سندات دول عربية تتخلف عن تعافي الأسواق الناشئة

لاحظ المحللون خلال الآونة الأخيرة تحسنا في آفاق ديون الأسواق الناشئة، لكن مجموعة من سندات عدد محدود من الدول الأكثر تعرضا للمخاطر بما فيها ثلاثة بلدان عربية لم تستفد من هذا الأمر، في ظل قلة المؤشرات على تغير هذا الوضع.

اجتازت مجموعة من الاقتصادات الناشئة منغصات الأزمة الصحية والحرب في شرق أوروبا بحزمة تمويلات من المانحين الدوليين وأيضا ضمن الاتفاقيات الثنائية، غير أن بعضها يواجه معضلة للإفلات من أي مشكلة ائتمانية محتملة في قادم الأشهر.

ورغم التحسن الذي طرأ على ديون العديد من الدول خلال الأسابيع القليلة الماضية، فإن أخرى باتت خارج ماراثون انتعاش سندات الأسواق الناشئة.

وكبدت السندات المقومة بالدولار لدول مثل تونس ومصر ولبنان والأرجنتين المستثمرين خسائر كبيرة خلال الشهر الجاري، وساهمت بالقدر الأكبر في التراجع البالغ 0.7 في المئة لمؤشر بلومبرغ للسندات السيادية للأسواق الناشئة.

وأثر الأداء السلبي لتلك الدول على هذه الفئة من الأصول المرنة نوعا ما، والتي تتهيأ للاستفادة من انحسار مستوى التضخم الجامح واقتراب البنوك المركزية من نهاية دورات التشديد النقدي والتي يقودها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.

وبينما تتباين مشكلاتها الاقتصادية، تتسم الدول ذات الأداء المتراجع بضعف أسواقها الائتمانية واعتمادها المفرط على دعم المقرضين متعددي الأطراف مثل صندوق النقد الدولي.

ويظهر مؤشر بلومبرغ أن الأرجنتين أقل الأسواق الناشئة جاذبية على مستوى العوائد التي يجنيها المستثمرون في أبريل بواقع سالب 12.5 في المئة بينما تأتي مصر في المركز الثانية بنحو سالب 8.8 في المئة، وبعدها تونس بسالب 8.4 في المئة.

ويحتل لبنان المركز الرابع بسالب 5.1 في المئة، ثم السنغال بسالب 4.1 في المئة تليها كينيا بسالب 4 في المئة.

ويرى جو ديلفوكس مدير أموال لدى شركة أموندي ومقيم في لندن أن الدول التي تقع تحت الضغط تتسبب بوضوح في أكبر المخاوف للمستثمرين.

ونقلت وكالة بلومبرغ عن ديلفوكس قوله “يمكن أن ترتكز بعض المخاوف في الأساس على استدامة الديون، بينما تواجه بعض الدول أيضا مشكلات سياسية مجددا”.

وصار البعض من هذه الدول بالفعل، مثل لبنان، في حالة تعثر عن السداد، ويدرس المستثمرون احتمال أن تحذو البقية حذوها بعد أن عادوا بقليل من المؤشرات المطمئنة من اجتماعات الربيع لصندوق النقد في واشنطن في وقت سابق هذا الشهر.

وأظهرت الاجتماعات التي تقيس إمكانية التوصل إلى حزم مساعدات تمويلية من عدمه، أن الحكومات والمقرض الدولي متعدد الأطراف لا زالوا يواجهون طريقا مليئا بالمطبات في ما يخص العديد من الحالات.

وقال خبراء إستراتيجيون في بنك مورغان ستانلي آند كو في مذكرة “لم نأت من الاجتماعات بمزيد من التفاؤل حول السندات منخفضة التصنيف الائتماني”.

واتفق الخبراء في موقفهم على أن المناقشات كانت تميل “إلى الجانب المتشائم” في ما يخص صفقات عديدة بما في ذلك مع مصر وتونس.

وتشير المعطيات إلى أن سندات هذين الدولتين فقدت ما يعادل 9 في المئة الشهر الجاري، بينما سجلت الديون لكل من لبنان والسنغال وكينيا خسائر في نطاق خمسة في المئة.

وفي حين أن العديد من الحكومات في الاقتصادات الناشئة تكابد لإصلاح اختلال الأوضاع المالية العامة والفوز ببرامج صندوق النقد، لكن الوقت أمامها ينفد بشكل سريع.

وعلى سبيل المثال تواجه مصر نقصا حادا في القمح، إذ تغطي المخزونات أكثر قليلا من شهرين من الاستهلاك المحلي ببلد يضم أكثر من 105 ملايين نسمة، في وقت تستعر فيه أزمة العملة الصعبة جراء تداعيات الأزمة في أوكرانيا.

كما اضطرت كينيا إلى تأجيل دفع رواتب العاملين في القطاع العام، أما البنك المركزي في الأرجنتين فقد رفع أسعار الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس إلى 81 في المئة، الخميس الماضي، في محاولة لكبح التضخم المتفشي.

ويقول مارك بولاند كبير باحثي قسم الائتمان لدى ريد انتليجنس إن الكثير من الدول بحاجة إلى الأموال الآن وإلا ستضطر للاقتراض بأسعار فائدة عالية للغاية سواء محليا أو خارجيا، وإذا اقترضت بأسعار السوق الحالية “فلن يزداد الطين سوى بلة”.

وفي خطوة مفاجئة، تلقت الأرجنتين، أسوأ الدول أداء، شريحة أخرى قيمتها 5.4 مليار دولار من صندوق النقد نهاية الشهر الماضي، ويشعر المستثمرون بالتفاؤل بأن تجلب الانتخابات المقبلة حكومة أكثر صداقة للسوق.

ومع ذلك، فإنه نظرا لتأثر الدولة صاحبة التعثر المتكرر سلبا من اقتراب التضخم من رقم ثلاثي الخانات وهبوط احتياطاتها من العملة الصعبة، فقد هبطت سنداتها بما يناهز 12 في المئة الشهر الجاري.

وبالنسبة إلى المستثمرين الراغبين في تحمل المخاطر، فإن المحللين يرون أن ثمة احتمال لتحقيق أرباح هائلة من الرهان على السندات الأكثر تعثرا.

وتتداول العديد من سندات الدول الأكثر خطورة دون القيمة التي قد يتوقع المستثمرون الحصول عليها في حال هيكلة الديون.

وذكرت إلين داغر كبيرة مسؤولي الائتمان لمنطقة الأميركتين لدى وكالة موديز أن متوسط قيمة الاسترداد على السندات السيادية المتعثرة بلغت خلال العقود الأربعة الماضية 50 في المئة، ومع ذلك، كانت هناك قيم استرداد عالية تصل إلى 95 في المئة.

وأثبتت العديد من التجارب في العقود الماضية أن شراء المستثمرين للديون المتعثرة يكافئهم سريعا فور حدوث أي تقدم في المحادثات مع المانحين الدوليين، الأمر الذي يجعلهم يستفيدون جراء استغلالهم هذه الفرص.

وتقدم بوليفيا مثالا واضحا في هذا الصدد، إذ كان دين الدولة صاحب أسوأ أداء في أوائل أبريل الجاري، لكنه تعافى الأسبوع الماضي على خلفية علامات أنها ستحصل على دعم مالي متعدد الأطراف.

ومع ذلك، في أغلب الحالات، تظل السوق في حالة انتظار لوجود حافز. ففي تونس، على سبيل المثال، يمكن أن يتوقع حاملو السندات معدل استرداد 74 سنتا على الدولار في المتوسط، حسبما أشار محللو مورغان ستانلي.

ويتم تداول السندات المستحقة في 2026 حاليا حول 49 سنتا. ومع ذلك، لم تحرز الحكومة أي تقدم في المفاوضات مع صندوق النقد.

وكتب المحلل نيفيل مانديميكا، في مذكرة الأسبوع الماضي يقول إن “الجمود المطول (في المفاوضات) مع صندوق النقد يجعلنا أقل تفاؤلا”.

وأوضح أنه تم خفض تصنيفه لديون الدولة إلى “غير المرغوب بها”. وقال “إذا استمر ذلك، ستنزلق تونس إلى مصاف المتخلفين عن السداد”.

ويتوقع أن تبلغ مدفوعات السندات الدولية ذات العائد المرتفع بالأسواق الناشئة 30 مليار دولار في عام 2024، بزيادة حادة مقارنة مع 8.4 مليار دولار المتبقية للفترة المتبقية من هذا العام.

ويضيف هذا طبقة من التعقيد إلى البلدان الأكثر ضعفا إذا لم يتمكن بعض المُصدِرين من إعادة تمويل ديونهم قريبا.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةسبير الروسية تنضم إلى السباق العالمي لروبوتات المحادثة
المقالة القادمةوزير الصناعة الإيراني يعلن انطلاق التجارة بين إيران والسعودية