عجز ميزان المدفوعات يطيح بكل الموازين

سجّل ميزان المدفوعات، وهو خلاصة العمليات المالية التي تمت بين لبنان من جهة ومختلف البلدان الأجنبية، عجزاً قارب 2 مليار دولار في شهر آب وحده، ليرتفع العجز التراكمي في هذا الميزان في الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي إلى 7.5 مليارات دولار، مقابل عجز أدنى بلغ 5.9 مليارات دولار في الفترة ذاتها من العام الماضي. وذلك بحسب تقرير “الوضع الاقتصادي لشهر آب” الصادر عن جمعية المصارف في لبنان.

تتمثل أهمية التركيز على أرقام ميزان المدفوعات من كونه يوفّر معلومات مفصلة بشأن العرض والطلب على العملة الوطنية. وبالتالي فان العجز الهائل في هذا الميزان منذ بداية العام يدحض كل التوقعات الوهمية بامكانية انخفاض الليرة مقابل الدولار. ويؤكد أن التراجع المرحلي في سعر الصرف هو نتيجة تدخلات سياسية غير منطقية، وليس وليد تحسّن المؤشرات الإقتصادية.

أسباب العجز

المفارقة ان العجز في ميزان المدفوعات يتزامن هذا العام مع انخفاض حجم أحد مكوناته الاساسية المتمثل بالميزان التجاري. فكما تشير أرقام “ملخص الوضع الاقتصادي” فان قيمة الواردات السلعية تراجعت منذ بداية العام بنسبة 50 في المئة بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام 2019، كما ان الكميات المستوردة تراجعت بنسبة 40.2 في المئة. هذا الواقع يترافق أيضاً مع توقف الدولة عن سداد ديونها الخارجية وفوائدها بالعملات الأجنبية منذ بداية العام.

هذه العوامل مجتمعة تشرّع التساؤل عن أسباب إرتفاع العجز في ميزان المدفوعات، ولماذا فاقت قيمة الدولارات الخارجة من لبنان تلك الواردة اليه بقيمة 7.5 مليارات دولار في ثمانية أشهر؟

بحسب المعطيات المتوفرة في “الملخص” فان انخفاض الواردات بنسبة 50 في المئة ترافق مع انخفاض في الصادارت بنسبة 8.2 في المئة خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي، بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. فتراجعت قيمة الصادرات في هذه الفترة من 2464 مليون دولار في العام 2019 إلى 2261 مليوناً هذا العام. إلا ان هذا التراجع بقيمة 203 ملايين دولار لا يؤدي بطبيعة الحال إلى هذه “الطبشة” الكبيرة في ميزان المدفوعات. وعليه فان تحليل هذا العجز الزائد في ميزان المدفوعات بنسبة 40 في المئة بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، يقود المستثمر في الأسواق المالية الناشئة صائب الزين إلى القول ان “سبب العجز في ميزان المدفوعات، يعود إلى الفارق الكبير في التدفقات المالية الخارجة من الاقتصاد بالمقارنة مع تلك الداخلة. فعلى الرغم من انخفاض قيمة الحساب الجاري في ميزان المدفوعات لهذه الفترة من 11.3 مليار دولار إلى 4.6 مليارات فان التحويلات والاستثمارات الأجنبية المباشرة تراجعت بدورها، كما قامت المصارف ومصرف لبنان بتسديد التزامات مستحقة تجاه صناديق ومؤسسات وبنوك في الخارج؛ منها ما لا يقل عن 2 مليار دولار من أصل مبلغ يتراوح بين 7 و 8 ملايين، قدّرتها مصادر مصرف لبنان كالتزامات مصرفية تجاه الخارج. وتحويلات غير محددة بدقة لنافذين جرت في بداية العام، استفادت من غياب قانون الكابيتال كونترول. وهو ما أدى في الوقت نفسه الى تراجع الاحتياطي بالعملات الاجنبية في مصرف لبنان بقيمة قريبة منها”.

%61 من الناتج

في الوقت الذي يرتفع فيه العجز في ميزان المدفوعات بمعدل مليار دولار شهرياً، انخفض الناتج المحلي الإجمالي بتقديرات صندوق النقد الدولي من حدود 52.5 مليار دولار في العام 2019 إلى 18.7 ملياراً هذا العام. وإذا بقي ارتفاع العجز في الميزان التجاري مستمراً على الوتيرة نفسها، فمن المتوقع ان يصل في نهاية العام إلى حدود 11.5 مليار دولار، او ما يعني 61 في المئة من حجم الناتج المحلي. وهو رقم مرعب يفوق أسوأ السيناريوات الموضوعة بما خص تدهور الوضع الاقتصادي في لبنان. وبحسب الزين فان “هذا التعديل الاقتصادي الفوضوي الذي يمر به لبنان والذي يتلخص بـ: خسارة الليرة 80 في المئة من قيمتها، تنفيذ “كابيتال كونترول” انتقائي وغير رسمي، توسع هائل خلال عام واحد في الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية M1، كان السبب الاساسي لتضخم مفرط وارتفاع هائل في الأسعار. ممارسة المصارف اقتطاعاً عشوائياً على جميع الودائع بالدولار بنسبة 65 في المئة، لم يحصل تاريخياً في أي دولة دخلت في برنامج مع صندوق النقد الدولي. ولو تم التوصل إلى اتفاق مع الصندوق باكراً من هذا العام، لكنا تجنّبنا برأي الزين كل هذه المصائب. “حيث كان الالتزام بالكابيتال كونترول حمى البلد من خروج مبالغ مالية هائلة سببت هذا العجز في ميزان المدفوعات. ولم يكن “الهيركات” ليطبق بهذه النسبة الكبيرة على كل الودائع سواء كانت صغيرة أم كبيرة. حتى ان خسارة الليرة لقيمتها لم تكن لتصل إلى 80 في المئة، بل انه كان من الممكن بأسوأ الاحوال ان تخسر نحو 40 أو 50 في المئة من قيمتها، وتثبت عند حد يتراوح بين 4 و 5 آلاف ليرة مقابل كل دولار”.

الزين يؤكد ان “هذه العوامل السلبية لم تجتمع في أي دولة دخلت ببرنامج مع صندوق النقد الدولي. فمن المحتمل ان يتعرض مؤشر واحد إلى انتكاسة أكثر من غيره، كما حصل على سبيل الذكر لا الحصر مع الارجنتين. حيث فقدت عملتها في ظل دخولها في برنامج مع “الصندوق” نحو 50 في المئة من قيمتها”. إلا انها تبقى، بحسب الزين، “أقل من لبنان الذي خسرت عملته 80 في المئة من قيمتها”.

“ان تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً”، مثل ينطبق على أهمية الاستعانة والدخول في برنامج مع صندوق النقد الدولي بعد أكثر من عام على انفجار الأزمة، وبعد نحو 8 أشهر على اتخاذ القرار الشهير بالتخلف عن دفع السندات الدولية. إلا ان الأكيد ان فاتورة هذا التأخر التي أضيفت اليها خسائر انفجار المرفأ بأكثر من 8 مليارات دولار ستكون باهظة على المواطن والاقتصاد. وقد يصح برأي الزين “وضع الفرصة التي أضاعها المسؤولون السياسيون بالاستعانة بصندوق النقد الدولي في خانة انعدام المسؤولية بحق الشعب والوطن”.

 

مصدرخالد أبو شقرا - نداء الوطن
المادة السابقة“ريلمي” تحقق مبيعات قياسية لهاتفي “7” و”7 Pro” في 8 دقائق
المقالة القادمةصحيفة: “آبل” تطور محرك بحث بديل لـ”غوغل”