سلامة يُناقض الحكومة: العودة إلى التخبّط باحتساب الخسائر

خلال العام الماضي، جاءت التباينات الداخليّة في طريقة احتساب الخسائر المتراكمة داخل النظام المالي، لتطيح بمفاوضات لبنان مع صندوق النقد. وخصوصاً بعد أن رفض كل من مصرف لبنان وجمعيّة المصارف ولجنة المال والموازنة التسليم بأرقام خطّة لازارد، التي صادقت عليها حكومة حسّان دياب. فأي خطّة تعافٍ ماليّة، يُفترض أن تستهدف أولًا وأخيرًا توزيع هذه الخسائر والتخلّص منها. وبالنسبة إلى صندوق النقد، لن تمتلك أي خطّة حكوميّة الحد الأدنى من المصداقيّة، إذا فقدت الحكومة القيادة السياسيّة التي تسمح بفرض تصوّراتها ومقارباتها لكيفيّة احتساب الخسائر.

حكومة ميقاتي، حاولت الإيحاء انّها ستتمكّن من التوجّه إلى المفاوضات هذه المرّة بمقاربات موحّدة، وهو ما أثار خشية الكثير من المراقبين من إمكانيّة تبنّي الحكومة لمقاربات جمعيّة المصارف ومصرف لبنان كما هي، على حساب مصالح عموم المقيمين في لبنان من محدودي الدخل. مع الإشارة إلى أن علاقة ميقاتي الممتازة مع رياض سلامة، وتعيين ذراع سلامة اليمنى في مصرف لبنان كوزير للماليّة، عزّزا كل هذه الشكوك.

لكن ومع هذا كلّه، لا يبدو أن مهمّة توحيد المقاربات بين الحكومة ومصرف لبنان ستكون نزهة يسيرة بالنسبة إلى ميقاتي وحكومته. إذ تشير تطوّرات الفترة الماضية إلى أن التخبّط في عمليّة احتساب الخسائر عاد إلى مسرح الأحداث، بدلالة تضارب تصريحات جميع الأطراف المعنيّة بخطة الحكومة الماليّة، وبالأخص حاكم مصرف لبنان ورئيس الحكومة ونائب رئيسها، المكلّف بقيادة الوفد المفاوض مع صندوق النقد.

وفقاً لرئيس الحكومة اللبنانيّة نجيب ميقاتي، قدّم لبنان “لأوّل مرّة أرقامًا موحّدة لصندوق النقد”، وهذه الأرقام التي تعاون مصرف لبنان في تقديمها لشركة “لازارد” ستسمح بإنجاز الخطّة الكاملة بحلول نهاية الشهر الحالي، أي في منتصف الأسبوع الجاري. باختصار، ووفقاً لميقاتي، تخطّى لبنان مرحلة تحديد الخسائر وتوحيد الأرقام من جانبه، وبات في مرحلة صياغة الخطة التي يفترض أن تحدد –بناءً على هذه الأرقام- المعالجات وسبل توزيع الخسائر. أما مصرف لبنان، فدوره محصور بتقديم أرقامه لشركة “لازارد”، التي أنجزت العمل التقني من ناحية النماذج المحاسبيّة المعتمدة، لقياس الفجوات الموجودة في ميزانيات القطاع المالي. نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، المسؤول عن ملف التفاوض مع صندوق النقد، بدا أكثر تحفّظًا في التبشير بالتقدّم في هذا الملف، لكنّه أكّد بشكل غير مباشر ما قاله ميقاتي.

في مقابل تصريحيّ رئيس الحكومة ونائبها، خرج سلامة ليكذّب الحكومة بشكل مباشر وواضح، من خلال مقابلته مع وكالة “رويترز”، التي اعتبر فيها أن المصرف المركزي مازال في طور “جمع البيانات المطلوبة منه من قبل الصندوق” لتحديد الخسائر لاحقًا، نافيًا وجود أي اتفاق أو قرار بخصوص كيفيّة مقاربة هذه الخسائر، ومعلناً عن عدم امتلاكه حتّى اللحظة أرقاماً متفقاً عليها مع الصندوق.

للوهلة الأولى، قد يعتبر المراقب أن هذه التباينات في الصريحات تنطوي على كذب وخداع من قبل الأطراف الثلاثة، أو على الأقل أحدها. لكنّ العديد من المصادر المتابعة لمسار المفاوضات مع صندوق النقد، تشير إلى أن هذه التباينات هي أقرب للتخبّط واختلاف التشخيص بين هذه الأقطاب، وتبيان أولوياتها بالنسبة إلى الخطة الماليّة التي يجري إعدادها.

فنقولا الشامي، يعتبر أن تقدّم المباحثات التمهيديّة مع الصندوق لجهة تحديد آليّات احتساب الخسائر، يمثّل بحد ذاته إنجازاً يمهّد لتخطّي مسار المفاوضات التقنيّة، ومن ثم الانتقال إلى المفاوضات المتعلّقة بالسياسات والمعالجات. وهذا التقدّم مبني حكمًا على امتثال الطرف اللبناني للحد الأدنى من شروط الصندوق، بخصوص التصريح عن الخسائر بشكل شفّاف، خصوصًا أن الشامي يضع نصب عينيه إنجاح مسار المفاوضات كأولويّة قصوى. أمّا تعديل الخطة الرسميّة لاحقًا على أساس هذه التفاهمات، فبمثابة تحصيل حاصل، نظرًا لعدم وجود مصلحة لأي طرف بتخريب مفاوضات الحكومة مع الصندوق.

حاكم مصرف لبنان الحذر من شروط الصندوق التي تتعارض مع مقارباته في ملف الخسائر، والذي يحاول طمس أكبر قدر ممكن من فجوات ميزانيّات النظام المصرفي، مازال يعتبر نفسه غير معني بهذه التفاهمات، طالما أنّه لم يقدّم من جهته الأرقام والحسابات كما يراها المصرف المركزي.

باختصار، بدأت تظهر الألغام الكفيلة بتفجير مسار المفاوضات إذا لم يتم تداركها، بين مصرف لبنان الذي يستعد لجولة التجاذب المقبلة مع الحكومة، وخطّة الحكومة التي سيتم تعديلها حسب التفاهمات التي حصلت خلال مسار المفاوضات التقنيّة مع صندوق النقد. وهذا النوع من التباينات التي برزت خلال العمل على خطة حكومة دياب، للسبب نفسه، كانت كفيلة بعرقلة عمليّة التفاوض بأسرها لاحقًا، والإطاحة بخطة الحكومة. مع الإشارة إلى أن رياض سلامة يملك هذه المرّة أسلحته القويّة في وجه أي خطة لا تتناغم مع مقارباته، وأبرزها موقع وزير الماليّة المقرّب منه، والقادر على فرملة الخطة بأسرها، بوصفه وزير الوصاية على خطة الحكومة الماليّة.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةأرباح الشركات في البورصات الخليجية تحقق قفزة قياسية
المقالة القادمةارتفاع الدولار وإقفال “الإسكان”.. ما مصير القروض؟