طمعاً بالدولار: لبنان يحمل أزماته إلى قمة المناخ بمصر

ذهب لبنان إلى مؤتمر قمة المناخ 27 COP، في مصر، وسط مواجهته أزمة بنيوية تجعل من الحديث عن الاهتمام بالبيئة وتلوّث المناخ والعمل على خفض الانبعاثات، والاعتماد على الطاقة المتجدّدة… نوعاً من التَرَف لدى البعض. لكن في الوقت عينه، فإن الفاتورة الاقتصادية والصحية التي يتكبّدها الأفراد والدولة، ترتفع مع زيادة معدّلات التلوّث والإصرار على اعتماد مصادر الطاقة التقليدية.

الواقع اللبناني

الوفد اللبناني الذي يقوده رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، لن يجد أمامه خلال عرضه للتجربة اللبنانية في ملف المناخ، سوى صُوَر الانبعاثات السوداء من معامل الكهرباء والترابة ومشاهد التعدّي على المياه والتربة والنباتات، خصوصاً في ما يتعلّق بمشاريع السدود. بالإضافة إلى حقائق مشاريع الصرف الصحيّ التي نتج عن سوء إدارتها، اجتياح وباء الكوليرا. أما المطامر والمقالع والكسّارات، فحدّث ولا حرج.

علماً أن لبنان وَضَعَ نظرياً، خططاً للحدّ من التلوّث وللتوجّه نحو اعتماد الطاقة البديلة، وتحديداً في ملف الكهرباء. ووَرَدَ ذلك ضمن ما سمّي بورقة سياسة قطاع الكهرباء في العام 2010، والتي تنص على قيام وزارة الطاقة بمشاريع تعتمد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والمياه، على أن يؤتى بثمار الخطة بدءاً من العام 2020. وكان وزير الطاقة الأسبق سيزار خليل قد شدّد في العام 2018 على اتجاه الوزارة نحو “زيادة مستوى الاعتماد على الطاقة البديلة، بالتوازي مع تخفيف حجم الإستهلاك النفطي بحوالى 767 كيلوطن، وضخ استثمارات عبر مشاريع تفوق قيمتها الـ1.7 مليار دولار”. ولأنّ الخطابات لا تتطابق في لبنان مع الانجازات على أرض الواقع، كانت النتيجة صفقات تحت غطاء مشاريع معطَّلة.

وبدل تنفيذ ما تعهّدت به الوزارة في ورقتها، وصل الأمر إلى اعتماد الفيول غير المطابق للمواصفات لتشغيل المعامل، فكانت الانبعاثات الموثّقة ببيان لمؤسسة كهرباء لبنان، يقول بأن المؤسسة اضطرت إلى استعمال فيول غير مطابق للمواصفات “بعد أخذ موافقة كل من رئيس مجلس الوزراء (نجيب ميقاتي) ووزير الطاقة والمياه (وليد فيّاض) على هذا التدبير، وذلك تفادياً للوقوع في المحظور في البلاد، وتجنباً للعتمة الشاملة في لبنان، وما يترتب عن ذلك من تداعيات اقتصادية، اجتماعية وصحية على البلاد”.

وجود مُحرِج

بالارتكاز إلى عجز الحكومات والوزارات والمؤسسات الرسمية عن مواجهة ما آلت إليه الأحوال في البلاد، يصبح وجود لبنان في مؤتمر قمة المناخ، مُحرِجاً. فكيف في الوقت نفسه، يترافق الحَرَجُ بفعل الفشل، مع عدم مصارحة الرأي العام اللبناني بـ”ما يحمله الوفد من خطة لمكافحة التلوث والانبعاثات”، على حد تعبير دكتورة الكيمياء في الجامعة الأميركية والخبيرة في قضايا التلوث، النائبة نجاة عون صليبا.

وفي حديث لـ”المدن”، تتساءل صليبا حول “عدم وجود أي مُشَرِّع في الوفد اللبناني، ليتناول الجانب التشريعي من خطط المناخ”. ولذلك، تضع صليبا الوفد، أمام مسؤولية عرض خطّة “بدل التكهّن حول آليات الحد من التغيّر المناخي”. وتجزم أن لبنان “دولة موبوءة”. الأمر الذي يجعل المساهمة في الحد من التلوث أمراً مستحيلاً. ذلك أن مصادر المياه ملوثة، والكوليرا ما زالت تتفشّى، ولا قوانين تحد من الانبعاثات، وأحوال الناس المادية تجعلهم بمنأى عن استبدال سياراتهم الحالية بأخرى صديقة للبيئة، كما أن الصناعة بحلٍّ من أي رقابة. وعليه، لا خطة للعام 2030.
ولتثبيت الإحراج والفشل، ذكّرت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، خلال لقائها ميقاتي على هامش القمة، على ضرورة “الإسراع في الخطوات المطلوبة لبنانياً لتوقيع الاتفاق النهائي مع الصندوق قبل انشغال العالم بملفات أخرى”، انطلاقاً من تأكُّد الصندوق والمجتمع الدولي من المماطلة اللبنانية في إجراء الإصلاحات. وفي السياق، كيف يمكن الوثوق في التزام دولة لا تُجري إصلاحات تنتشلها من أزمتها؟

الإجابة موجودة سلفاً في تقرير سابق للبنك الدولي، بعنوان “تقرير المالية العامة في لبنان: مخطط تمويل بونزي؟”. وكشف التقرير أن إفلاس النظام متعمَّد، وأن تمويل الخدمات العامة الأساسية (المياه، والكهرباء، والنقل، والرعاية الصحية، والتعليم، والحماية الاجتماعية) بقي منقوصاً بشكل خطير ولوقت طويل. وهذا الواقع، يعني أن مَن يُناط به المشاركة في حلّ أزمة المناخ وتداعياتها، هو مساهم في تغيير المناخ وتفشّي انعكاساته السلبية عن طريق تلويث البيئة.

تحديات التمويل

ما تناقشه وفود تمثّل أكثر من 190 دولة وممثلي المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بشؤون البيئة والمناخ، ليس بالأمر السهل. وتزداد صعوبته أمام تحديات التمويل في ظل المتغيّرات السياسية والاقتصادية الدولية، والتي فرضتها محطّات مثل انتشار فيروس كورونا والحرب في أوكرانيا.

وأمام التحديات، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، من أن “احتياجات التكيّف مع التغيرات المناخية سترتفع إلى أكثر من 300 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030”. ونبّه في كلمة له خلال المؤتمر، إلى ضرورة “تبنّي خارطة طريق لإيصال مساعدات التكيّف مع تغيرات المناخ التي تعهدت الدول الغنية بتقديمها للدول النامية خلال مؤتمر المناخ في غلاسكو (مؤتمر COP 26 المنعقد في العام الماضي) البالغ قيمتها 40 مليار دولار، بحلول عام 2025”. وما لم تجرِ الاستجابة، وفي حال استمر ارتفاع انبعاثات الغازات ودرجات الحرارة، فإن كوكبنا سيقترب حينها من نقطة اللاعودة، وسط الفوضى المناخية التي ما عاد ينفع معها إلاّ الوصول إلى “صفر انبعاثات للغازات”، من أجل خفض ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض بمعدل درجة ونصف. وهو هدف لا يمكن تحقيقه نظرياً قبل العام 2050. فيما الوصول إلى هذا الهدف يزداد صعوبة.

إذا كان غوتيريش قلقاً من مسألة التمويل، لما لها من أهمية حاسمة في نجاح خطط مكافحة تغيّر المناخ، فماذا يمكن للبنان أن يفعله، وهو العاجز مالياً؟

يدعو غوتيريش إلى “توفير مساعدات مالية للشعوب التي تعاني من تداعيات ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة والخسائر الناجمة عن أزمات المناخ”. ولأن هذه المواصفات تنطبق على لبنان، فهو سيتسلّل نحو طلب المساعدات المالية لتنفيذ التعهدات التي سترشح عن القمة. ولأن المساعدات المفترضة بالدولار، ستنفتح الشهية اللبنانية.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةرابطة المودعين: “الكابيتال كونترول المشوَّه” يشرعن الجرائم المصرفية
المقالة القادمة“كهرباء الدولة” تدخل البورصة… ليست “أرحم” من المولدات!