قطعت دولة الإمارات خطوة كبيرة ومهمة على درب المساهمة في تنفيذ أجندة الحياد الكربوني بعقد اتفاقية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة لاستثمار مبلغ ضخم لتنمية قطاع الطاقة المستدامة، بينما يعاني قطاع الطاقة عموما من أزمة في الإنتاج والأسعار.
وتأتي المبادرة في ظلّ التباين في وجهات النظر بين الولايات المتحدة والسعودية، شريكتها التاريخية في الشرق الأوسط، بشأن سياسة إنتاج النفط في إطار أوبك+ والتي أثارت لغطا بالنظر إلى أن أحد أعضاء الكارتل وهو روسيا يشن حربا على أوكرانيا حليفة واشنطن.
ويقول خبراء إن الشراكة ستستهم بشكل كبير في إبراز مدى التزام الجميع بالتحول نحو الطاقة النظيفة، حتى مع وجود تيارات معاكسة على الاقتصاد العالمي والطرق المختلفة لمعالجة المشاكل التي أفرزتها الأزمة في شرق أوروبا على نحو غير مسبوق.
ولكن شقا من المحللين يرون أن إدارة الرئيس جو بايدن تدرك جيدا أن الدخول في علاقات استثمارية من هذا النوع مع دول الخليج، وفي هذه الحالة مع الإمارات، ليس لأنه توجه عالمي يحتم على الدول الانخراط فيه، وإنما لأنها مجبرة على التعامل مع حقائق الواقع فيما يتعلق بصناعة الطاقة عموما.
وبموجب الاتفاقية التي أبرمت على هامش معرض ومؤتمر أبوظبي الدولي للبترول (أديبك 2022) سيقوم البلدان باستثمار 100 مليار دولار في مشاريع للطاقة النظيفة حتى العام 2035، ويبلغ الإنتاج المستهدف حوالي مئة غيغاوط.
ولم يفصح الجانبان عن تفاصيل هذه الشراكة، التي شهدها رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وبريت ماكغورك نائب مساعد الرئيس الأميركي والمنسق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وحصة كل دولة من الاستثمارات المرتقب ضخها.
ولكن البيان المشترك أشار إلى أن الإمارات، العضو في منظمة أوبك، والولايات المتحدة سيقومان بتقديم الدعم لمشاريع الطاقة النظيفة ذات الجدوى الاقتصادية والبيئية في الدول النامية عبر توفير الخبرة الفنية والمساعدة في الإدارة وتوفير التمويل.
وتضع الإمارات قضية التغيّر المناخي في صدارة اهتماماتها، حيث وضعت في العام 2017 هدفا طموحا يتمثل في توليد 50 في المئة من مزيج الطاقة من مصادر طاقة نظيفة.
وتعليقا على الاتفاقية التي جاءت في وقت يعاني فيه العالم من أزمة في الطاقة أكد وزير الصناعة الإماراتي سلطان الجابر أنه سيكون لهذه الشراكة دور كبير في تحقيق تقدم ملموس لأنها تستند إلى مبادئ وأسس وخطط واقعية وعملية ذات جدوى اقتصادية.
ونسبت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية إلى الجابر قوله “تسهم الاتفاقية في تحقيق الأهداف المنشودة إضافة إلى دعم النمو الاقتصادي والاجتماعي الشامل والمستدام”.
ويرتكز الاتفاق، الذي يأتي عشية انعقاد الدورة السابعة والعشرون لمؤتمر الأطراف حول المناخ (كوب 27) بمدينة شرم الشيخ المصرية، على 4 محاور أولها تطوير مشاريع للطاقة النظيفة وحلول للتمويل ونشر التكنولوجيا المتقدمة وتعزيز سلاسل الإمداد.
أما الثاني فيتضمن إدارة انبعاثات الكربون والميثان، والثالث اعتماد تقنيات الطاقة النووية المتقدمة مثل المفاعلات النمطية الصغيرة، وأخيرا العمل المشترك للمساعدة في خفض الانبعاثات في قطاعي الصناعة والنقل.
وقال آموس هوكستاين المنسّق الرئاسي الأميركي الخاص إن “التحالف الإستراتيجي الوثيق بين البلدين سوف يسهم في دعم عملية الانتقال في قطاع الطاقة العالمي وبناء مستقبل أكثر استدامة”.
وأشار إلى أن “هذه الشراكة تؤكد التزام بلدينا بالتصدي العاجل لأزمة المناخ إذ سنعمل على ضخ استثمارات كبيرة في التقنيات الجديدة للطاقة النظيفة في بلدينا وحول العالم وفي الاقتصادات الناشئة”.
وشملت تجربة الإمارات في هذا الإطار إلى جانب كثافة وتعدد المشاريع العملاقة من حيث الحجم والطاقة المولدة، النجاح في تقليل تكلفة الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية، مرورا بتسخير الطاقة الشمسية في خدمة مشاريع الصناعة المتقدمة.
وعلى مستوى التكلفة، حققت أرقاما قياسية عالمية لأقل كهرباء مولدة بالطاقة الشمسية من حيث التكلفة خلال الأعوام الأخيرة، حسب ما ورد في تقرير “الهيدروجين من الخيال إلى الحقيقة” الصادر عن مؤسسة دبي للمستقبل مطلع أكتوبر الماضي.
كما أن العديد من الدول تسعى إلى اللحاق بالركب حيث تقوم دول الخليج الأخرى وفي مقدمتها السعودية وسلطنة عمان وأيضا العربية مثل مصر والمغرب، وأخرى في آسيا وأفريقيا بالسير في هذا الاتجاه لتنويع مزيج الطاقة وتقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري.
ومع ذلك، توقعت أوبك في أحدث تقاريرها أن يشكل النفط 29 في المئة من مزيج الطاقة بحلول عام 2045 انخفاضا من النسبة الحالية البالغة 31 في المئة، في سيناريو من المتوقع أن ينمو فيه حجم الاقتصاد العالمي إلى مثليه من 135 إلى 270 تريليون دولار.
وقال الأمين العام لمنظمة أوبك هيثم الغيص في مقابلة مع رويترز الثلاثاء إنه “بسبب هذا الحجم الهائل لنمو الاقتصاد العالمي، لا يمكن تلبية الطلب من خلال مصادر الطاقة المتجددة وحدها”.
وعلى النقيض من الدعوات للإسراع في التحول إلى الطاقة المستدامة، أكد الغيص أنه على العالم التحرك بسرعة للاستثمار في النفط لمنع حدوث أزمات طاقة طارئة في المستقبل مع نمو الطلب العالمي على الهيدروكربونات على المدى الطويل.
وأضاف “إذا لم ننجح هذه المرة، فنحن نزرع بذور أزمات طاقة في المستقبل .. ليس أزمة واحدة فقط بل عدة أزمات”.
وهذا الموقف تتبناه معظم دول أوبك بقيادة العضو البارز السعودية، والمنتجون من خارجها بقيادة روسيا ضمن كارتل أوبك+، إذ أن الاستثمار الأخضر سيحتاج إلى وقت طويل للوقوف على النتائج من حيث تقليص التكلفة والانسجام مع البيئة.
وأبدى الغيص تفاؤلا بأن صانعي السياسات في مؤتمر (كوب 27) سيكونون أكثر انفتاحا على الاستماع إلى وجهة نظر قطاع النفط في النقاش الدائر حول تغير المناخ.