ميقاتي وفرنجيّة يتسابقان لخدمة المصارف: تحويل الودائع إلى أسهم

من خارج سياق أي خطّة اقتصاديّة، تقدّم النائب طوني فرنجيّة بمقترح قانون يقضي بالسماح للمودعين باستخدام ودائعهم العالقة داخل النظام المصرفي، لشراء أسهم في شركات خاصّة تتملّك معامل الكهرباء. وريث الزعامة الزغرتاويّة استعرض في مقابلات تلفزيونيّة مقترحه بوصفه ابتكاراً عبقرياً يصيب عصفورين بحجر واحد: تأمين الأموال اللازمة لتمويل مشاريع الكهرباء، ومعالجة أزمة المودعين في الوقت نفسه. في المقابل، يتجاهل هذا الاستعراض السطحي والساذج جميع التفاصيل التقنيّة، التي تؤكّد أن هذا المشروع يصب في مصلحة المصارف وأصحابها، على حساب المودع والاقتصاد المحلّي والدولة وما تبقى من احتياطات في مصرف لبنان.

من الناحية العمليّة، لا تنطوي فكرة فرنجيّة على أي ابتكار أو ذكاء خارق. فما يطرحه ليس سوى “قوطبة” على خطّة حكومة ميقاتي الاقتصاديّة، التي يعمل ميقاتي حاليّاً على تضمينها هذا المقترح بالتحديد بالنسبة إلى قطاع الكهرباء، بدفع ودعم فرنسي. وهذا المقترح يستهدف في المحصّلة تخفيض خسائر القطاع المصرفي، والتقليل من قيمة الالتزامات المترتبة على القطاع كودائع، عبر “تمليك” المودعين أصولاً أو استثمارات في قطاع الكهرباء، مقابل ودائعهم المصرفيّة، باعتماد نماذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص. أما المتضرّر الأكبر، فسيكون المودعين أنفسهم، الذين سيتحمّلون نسبة كبيرة من الاقتصاص من قيمة ودائعهم، مقابل تحويلها إلى أسهم في هذه الشركات، ومن ثمّ انتظار أكثر من 20 سنة لضمان استرداد قيمة الأسهم في ظل مخاطر كبيرة لا تحصى.

في الخلاصة، وبالتوازي مع الخلاف السياسي القائم بين ميقاتي وفرنجيّة في المرحلة الراهنة، وتحديداً في ملف الأزمة التي اندلعت بعد تصريح وزير الإعلام، يبدو أن كلاهما تسابقا لاستعراض تبنّي هذه الفكرة التي تريح المصارف، وتحظى برضى وتشجيع فرنسي.

خطّة ميقاتي ستعطي المودع حق تحويل وديعته إلى أسهم في شركات خاصّة تمتلك معامل الكهرباء، مع تحميله خسارة تصل إلى 66% من قيمة الوديعة مقابل تملّك هذه الأسهم. وبعد تملّك الأسهم، سيكون على المودع انتظار فترة تصل إلى حدود 20 سنة، لاستعادة قيمة الاستثمار من خلال أرباح الشركة الموعودة. أما تمويل هذا المشروع الفعلي، بعد تمليك أسهمه إلى المودعين، فسيكون من احتياطات مصرف لبنان المتبقية، التي سيتم تحميلها قيمة العمليّة بالدولار النقدي مقابل الأسهم التي سيحصل عليها أصحاب الودائع.

وبهذه الطريقة، ستتخلّص المصارف من جزء من التزاماتها للمودعين، ما سيخفّض من قيمة الخسائر المتراكمة في ميزانيّاتها، ومن كلفة التصحيح المالي التي سيتم تحميلها لرساميل وأصحاب المصارف. أما كلفة العمليّة على المودع، فلن تقتصر على نسبة الاقتصاص المرتفعة من قيمة وديعته (نحو ثلثي الوديعة)، ولا على فترة الانتظار الطويلة التي سيتحملها قبل استرداد قيمة الأسهم، بل ستشمل أيضاً حجم المخاطر المحيطة بالمشروع.

في الواقع، كان بإمكان الدولة الاعتماد على الاستثمار الخارجي وحده، إذا أصرّت على اعتماد نموذج الشراكة مع القطاع الخاص لإنعاش قطاع الكهرباء. وهو استثمار كفيل باستقطاب السيولة بالعملة الصعبة من الخارج، وضخ هذه السيولة في شرايين الاقتصاد المحلّي والنظام المالي. وهذه الاستثمارات، كانت كفيلة أيضاً بتحييد احتياطات مصرف لبنان عن الاستنزاف الناتج عن ضخها في مشاريع معامل الكهرباء، وفق الخطة المطروحة حالياً. أما الدولة فستكون بذلك قادرة على الحصول على الاستثمارات المطلوبة في القطاع من الخارج، مع امكانيّة إجراء مناقصات للحصول على أفضل شروط من الشركات الأجنبيّة، بدل حصر الخيارات بالشركة المحليّة الهشّة التي سيملكها المودعون السابقون.

أهم ما في الموضوع، هو أن الدولة تملك اليوم كميّة من السيولة التي حصلت عليها من حقوق السحب الخاصّة التي منحها صندوق النقد الدولي. وهذه سيولة يمكن استخدامها لاستثمار الدولة في هذا النوع من المشاريع، بالشراكة مع الرساميل التي يمكن استقطابها من الخارج، إذا أراد لبنان الإبقاء على مساهمة الشركات الخاصّة التي تملك الخبرة في القطاع، لضمان نجاح الاستثمار. وهذا النموذج، يمكن أن يضمن للدولة نسبة من أرباح الاستثمارات على المدى الطويل بالعملة الصعبة، بما يساهم في تمويل شراء المحروقات لمؤسسة كهرباء لبنان.

هذا المشروع المؤذي للدولة والمودع والمصرف المركزي والاقتصاد المحلّي، ليس سوى أحد أشكال التملّص من تحميل المصارف كلفة التصحيح المالي، وتفادي تحميل أصحاب المصارف نسبة وازنة من الخسائر المترتبة في الميزانيّات.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةطعام الشوارع يغزو الضاحية: العربات بدل المطاعم
المقالة القادمةموظفو الادارة العامة تدعو إلى الاجتماع غدا لمناقشة التوصية بالعودة للاضراب المفتوح