أكثر من تقرير سابق، عن أنّ أزمة الدولارات وشحّها، التي تضرب سعر الليرة اللبنانية، سببها إدارات القطاع العام ومؤسّسات الدولة اللبنانية، وليس القطاع الخاص الذي ينعم بفائض من الدولارات وتخطّى الدولة في قدرته على الاستمرار، فيما باتت الدولة اليوم عبئاً عليه وعلى اللبنانيين، وأحد أسوأ عوامل البؤس والإفقار.

أزمتنا نحن المواطنين اللبنانيين موجودة في الإدارة، أي في جسم الدولة، التي استطاع المواطن أن يستغني عن كلّ خدماتها تقريباً، من كهرباء وماء وإنترنت، واستغنى عن دعمها للسلع الغذائية والمحروقات، وبات في مهبّ ريح “الفريش” في كلّ تعاملاته المالية. لكنّ هذه الدولة تستمرّ بملاحقته بوقاحة، في لقمة عيشه، كلّما تدخّل سلامة في السوق من أجل جمع رواتب موظّفيها وأكلاف التزاماتها من جيوب اللبنانيين.

بسبب إدارات الدولة، المليئة بالفساد الإداري و”المكربجة” هذه الأيام، والتي ليس مَن يداوم فيها ولا مَن يوقّع من دون رشوى، سيتحمّل جميع المواطنين أعباء زيادة رواتب الموظفين ثلاثة أضعاف في اليومين المقبلين. وهذا سيؤدّي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار، وارتفاع أسعار السلع والموادّ الاستهلاكية، خلافاً لِما قاله سلامة في حواره التلفزيوني الأخير. فقد أوحى “الحاكم” بأنّ ضخّ “دولارات صيرفة”، التي يقبض بها الموظّفون رواتبهم، سيهدّىء من روع الدولار، لكنّ الحقيقة أنّه سيرفعه إلى سقوف أعلى في الأشهر المقبلة.

فلماذا قال سلامة عكس ما سيحصل؟

في المقابلة نفسها قال سلامة إنّ نسبة النموّ التي يتوقّعها للعام المقبل 2023 ستكون بحدود 2%، في حين أنّ تقرير البنك الدولي يتحدّث عن انكماش بنسبة 5% في العام المقبل.

كانت حجّة سلامة أنّ “القطاع الخاص أعاد التوازن لنفسه بينما فشل القطاع العام في ذلك”. وهو ما يعني أنّ التوازن بين الدولارات الموجودة في السوق وبين حاجة القطاع الخاص قد تحقّق، وربّما يكون هناك فائض. لكنّ شحّ الدولارات يكمن في القطاع العامّ الذي يضغط على سوق الدولار، ويتسبّب بمزيد من الانهيارات في سعر الليرة، وذلك حين يعطي سلامة الموظّفين ليراتهم اللبنانية بالدولار، على سعر منصّة “صيرفة”.

لم تقتصر مقابلة سلامة كلّها على حقائق من هذا النوع، وإنّما شابتها بعض المغالطات. لكن لم يُعرف هل كانت هفوات أو سوء تقدير في الحسابات أو مقصودة من أجل “التعمية” على الحقيقة.

كانت أبرز مغالطات سلامة تأكيده أنّ المصرف المركزي يضخّ 8 ملايين دولار في السوق يومياً عبر “صيرفة” والتعميم 161، أي بحدود 160 مليون دولار شهرياً، إذا احتسبنا أنّ المنصة والمصارف تعمل 20 يوماً في الشهر. بينما حجم زيادة رواتب القطاع العام 3 أضعاف سترفع حجم تلك الرواتب من 1.3 إلى 3.3 تريليون ليرة بعملية حسابية بسيطة، وربطاً بالأرقام التي أعلنها سلامة بنفسه، فإنّ حجم ما يقوم “المركزي” بضخّه من رواتب شهرياً عبر “صيرفة” حالياً هو 43 مليون دولار شهرياً (1.3 تريليون على 30,300)، وسيرتفع إلى 109 ملايين دولار شهرياً، أي بزيادة 66 مليوناً (من دون احتساب كم يكلّف المصرف المركزي شراء هذه الدولارات من السوق السوداء، على سعر 40 ألفاً على الأرجح، من خلال “الطباعة”).

يقول سلامة إنّ دفع الرواتب الجديدة سيدفع بدولارات إضافية إلى السوق، هي 66 مليوناً مبدئياً، وإنّ هذا سيساهم “إمّا في خفض سعر صرف الدولار أو استقراره”… وهنا المغالطة. فهذا في المبدأ ليس صحيحاً.

إذ كيف لـ66 مليون دولار أن تفوق بتأثيرها الـ160 مليون دولار التي يضخّها شهرياً؟

لا إجابات واضحة عند سلامة، الذي يؤكّد تارة أنّ سعر السوق “محرّر”، وتارة أخرى يُعلن أنّه بالمرصاد وسيتدخّل في السوق متى دعت الحاجة ويجيز له القانون ذلك.

حتماً لن يُحدث هذا الرقم فرقاً يُذكر في سعر صرف الدولار، خصوصاً بعد الحديث عن وصول السلطة إلى حلّ لمشكلة سلفة الكهرباء البالغة 300 مليون دولار، التي سيُقرضها سلامة لشركة كهرباء لبنان من حساب الخزينة لديه، بعد شرائها عبر “صيرفة”، فكلّ هذا يعني أنّ المصرف المركزي سيكون أمام خيارين؟

1- إمّا اللجوء إلى التوظيفات الإلزامية واستخدام دولاراتها من أجل تأمين دولارات السلفة.

2- أو اللجوء إلى السوق من أجل سدّ نقص الدولارات ليدفع الرواتب، ثمّ ليستمرّ بإقراض الدولة ومؤسّسة كهرباء لبنان دولارات الـ”10 ساعات كهرباء يوميّاً”.

في الحالتين سنكون أمام “ضغط” على الدولار، أي زيادة “الطلب” عليه، وهذا ليس طريقاً معبّداً لـ”الاستقرار” أو “الانخفاض” الذي يتحدّث عنه سلامة.

ارتفاع الدولار مجدّداً

ربّما يكون مصرف لبنان قادراً على تلبية هذه الالتزامات من دون اللجوء إلى السوق، وذلك من خلال الدولارات التي جمعها في الأشهر الفائتة، وخصوصاً أنّه جمع، كما يُقال، ما يقارب 450 مليون دولار (وربّما أكثر). لكنّ الأكيد أنّ هذه الدولارات لن تدوم طويلاً، وقد يلجأ الحاكم بعد أسابيع أو ربّما أشهر قليلة قد لا تتعدّى نهاية السنة الحالية، إلى جمع الدولارات من السوق مجدّداً. وهذا سيؤدّي بلا شكّ إلى أن يعود سعر صرف الدولار إلى الارتفاع مجدّداً، وأن يبلغ سقوفاً لم نشهدها من قبل، وخاصة إذا ربطنا تدخّل المركزي في السوق مع بدء العمل بالسعر الجديد للدولار المصرفي (اللولار) الذي سيبلغ 15 ألفاً والذي سيرفع أسعار السلع وقد يزيد الطلب على السلع ويزيد من فاتورة الاستيراد، وبالتالي سيعظّم حاجة التجّار إلى الدولارات من أجل استيراد كميّات إضافية من السلع على أنواعها، إضافة إلى أنّ بدء تطبيق الدولار الجمركي سيزيد من أسعار السلع ومن الضغط على الدولار من خلال زيادة الطلب عليه.

حين يتدخّل سلامة في السوق مجدّداً ليسحب الدولارات، سيخلق كتلة نقدية ضخمة بالليرة، وسيجعل دفق الليرات في السوق في أوجه، ولذلك الحديث عن استقرار أو هبوط سعر الصرف مثلما يخبرنا الحاكم هو كلام لا أساس “علميّاً” له.

أمّا الحديث عن بدء هيكلة المصارف والبحث عن حلول لأزمة الودائع “قريباً”، فسيكون تفصيلاً أمام أزمتنا الحقيقية التي ستتسارع بدءاً من اليوم. فكلّ لبناني سيتحمّل ارتفاع أسعار المحروقات (بنزين وغاز ومازوت) وارتفاع فاتورة الكهرباء بواسطة اشتراكات المولّدات، وأكلاف ارتفاع فاتورة الإنترنت وغيرها بسبب زيادة رواتب إدارة ترفض السلطة حتّى اللحظة وضع ملفّها على الطاولة أو البحث في ترشيقها أو خفض الهدر فيها، بل ترفع رواتب موظّفيها على حساب بقيّة اللبنانيين من أجل شراء سكوتهم على إخفاقات السلطة وفشلها، فنستمرّ في الدوّامة نفسها.

مصدرأساس ميديا - عماد الشدياق
المادة السابقةالعلية: لا صلاحية لهيئتي التشريع والشراء العام في تفسير قانون صادر عن البرلمان
المقالة القادمةمصرف لبنان مدد العمل بالتعميم رقم 161 حتى 31 كانون الأول 2022