“سوناطراك” سلّمت “الطاقة” كتاباً “قاسياً: لا تجديد لعقود الفيول

منذ يومين وتحديداً في 4 حزيران الجاري، راسلت شركة ” Sonatrach Petroleum Company” وزير الطاقة ريمون غجر لإبلاغه بعدم رغبة الشركة تجديد العقد لاستيراد الفيول أويل لصالح “مؤسسة كهرباء لبنان” متمنيةً للدولة اللبنانية التوفيق في عقودها المستقبليّة. يرتكز الكتاب القاسي اللهجة الموجّه من الشركة الجزائرية الى فشل وزارة الطاقة في اتخاذ أي إجراء او إصدار أي بيان علنيّ للحفاظ على سمعة “سوناطراك”، خصوصاً بعد الحملة الشرسة التي طالتها وتناولت مصداقيتها وشفافيتها.

تكمن المشكلة بالنسبة الى عدد من المتابعين لهذا الملف في طريقة التعاطي “الهوجاء” التي رسّختها الدولة اللبنانية في علاقتها التجارية مع دولة أخرى لا سيّما وانّ مجلس الوزراء قرر في نهاية المطاف استكمال العقد لحين انتهائه في 31-12-2020 رغم عدم إقفال الملف قضائياً. ما يعني احتمالاً من اثنين لا ثالث لهما: فإما ان القضاء اللبناني تسرّع في استنتاجاته كما وفي قراراته التي أحاطت قضية الفيول المغشوش- كما سُمّيت، او انّ مجلس الوزراء ضرب الحائط بالقرارات القضائية من دون أي اعتبار من قبل السلطة التنفيذية الى قضاء من المعروف انه مسيّس وغير مستقلّ، وهو بحدّ ذاته مسألة خطيرة تتطلب حلولاً واصلاحات جذريّة في حال اراد لبنان استعادة الثقة دولياً.

وفي كلا الحالتين، فُتحت هذه القضية وهي على ابواب الاغلاق نهائياً من دون معرفة سبب اثارة كلّ هذه الضجة، والهدف من شنّ “التيار الوطني الحرّ” حرباً كان يعرف مسبقاً انها خاسرة.

من وجهة نظر الحكومة اللبنانية، لن تكون هناك مشكلة في خسارة العقد مع الجانب الجزائري، فوزارة الطاقة تعمل منذ عامين على تحضير دفتر شروط مع إدارة المناقصات بهدف استدراج عروض جديدة. لكن بعد الاخطاء القضائية المرتكبة بحق شركة دولية، هنالك تخوف من عدم اهتمام شركات اخرى بتوريد الفيول اويل الى مؤسسة كهرباء لبنان، بسبب احتمال تسييس ملفّ ما في اي وقت كان، ما ينذر بالمزيد من العتمة في ظل الاستمرار بسياسة المماطلة بتنفيذ خطة الكهرباء.

عن الموضوع، تشدد أوساط مطلعة لـ”نداء الوطن” على “أن طريقة إدارة التحقيق قضائياً كانت بدائية ومبنيّة على عنصر الاعترافات قسراً، من دون أي دلائل حسية مرتكزة الى البيانات العلميّة بهدف التأكد من مدى عدم مطابقة الفيول للمواصفات التي تفرضها الدولة اللبنانية او عدمها. كذلك، لم تتعمق التحقيقات في درجة تورّط موظفي مختبرات المنشآت في عمليات التزوير لنتائج الفحوصات، ولا حتى مدى إمكانية حدوث أفعال مشابهة”.

وتضيف الأوساط: “في العادة، تقود هذا النوع من التحقيقات جهات عالمية متخصصة، تزخر بكمّ من المصداقية والاستقلالية والخبرة دولياً لكشف مكامن الخلل. اما اعترافات فورية لاشخاص ربما تحت الضغط، فهي تحمل هامشاً من الخطأ والتلاعب رغم ان التوقيفات تقوم على الشبهة والشك، لكن ليس في ملف بهذا الحجم وذلك لسبب واحد وهو انه وحتى في حالة الشك، على التوقيفات ان تتبع معايير محددة، وألا تكون عشوائية وألا تتبع اي نوع من انواع الاعتباطية لمجرد الرغبة بتسجيل موقف قضائي. بمعنى ان التحقيقات تُبنى على وقائع ثابتة لا شكّ فيها، فالتضارب بالاعترافات والشهادات ومعها الاستنتاجات القضائية وكلها غير مبنية على وقائع، ليست بكافية”.

يتطلب العمل القضائي تخصّصاً، وهو ما يفتقر اليه لبنان، الامر الذي أدى الى فشل التحقيق فتورّط لبنان في مشاكل كان بغنى عنها. وبذلك، اقتصرت النتائج على الحجز على سفينتين: الأولى”Baltic” (غير المطابقة للمواصفات) اُفرغت في الخزانات التابعة لـ”كهرباء لبنان”، وقد ارسلت الدولة الجزائرية سفينة منذ نحو شهر لاستعادة الحمولة غير انها لا تزال منتظرة في المياه اللبنانية، فيما الثانية “ASOPOS” فظلت محجوزة من قبل القضاء اللبناني لأكثر من 20 يوماً. ورغم ان نتائج تحاليل العينات التي أرسلتها “سوناطراك” الى الخارج أكدت ان الفيول الذي ورّدته “ASOPOS” مطابق للمواصفات، الا ان عملية التفريغ لا تزال تنتظر نتائج فحص الكثافة (density) الذي يُعاد للمرة الثانية في المختبرات التابعة للمنشآت الفاقدة للمصداقية. وهنا تجدر الاشارة الى ان موظفي المختبرات المتهمين بعمليات تزوير نتائج فحوصات مواد نفطية، يتابعون عملهم بوتيرة طبيعية وهم يقومون بإصدار نتائج فحوصات جديدة، ولو كان ذلك بمؤازرة القوى الأمنية.

وكنتيجة لكل ما حصل، تكبدت الدولة اللبنانية عن فترة توقف”ASOPOS” ومعها سفينة استعادة الحمولة التي كانت على متن “Baltic” غرامات تأخير تلامس الـ2 مليون دولار. وهنا يُطرح سؤال بديهي عن الجهة التي تتحمل هذه الخسائر في وقت يُفترض فيه ان يجهد لبنان الى توفير كل دولار: القضاء اللبناني المتهوّر ام مؤسسة كهرباء لبنان؟

أصابت سهام ملف الفيول غير المطابق للمواصفات، اهدافاً تختلف تماماً عن تلك التي كان “التيار الوطني الحرّ” يسعى الى تحقيقها، عندما قرر فتح القضية على مصراعيها ليقتصر الإنجاز الوحيد على الكشف عن عدد من موظفي المنشآت، الذين لا يداوِمون والذين يكبدون الخزينة العامة اكثر من 70 مليون ليرة شهرياً، بالاضافة الى اكتشاف الغش في هذه الادارة كما وفي مختبراتها. بدورها، تبدو “ZR Energy” على استعداد للبقاء من ضمن تركيبة اللعبة النفطية الداخلية بعد تلقيها طلباً بذلك، اذ انها تتجه للمشاركة في مناقصة البنزين المزمعة خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

أما “إدارة” منشآت النفط في طرابلس والزهراني، وحتى لو بُرّئت من قضية الفيول هذه، فمن الصعب ان تُبرّأ من فضيحة، واثنتين وثلاث… ولربما مئة من فضائح الفساد، وهي للمناسبة كثيرة.

مصدرايفون أنور صعيبي - "نداء الوطن"
المادة السابقةالوهن في قطاع الصيدلة يهدّد كامل المنظومة الصحية
المقالة القادمةالمفاوضات مع صندوق النقد..توحيد المعايير تجنباً للفشل