سوق الأحد الطرابلسي متنفّس الناس في زمن الضيق

يظنُّ البائعون البُسطاء في سوق الأحد الطرابلسي، أنّهم في جزيرة معزولة ولا أحد يراهم. يظهر ذلك من ردّة أفعالهم عندما يلمحون كاميرا تهمّ بتصويرهم. يخاف هؤلاء، المتسمّرون أمام بسطاتهم لعرض بضاعتهم للبيع، من قرار جديد بإقفال السوق في زمن “كورونا” كما حصل قبل أشهر، ولا يدرون أنّ الوافدين إلى السوق، سواء بسياراتهم أو سيراً على الأقدام، قد تسبّبوا بزحمة سير خانقة على المدخل الشمالي لمدينة طرابلس، وليس من السهل على البلدية اليوم اتّخاذ أي قرار بالإقفال، لا في سوق الأحد ولا في غيره، لأنّ ذلك سيرتّب عليها الكثير من الأعباء والإلتزامات، تجاه نفسها أولاً وتجاه ناسها ومئات العائلات التي تعتاش من السوق.

سوق الأحد الطرابلسي؛ الواقع على كتف نهر أبو علي، شهد حركة ارتياد واسعة لم يشهدها من قبل، والسبب الرئيسي أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار التي جعلت من أسعار باقي الأسواق الطرابلسية المعروفة “نار وشاعلة”؛ كما يقول أحد رواد السوق. هذا السوق الذي كان يُعرف في ما سبق بسوق الجمعة وترتاده النخبة من الزبائن بحثاً عن مقتنيات نادرة لمنازلهم من نحاسيات وتحف أو أنتيكا، ثم أصبح في ما بعد سوق الفقراء الذين لا طاقة لهم على التبضّع من الأسواق الأخرى، هو اليوم وبحكم الأزمة قد أصبح سوق الفقير والغني معاً، ويرتاده الزبائن من طرابلس وخارجها، لا سيّما من عكار ومناطق أخرى مجاورة. ويفتح السوق أبوابه وتعرض اعتباراً من يوم السبت، لتكون الذروة صباح الأحد.

فبين أدوات منزلية وكهربائية، ونحاسيات وألبسة وأقمشة، تتنوّع المعروضات والسلع في سوق الأحد. اللافت أخيراً أنّ ما يُعرض لم يعد يقتصر على القديم منها كما كان الأمر في السابق. فثمّة بسطات تعرض الحديث من السلع أو المقتنيات تماماً كالتي تجدها في الأسواق الطرابلسية العريقة في المدينة. ما يشجّع الناس ايضاً على الإقبال على سوق الأحد هو أنّ أسعاره لا تزال أرخص، مقارنة مع الأسواق الأخرى، والتعامل بالعملة اللبنانية، وإمكانية المفاصلة بين البائع والزبون، التي تأتي لمصلحة الزبون في أكثر الأحيان.

زبائن سوق الأحد وتجّاره هم من اللبنانيين والسوريين، الذين وجدوا في السوق مُتنفّساً لهم في هذه الأوقات الصعبة معيشياً واجتماعياً. يقول عمر، وهو صاحب بسطة في سوق الأحد، “لا شكّ في أنّ الحركة في زمن الغلاء أصبحت أفضل من السابق بكثير، لكنّنا كأصحاب بسطات نتأثّر بالأزمة كما يتأثّر بها الجميع. أنا أعرض أدوات كهربائية (راديو – تلفزيون..) أشتريها من بيروت بالجملة كل أسبوع أو أكثر والناس تناقشني بالأسعار كثيراً، وحركة بيع هذه الأصناف لا أعتبرها كما أطمح”. زيارة سوق الأحد بالنسبة إلى كثيرين لم تعد مسألة تحتمل النقاش، فهناك من اعتاد عليها على مدى سنوات، حتّى ولو لم تكن هناك حاجة لشراء شيء معيّن، فروّاد السوق التقليديين لا يتغيّبون عن عادتهم الأسبوعية. ويوضح سعيد، وهو من روّاد السوق الدائمين، أنّ “سوق الأحد للجميع ويرتاده الشباب كما الكبار وأصحاب العائلات، وما يحتويه من معروضات ليس أقلّ نوعية ممّا تجده في الأسواق المشهورة”.

تجدر الإشارة الى تراجع حجم المعروض من “الانتيكا” والتحف القديمة لصالح الملبوسات والمأكل والمشرب وغيرها من الامور التي لم تكن من سِمات سوق الأحد عند بدايته، وهو الآن يتحوّل سوقاً تجارياً شعبياً مفتوحاً، أما الكتب والقصص والمنشورات فصارت تُعرض وتُفرش بأغلبها على الرصيف المقابل.

 

مصدرمايز عبيد - نداء الوطن
المادة السابقةإطلاق مشروع «Dot Olive» في حاصبيا
المقالة القادمةالعودة إلى المدارس: منهجية غائبة ومجازفة كبرى