سهل البقاع في عزّ أزمة المازوت: التلف «بالجملة والمفرق»

لم تعد المزروعات في البقاع على «مدّ العين والنظر»، فكلما زادت الأزمة المالية ــــ الاقتصادية، تسقط دونمات كثيرة من «روزنامة» السنة الزراعية، حتى تكاد تضيع المواسم. قبل سنواتٍ، كانت أكبر المشاكل التي يعانيها المزارعون تأمين «عدادين» المياه… بالواسطة، وغالباً ما كانت تحلّ بفتح «السُّكر» من مكانٍ ما. أما اليوم، فقد انعدمت حتى هذه الوسيلة، بعدما وجد المزارعون أنفسهم رهائن أزمة فقدان مادة المازوت التي يحتاجون إليها لسحب المياه من الآبار الارتوازية أو البرك وضخّها باتجاه الحقول.

علاقة المواسم الزراعية بـ«مازوت الري» عضوية. فمن دون هذه المادة، لا خضار ولا فاكهة ولا غيرها، وخصوصاً أن هذه الأخيرة تحتاج إلى «عَدَادين مياه» يومية لا يمكن تحصيلها من دون آلاف الليترات أسبوعياً من المازوت. وبما أن اليوم، ثمة استحالة للوصول إلى الاكتفاء، يعمد المزارعون إلى «تقليص» دونماتهم لتخفيف الكلفة من ناحية والحفاظ على جزء ولو يسير من الموسم من ناحية أخرى، في سهل القاع، أو ما يعرف بمشاريع القاع، وهو السهل الذي يجاور نهر العاصي، المورد المائي الأغزر، والذي يعدّ الشريان الزراعي الرئيسي للسوق اللبنانية بالمنتجات الزراعية على اختلافها، بدءاً من البندورة والباذنجان والفليفلة والحرّ وعدد كبير من الفواكه؛ في مقدمها البطيخ والشمام، يضطر المزارعون إلى اللجوء إلى «المهرّبين» لتأمين حاجتهم من المازوت. وبحسب الإحصاء الذي أجرته بلدية القاع أخيراً، بمساعدة مخابرات الجيش والأمن العام، تحتاج منطقة المشاريع إلى خمسة ملايين ليتر من المازوت شهرياً، لم تعد ضمن الإمكانيات اليوم. فبالنسبة إلى المزارع طوني مطر، بات المازوت «الهمّ الأكبر، وخصوصاً أنه لم يعد متوفّراً، يعني رضينا بالشحار والشحار ما رضي فينا، صرنا عم نترجى الموزعين والمهربين توفير المازوت وبالسعر اللي بحددوه حتى ما نخسر مواسمنا، والرد دايماً: ما في، بالوقت اللي بتلاقي صهاريج التهريب وسيارات البيك آب للسوريين ما عم تهدا وعم يتم التفريغ ع عينك يا أجهزة أمنية».

بسبب تلك الأزمة، باتت خيارات المزارعين قاسية ومحدودة، تبدأ بتقليص مساحات حقول مواسمهم الزراعية الأكثر حاجة للري، وتنتهي بالتخلي عن المشاريع المكلفة. آخرون تركوا المواسم بسبب أسعار المحروقات التي لا تتوقف عن الصعود. ففي غضون أيام ارتفع سعر صفيحة المازوت من 120 ألف ليرة إلى 170 ألفاً، وهذا ما يعتبره المزارعون في سهل البقاع كارثياً على الإنتاج.

وعليه، وبما أن أزمة المحروقات لا أفق لها، يبقى أن واقع الحال الزراعي لا ينبئ بالخير بالنسبة إلى المزارعين، فكل المؤشرات تدل على كارثة زراعية سواء على المزارعين أو المستهلكين، حيث ستنسحب مسألة تخلّي المزارعين عن مزروعاتهم وعدم توفر المازوت لريّ الحقول والمواسم، ارتفاعاً في الأسعار من دون ضوابط، عدا عن تلف المحاصيل على اختلافها مع بساتين كانت يوماً مصدر رزق وإنتاج.

مصدرجريدة الأخبار - رامح حمية
المادة السابقةكارثة جديدة تنتظر القطاع الصحي: مؤسسة تعمل لنقل 600 ممرض وممرضة إلى فرنسا
المقالة القادمة«مسار الشعوب نحو الأمن الغذائي»: لبنان يُجوَّع… فلا تتكلوا على من يجوَِعه