طعام الشوارع يغزو الضاحية: العربات بدل المطاعم

تُعد فئة الشباب الفئة الأكثر تأثراً وتضرراً بالأزمة الماليّة في لبنان. فبعد انهيار الليرة اللبنانيّة أمام الدولارالأميركي، وما تبعه من تضخّم مالي، وانعدام فرص العمل، وتبخّر قيمة المداخيل، وهجرة أصحاب الشركات الكبرى وإقفالها.. لم يكن أمام الشاب اللبنانيّ سوى خيارين لا ثالث لهما: الاستسلام أو الكدح. وعليه، فقد أقبل عدد كبير من الشبّان على مهنة تقليديّة وعصرية في آن معاً، وهي “طعام الشوارع” أو ما يُعرف بـFood truck.

يروي علي علويّة لـ”المدن”، عن عربة طعامه المتنقّلة. وهو متزوج وأب لطفلين، في العقد الثالث من العمر، درس الفندقية وإدارة الأعمال، وعمل في شركات متعددّة لأكثر من 10 سنوات. وبسبب إقفال شركة عمله الأخير، بسبب الوضع الاقتصادي، قرر المجاذفة بما يملك من رأس مال، وقام بشراء عربة طعام مجهزة ببعض المعدات المطبخية، لإنشاء عمل خاص به أطلق عليه إسم “magnifico”.

تعد خطوة علي جريئة وخطيرة في ظل انهيار الليرة اللبنانية. ولكنه فضّل الخوض في هذه التجربة لاستثمار ماله. فإذا لم تحقق أرباحاً فهو قادر على بيعها واسترداد ولو جزء من ماله. وعلى خطى الشيف التركي بوراك، قرر اعتماد مأكولات غير متاحة في الضاحيّة الجنوبيّة، وابتكار أصناف جديدة، فعمد إلى انتقاء اللحمة المعتمدة في المطاعم خارج لبنان، وهي الرقيقة جداً، والتي يحتاج تحضيرها لأكثر من 7 ساعات سلق، كما أضاف بعض الأطعمة المكسيكية إلى لائحة طعامه المتواضعة. وقد حدّدها بثلاثة أصناف فقط، وبصنف جديد ليوم واحد فقط كل أسبوع. وذلك لجذب الزبائن وإضفاء بعض الحماسة.

لا يتخطى ربح علي 30%. فهو يعتمد مبدأ “الربح القليل مقابل البيع الكثير”، وذلك لتمكين الفقراء من تذوق أصنافه. ولا ينكر المنافسة الكبيرة الموجودة في المنطقة بسبب كثرة عربات الطعام، وتنوعها. فهم لجؤوا إلى الشارع لعدم قدرتهم على استئجار محل ودفع رسوم كهرباء وديكورات، وما يتطلب أي محل من تكاليف باهظة. وعلى الرغم من مصاريفه الكبيرة يومياً، من غاز و تجهيزات وطعام، إلا أنها -على حد قوله- تظل أرحم من إيجار محل.

من جانب آخر يشرح إبراهيم رمّال، وهو صاحب عربة لبيع “الكريب” في منطقة الرويس عن فكرة عمله، التي ولدت من وضعه الاقتصادي المتردي، بعد خسارته لعمله في مدرسة بسبب انتهاء عقده. وهو في أواخر العقد الثاني، متزوج وأب لطفل. وقد اشترى عربة صغيرة لئلا يظل عاطلاً عن العمل، وقام بتوسيعها تدريجياً لتصبح عربة متنقلة مزوداً أيضاً بخدمة الديليفري.

يوضّح إبراهيم تأثره الكبير بالأزمة الاقتصادية التي جعلته عاجزاً عن إيجار محل، فلجأ للعربة التي وفرت عليه تكاليف عديدة؛ فالمحل بحاجة لرأس مال كبير يتوزع بين إيجار لا يقل عن 200$ حسب الصرف اليومي، ورسوم اشتراك الكهرباء الذي يصل إلى مليونين ونصف المليون ليرة شهرياً، إضافة إلى كميات كبيرة من البضائع ورواتب موظفين وتكلفة ديكور والصيانة والكثير غيرها.. لذا، عمد إلى حصر عمله في العربة، التي وضع لها شوادر لتحميه من هطول الأمطار، وشاشة صغيرة لفواتير الطلبيات.

يقوم ببيع الكريب بأنواع متعددة “شوكولا، حليب، أوريو، لوتس..”، إضافة إلى أكواب البراونيز، بأسعار ينافس بها المحلات لاستقطاب الطبقة الفقيرة. فالكريب الواحدة بـ25 ألف ليرة، بينما تباع في باقي محال الحلويات بـ45 ألفاً وما فوق.

أما محمد سلامة فقد ورث هذه المصلحة عن أبيه. وهو صاحب عربة ثابتة لبيع الفول والذرة. وهو متزوج في أواخر العقد الثالث، ويعتاش وعائلته من مدخول هذه العربة. منذ السادسة مساءً يتجه إلى موقعه الذي اعتاد عليه زبائنه، على عربة حديدية موصولة بأنبوبة غاز، ينشر أصنافه المتعددة التي تفوح منها الرائحة الطيبة، من حبوب الذرة، والفول والحمص، والقمح المسلوق المغطس بجوز الهند والعسل. وعلى أطراف العربة، يوزّع العلب البلاستيكية البيضاء والأكياس.

ينقسم زبائنه بين وجوه جديدة وهي المارة، وبين المداومين اليوميين الذين يقصدونه. فهو يراعي بأسعاره على نحو يجذب سكان المنطقة وجوارها. وقد حافظ على انخفاض أسعاره رغم ارتفاع سعر الدولار إلى حدود 23 ألف ليرة. معظم زبائنه من الفقراء الذين يقصدوه لشراء صحن حبوب الذرة “العرنوس”مع الحامض بـ13 ألف ليرة. وقد وفّر لهم خدمة الديلفري أيضاً. وهو كغيره من أصحاب المصالح الذين تضرّروا من ارتفاع الأسعار الجنونيّ. فهو يحتاج كل يومين إلى قارورة غاز. وهذه يرتفع سعرها تدريجياً. كما أنه بحاجة لسلع متعددة، كالحليب المكثف والعسل وجوز الهند والبهارات وغيرها.. التي تتغير أسعارها يومياً. ويعلل انجذاب الزبائن لأكل الشوارع بأنهم يفتشون عن الأقل سعراً. فالمطاعم أضحت أسعارها خيالية وأصحاب العربات باتوا ملجأهم الوحيد.

مصدرالمدن - فرح منصور
المادة السابقةزيارة أوغلو: استعداد تركي لمساعدة الجيش وبالطاقة وإعمار المرفأ
المقالة القادمةميقاتي وفرنجيّة يتسابقان لخدمة المصارف: تحويل الودائع إلى أسهم