طعون بالجملة بموازنة 2022: هل تُعلَّق “ضريبة الدخل” الشوهاء؟

كما جميع الموازنات العامة، اعتمدت الحكومة في موازنة 2022 سياسة ضريبية غير مدروسة، تقوم بشكل أساسي على الاقتطاع من مداخيل اللبنانيين مهما بلغت قيمتها، فلا فارق بين تاجر أو موظف، بين ميسور أو محدود الدخل.. الجميع “سواسية” بنظر السلطة التي تنتهج سياسة الجباية من دون تقديم أي خدمات للمكلّفين.

وليس من المبالغة القول أن الدولة لا تقابل جباية الضرائب بأي خدمات على الإطلاق، فتغطية الدولة تغيب اليوم عن الطبابة والتعليم والحماية الاجتماعية بشكل شبه كلّي، حتى تعويضات نهاية الخدمة فقدت نحو 90 في المئة من قيمتها وباتت بحكم الزائلة.

طعنان في اتجاهين

بعد دخول الموازنة العامة حيز التنفيذ في 15 تشرين الثاني الجاري، بدأت تتوالى الطعون بالقانون، لما يتضمنه من مخالفات جوهرية تستدعي تعليق العمل به. أولى الطعون المقدّمة أمام المجلس الدستوري معدّة من قبل النائبة بولا يعقوبيان وموقعة من 12 نائباً. ويقوم هذا الطعن على مخالفة عدد من المواد الواردة في الموازنة من بينها المواد 32 و83 و84 وغيرها. وتتركز المواد المذكورة على إقرار قانون الموازنة خارج المهل الدستورية، وإقرارها من دون قطع حساب، وغياب العدالة الضريبية والاجتماعية في مقاربة العديد من المواد. كما أن الموازنة حسب ما تم التصويت عليها تختلف عما نُشر بالجريدة الرسمية(!) وهذا سبب إضافي أورده النواب المتقدمون بالطعن في سياق موجبات الطعن.

أما الطعن الثاني فيعمل على تحضيره عدد من محامي منظمة Reform (وهي منظمة مختصة بالدراسات التشريعية تعمل على تطوير وإصلاح التشريعات والنظم القانونية) يستهدف قرار وزير المال، الذي يحدّد فيه سعر الصرف المعتمد في تحصيل ضريبة الدخل. ويعبّر الطعن عن المئات من موظفي القطاع الخاص، الذين يتعرّضون لعملية اقتطاع كبيرة من رواتبهم تحت مظلة ضريبة الدخل.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن موازنة 2022 أوردت في متنها مفهوم “السعر الفعلي” في المادة 25، على أن يتم تحديده بقرار مشترك بين وزير المال ومصرف لبنان. وبناء على ذلك أصدر وزير المال قراراً اعتمد فيه سعر دولار منصة صيرفة لتحصيل ضريبة الدخل من فئة محددة من الموظفين.

هذه الآلية ثبّتت بصورة نهائية، حسب المحامي كريم ضاهر، مسار سعر الصرف للضرائب والرسوم (باستثناء الرسوم الجمركية) على سعر منصة صيرفة. وبالتالي، يكون سعر المنصة قد أُعطي الصيغة التشريعة بموجب موازنة 2022.

ضريبة الدخل مجحفة

وتعتبر المحامية من reform دينا أبو زور، أن ضريبة الدخل غير عادلة على الإطلاق، لا بل مجحفة جداً بحق الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم بالعملة الأجنبية، وكذلك على أولئك الذين يتقاضون رواتبهم باللولار، أي الدولار المصرفي. وتؤكد أبو زور في حديثها إلى “المدن”، أن ضريبة الدخل تفتقد للحد الأدنى من العدالة الاجتماعية لأسباب عديدة، أبرزها أن الشطور الضريبية الجديدة تختلف عن الشطور الضريبية السابقة. كما أن سعر الصرف المعتمد لاحتساب ضريبة الدخل هو منصة صيرفة، بمعنى أن سعراً متحرّكاً للدولار يتحكم بالاحتساب. أضف إلى غياب أي خدمات أو تقديمات اجتماعية للموظفين، مقابل زيادة الأعباء الضرائبية على كاهلهم.

وتعمل أبو زور على تحضير طعن بقرار وزير المال القاضي بتحديد سعر منصة صيرفة لاستيفاء ضريبة الدخل من الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار، وتصل نسبة الضريبة من مداخيلهم إلى حدود 25 في المئة، أي ربع مداخيلهم. وهي نسبة تقارب نسب الضريبة المستوفاة من التجار والمؤسسات الربحية.

كما تسأل أبو زور: كيف يمكن ربط استيفاء ضريبة الدخل لشريحة من الموظفين بسعر دولار متحرك وهو سعر منصة صيرفة، في مقابل استمرار اعتماد التعويضات سعر الصرف الرسمي الحالي أي 1500 ليرة؟ وتقول أن النظام الضريبي في لبنان يستلزم وضع سياسة ضريبية شاملة، لا تستثني اعتباطياً أي فئات على غرار استثناء موازنة 2022 الأملاك البحرية من الضريبة، وتأخذ بالاعتبار التقديمات الاجتماعية وتعويضات نهاية الخدمة.

وحسب خبراء قانونيين، هناك طريقان لتعليق العمل بضريبة الدخل. الأول من قبل المجلس الدستوري، من خلال قبوله الطعن بعدد من مواد الموازنة، والثاني من قبل مجلس شورى الدولى في حال قبول الطعن بقرار الوزير.
ولا يستبعد المحامي كريم ضاهر قبول المجلس الدستوري الطعن بمواد معينة، باعتبار وجود سابقة في هذا الإطار، في العامي 2017 و2018، حين تم إبطال مواد محددة من الموازنات العامة في حين استمر العمل بالموازنات.
ويرى ضاهر في حديث إلى “المدن” أن من غير المنصف ان يدفع الموظف الذي يتقاضى نحو 2000 دولار نسبة وسطية بين 21 و25 في المئة ضريبة دخل، في حين أن القدرة الشرائية تتراجع بشكل مستمر، والأسعار ترتفع والخدمات والتقديمات الإجتماعية غائبة تماماً، محذراً من أن نتيجة اللاعدالة الضريبية ستنعكس هجرة للموظفين والمؤسسات، كما سيحفز هذا الأمر التهرب الضريبي والاقتصاد غير الشرعي.

حراك باتجاه ضريبة الدخل

وقد لاقت ضريبة الدخل اعتراضات من قبل عدد من النواب، منهم النائبان رازي الحاج وغادة أيوب، اللذان بحثا مع وزير المال في مجموعة القرارات التي صدرت عنه وعن حاكم مصرف لبنان، والتي لها علاقة بالشطور الضريبية وكيفية إحتساب الضريبة على الرواتب والأجور بالفريش دولار. وقد وعد الوزير يوسف خليل بإعادة النظر بكل القرارات والأخذ بكل الاقتراحات التي ترد إلى الوزارة، واتخاذ القرار المناسب الذي يؤمن مصلحة المكلفين، بالإضافة إلى العمل على تحقيق التوازن ما بين الحاجة إلى الواردات ومصلحة المكلفين.

مصدرالمدن - عزة الحاج حسن
المادة السابقةحرب التكنولوجيا: الصين مطوقة بمبيعاتها ووارداتها
المقالة القادمةبحث “الأموال القديمة” تحضيرٌ لشطبها؟