سلطة “جحا” قوية فقط… على الصرّافين

وكأن لا يكفي ما تعانيه السلطة من مرض “قصر النظر”، حتى فتك “الحَوَل” بما تبقى من “عينيها”. عجزها، لم يعد قاصراً على الفشل في معالجة مشكلة سعر الصرف، بل تخطاه إلى التصويب بعكس اتجاه الهدف. فـ”تكرار” ملاحقة الصرافين الشرعيين، والمتداولين بالدولار، المعرّف عنهم “بتجار الشنطة”، لم “يعلّمها” فشل التجربة. إذ إن الهدف على ما يبدو ليس إيجاد الحل، إنما “كبش الفداء”.

وضع الملامة على الصرافين، سواء كانوا شرعيين أم غير شرعيين، في ارتفاع سعر الصرف يعود إلى بداية الإنهيار في العام 2019. والإتهام بالتلاعب الذي وجه لهم لأول مرة بعد نحو شهر على ثورة 17 تشرين عندما ارتفع سعر الصرف إلى 2000 ليرة، لم يلبث أن تحول إلى ملاحقات قانونية مطلع العام 2020. سيناريو الإتهام والملاحقة ومن بعدهما اعتِكاف الصرافين والإضراب، تكرر في شباط وآذار من العام الماضي، وتُوّج اعتقالات بالجملة في شهر نيسان، طالت النقيب ونائبه ونحو 45 صرافاً. من بعدها أُجبر مصرف لبنان على ضخ الدولار لصرافين (ألف) لتأمين احتياجات الأقساط الخارجية والعمالة الأجنبية وحاجات التجار، بمحاولة للجم الإرتفاع.

يقول مدير شركة مكتّف لتحويل وشحن الأموال ميشال مكتّف، “فمرّة تُحمّل المسؤولية للصرافين ومرة للمنصات ومرة لحاكم مصرف لبنان، فيما الحقيقة هي أن هذه المنظومة السياسية الممعنة في اللاإصلاح والفساد منذ سنوات، هي من أوصل البلد إلى ما هو عليه اليوم”.

لتصويب النقاش ووضعه في إطاره الصحيح فان انهيار سعر الصرف ليس مرتبطاً بعدم قدرة الصرافين على تأمين الدولار، “فهذا ليس عملهم”، بحسب مكتّف. “فالصراف ليس منتجاً للدولار، إنما مُبادلاً له. وضخ العملة الأجنبية بالأسواق وتمويل قطاعات التجارة والإنتاج يبقى مسؤولية القطاع المصرفي عبر تحويل الأموال إلى الخارج من حسابات الأفراد والشركات، أو من خلال فتح الاعتمادات وأخذ التسهيلات المصرفية. هذا في الاقتصاد السليم، أمّا محاولة خلق نموذج هجين غير موجود في أي بلد في العالم وتحميله مسؤولية الانهيار، فهو أمر غير مفهوم ويساهم بتعميق الأزمة وتعقيدها أكثر”.

بموازاة المطالبة باعادة تكوين الودائع وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، فان المطلوب اليوم، من وجهة نظر مكتّف، “إعادة تكوين الطبقة السياسية”. الأمر الذي يفتح المجال أمام إمكانية تدفق الرساميل ودخول مستثمرين جدد إلى القطاع المصرفي وغيره من القطاعات. ويصبح بامكان المصارف التفاوض مع المودعين في المستقبل على كيفية تقسيط الودائع. كأن تعيد 50 في المئة بالدولار النقدي في حال أراد المودع التسديد الفوري أو 70 و80 في المئة بعد 5 سنوات. هذا الأمر لا يعني عقلنة “الهيركات” فحسب، إنما تحسين موقف المصارف وإمكانية استعادة دورها كجاذب للرساميل من الداخل والخارج، وكممولة للاقتصاد ومحفزة للدورة الانتاجية.

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقةمحلات الـ«سناك» تنتعش: الفلافل والقرنبيط أولاً!
المقالة القادمةتجار السلع والمواد الغذائية يفرضون قوانينهم على المواطن