سلامة «يضبّ» مشروع هيكلة المصارف: مساعدة المفلسين لا إخراجهم من السوق

قال حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة في مقابلته مع «الحدث» يوم الإثنين إنّ «أموال المودعين ما زالت موجودة. ولو شُكّلت حكومة، لحصل المودع على أمواله بشكلٍ أسرع»، مُصراً على أنّ «النظام المصرفي لم ينهَر كما أنّ المصارف لم تُفلس».

الـ25 ألف دولار أميركي (كحدّ أقصى) التي وعد سلامة بردّها لبعض المودعين، وبالتقسيط، لا يبدو أنها ستُدفع. والقرار فُرمِل بانتظار إدخال تعديلات عليه، تستهدف بشكل أساسي تضييق دائرة المُستفيدين منه وإيجاد «راعٍ رسمي» للتمويل. فالمصارف لا تُريد دفع دولارٍ واحد. كان مصرف لبنان قد قدّم تقديراً أوّلياً لكلفة العملية بأنّه مليار دولارٍ، قبل أن «يُنبّهه» مصرفيون إلى أنّها لن تقلّ عن 4 مليارات دولار. أراد سلامة تقاسم الكلفة بين «المركزي» والمصارف، فتلقّفتها الأخيرة كحجّة لتفخيخ القرار من أساسه.

وتقرّر إعادة المشروع للمزيد من النقاش، مع ممارسة مصارف ضغوطاً حتى يتمّ استثناء مودعين من القرار، كجميع الذين حوّلوا أموالاً إلى الخارج، حتى لو كانت لتعليم أولادهم. مدراء تنفيذيون في المصارف يلعبون بين الحروف: «نُريد ردّ أموال المودعين، ولكن من أين نأتي بها؟ المصارف لا تملك المال». ويُضيفون بأنّه لتأمين سيولة الـ3% التي طُلب إيداعها لدى المصارف المُراسلة في الخارج، «اشترينا الدولارات من السوق، وبعنا شيكات بـ26% من قيمتها في بعض الحالات، ما يعني تكبّد خسائر. لماذا نقبل بإعادة دفعها لأيّ مودع؟».

لم يُكشف عن أرقامٍ دقيقة حول العجز في حسابات المصارف لدى نظيرتها في الخارج. أرقام آذار 2021 تُشير إلى أنّ العجز مليار و63 مليون دولار، بعد أن كان ملياراً و800 مليون دولار في كانون الأول 2020. بحسب هذا الرقم، تكون المصارف قد أتت بـ800 مليون دولار لتكوين حساب خارجي، من أصل 3.4 مليارات دولار يُفترض جمعها.

في آخر تقرير وضعته وكالة «ستاندرد أند بورز» للتصنيف الائتماني، ورد أنّ «الفشل في إعادة هيكلة النظام المالي قد يترك لبنان مع مصارف غير مؤهّلة لدعم التعافي الاقتصادي». مؤشرات عديدة تُصدّق تحليل «ستاندر أند بوزر»: موافقة مصارف على إعطاء زبائن قروضاً بالدولار الوهمي لتسديد قروض سابقة، قبول ودائع بالدولار الطازج فقط يتم تجميدها من دون إعادة توظيفها في الاقتصاد على شكل استثمارات، خسارة الرساميل ورفض تعويضها، رفض التداول بالشيكات، رفض فتح حسابات جديدة بالليرة، ولا سيما حسابات التوطين… يقول مدير تنفيذي في أحد المصارف إنّ العمل الإداري «مُستمر خاصة في الأقسام القانونية، الصيرفة، والخزانة». أما العلاقة المباشرة مع الزبائن «فقد انخفضت إلى حدودها الدنيا». اهتمام المصارف مُنصبّ على «استمالة المنظمات والمؤسسات الدولية لفتح حسابات بالدولار» الطازج.

كَتب الوزير السابق والاقتصادي جورج قرم هذه «النصيحة» في دراسة أعدّها سنة 1995، بناءً على طلب جمعية مصارف لبنان. شدّد قرم على كسر وظيفة المصارف كقالب بدائي يتم تجميد أموال الناس فيها، داعياً إلى الانتقال صوب «تحديث القنوات الاستثمارية والتمويلية»، كجزء من مُخطّط إصلاح القطاع المصرفي اللبناني. 26 سنة مرّت، استغلّت المصارف فيها كلّ فرصة لمعاكسة دراسة قرم، وعَزل عملها عن الاقتصاد المحلّي من خلال عدم لعب أي دور إنتاجي/استثماري جدّي فيه، حتّى وصلت – بعد تبديد وسوء التصرّف بأموال المودعين – إلى مرحلة تحوّلت فيها إلى مُجرّد «شبّاك دفع» أول الشهر، مُتوقّفةً عن توفير الخدمات «التقليدية» التي يُفترض أن يقوم بها أي مصرف.

مصدرجريدة الأخبار - ليا القزي
المادة السابقةاعتصام لإتحاد نقابات العمال عند مدخل طرابلس
المقالة القادمةعويدات نحو الادعاء على سلامة؟