صندوق النقد ممتعض: حكومة ميقاتي تلعب.. لتبرئة المصارف

حمل الوفد اللبناني المفاوض خلال المشاورات الأخيرة العناوين العريضة لما يعتبره خطته الماليّة. وهي تقوم على تقدير خسائر النظام المصرفي بنحو 69 مليار دولار، فيما تعتمد- لمعالجة هذه الخسائر- على سداد نحو 55 في المئة من الودائع المصرفيّة المدولرة بالليرة اللبنانيّة، وبأسعار صرف متباينة. مشكلة الصندوق الأولى مع مقاربات الحكومة، والتي جعلته يعتبر أن المطروح لا يؤسّس لخطة ماليّة جديّة، تكمن في طريقة تقدير الخسائر المصرفيّة. فحجم الخسائر الذي تقدّره الحكومة يقل بنحو 30 مليار دولار عن حجم الخسائر الواقعي الذي يفترض أن تلحظه الخطّة، إذا ما أخذنا في الاعتبار حسابات شركة لازارد في شهر نيسان 2020، مع احتساب الخسائر الإضافيّة التي تراكمت منذ ذلك الوقت. ولهذا السبب بالتحديد، تركّز جزء أساسي من المشاورات على تحفّظ وفد الصندوق على حجم الخسائر المعترف به، بمعزل عن الوسائل المقترحة لمعالجة هذه الخسائر.

وتشير مصادر متابعة إلى أن الاستشاري المالي لازارد كان قد حذّر الحكومة، قبل انطلاق جولة المحادثات الأخيرة، من تحفّظ وفد الصندوق المتوقّع على المقاربات المختارة لاحتساب الخسائر، والتي قلّصت الفجوة الماليّة التي تتعامل معها الخطّة بشكل غير منطقي. مع الإشارة إلى أن الوصول إلى هذا الرقم جرى بعد اعتماد الوفد اللبناني المفاوض على بعض المقاربات التي دفع في اتجاهها حاكم مصرف لبنان لتقييم الخسائر، والتي أبدى صندوق النقد اعتراضه عليها في جولات التفاوض السابقة خلال العام 2020. وهذا يعني أن تحفّظ الصندوق الحالي على الرقم الجديد كان متوقّعًا منذ البداية.

تركز اعتراض الصندوق الأساسي على المعالجات التي يقترحها الوفد اللبناني المفاوض للتخلّص من فجوة الخسائر المصرفيّة، وتحديدًا على الآثار النقديّة المتوقّعة لهذه المعالجات. فاللجوء إلى تصفية الودائع تدريجيًّا، على مدى 15 سنة، عبر تسديدها بالليرة اللبنانيّة، كفيل بتكريس اختلال التوازن النقدي طوال هذه المدّة. وهذا ما يفاقم من آثار الانهيار المالي على المدى الطويل بدل معالجته. لا بل من المتوقّع أيضًا، ونتيجة استمرار تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي، أن يستمر ارتفاع قيمة الدين السيادي بالدولار مقابل الناتج المحلّي الإجمالي. وهذا من شأنه أن يطيح محاولة إعادة الدين العام إلى مستويات مستدامة وقابلة للسداد على المدى الطويل.

ببساطة، ما طرحه الوفد اللبناني كان بعيداً كل البعد عن معايير صندوق النقد لخطط الإنقاذ الماليّة، وخصوصًا لناحية استدامة المعالجات وتكامل المعالجات المصرفيّة مع السياسات النقديّة والماليّة التي ستعتمدها الحكومة ومصرف لبنان. وبدا واضحًا أن الصندوق لم يقتنع بانسجام الموازنة العامّة التي عملت عليها الحكومة مؤخرًا مع رؤية الحكومة للتصحيح المالي والنقدي على المدى المتوسّط. فالموازنة لم تحمل في طيّاتها أبسط الخطوات الإصلاحيّة التي يفترض أن تكمّل خطّة التصحيح المالي التي تطرحها الحكومة. ولكل هذه الأسباب، خرج الصندوق بانطباع مفاده أنّ حكومة ميقاتي “غير جديّة” حتّى اللحظة في ما يتعلّق بالطروحات التي تقدّمها، وعليها أن تقوم بالكثير من الخطوات الإضافيّة قبل إطلاق المفاوضات الجديّة مع صندوق النقد.

من الواضح أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي انجرّ قبل انطلاق جولة المحادثات الأخيرة مع الصندوق خلف توجّهات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ووزير الماليّة يوسف الخليل، والتي حاولت الزج بمقاربات سلامة في الخطّة الحكوميّة في محاولة لرفع السقف في مواجهة وفد صندوق النقد، قبل انطلاق جولات التفاوض الرسمي. لكنّ ميقاتي سرعان ما أدرك، بعد جولة المحادثات الأخيرة مع الصندوق، أن هذه الخطوة أفقدت خطة حكومته مصداقيّتها أمام وفد الصندوق. وهذا ما أدّى إلى عرقلة انطلاق المفاوضات الرسميّة بشكل تام. بمعنى آخر، أدرك ميقاتي أن انجراره خلف مقاربات سلامة قد تطيح بمسار التفاوض مع صندوق النقد بشكل نهائي في المستقبل.

لهذا السبب بالتحديد، بدأ ميقاتي بإظهار بعض التحوّل في موقفه خلال الأيام الماضية، من خلال الطلب من شركة لازارد إعادة صياغة مقاربات مختلفة لاحتساب الخسائر المصرفيّة، بما يتماشى مع الملاحظات التي وضعها وفد صندوق النقد الدولي خلال المحادثات الأخيرة. كما طلب ميقاتي من الوفد اللبناني المكلّف بالتفاوض مع الصندوق ببدء العمل على مقاربات مختلفة لمعالجة الخسائر، لإعادة إطلاق المحادثات مع صندوق النقد على أساسها، على أمل إقناع الصندوق بجديّة هذه المقاربات كأساس لصياغة الخطة الحكوميّة.

 

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةتركيا ترفع الحظر عن استيراد الخردة من لبنان
المقالة القادمةتعرفة مواقف السيارات: مدخل إضافي لنهب الأموال